قد تكون الكتابة عن سياسي مثل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي من قبل كاتب مثلي حذر جدا في اطلاق الأحكام .. قد تبدو مغامرة غير مأمونة الجوانب وتسرعا غير حصيف .. وأحس أنني بالكتابة عن السياسة المصرية هذه الأيام كمن أدخل هرما من أهرامات مصر وأحاول أن أفسر النقوش الفرعونية ودفاتر الفراعنة الجدارية وملايين الصور والرموز وأنا لاأتقن الهيروغليفية وقاموسي قاموس مسماري .. المغامرة أيضا تأتي بسبب أن تجربتنا مع الربيع العربي كانت صادمة فلايزال طعم النصل في ظهورنا من قبل مفكرين وكتاب وسياسيين وزعماء .. ولايزال مذاق السيوف في صدورنا من أولئك الذين وضعناهم في صدورنا وقلوبنا ومن أولئك الذين وهبناهم أعمارنا .. فاذا بهم يضربوننا بالسيوف والخناجر في قلوبنا وأكبادنا وعيوننا ولايوجد شريان في أجسادنا لم يقطع بسيوفهم .. فهل سننسى عزمي بشارة أم سننسى القرضاوي أم سننسى حماس؟؟ وهل سينسى أي سوري اسم أردوغان بعد الف عام؟؟ ..ومع هذا فانني ورغم عدم قدرتي على فهم الهيروغليفية في السياسة المصرية فانني أستطيع ان ألاحظ حجم الارتياح لكلماته في المؤتمر بين أبناء الشعب السوري .. والاحظ عدد الرسائل التي وصلتني وهي تطلب مني أن ارى مقطع الفيديو للسيسي وفيها نوع من الدهشة أن يقول رئيس مصري مثل هذا الكلام في هذا الزمن الرديء الذي لاتقال فيه كلمة حق والذي تكتم السعودية أنفاس كل من ينتقدها وكل من يتفهم الوجع السوري .. لأن الاعلام العربي النفطي الذي واظب على تحطيم اسم عبد الناصر ومزق تراثه الوطني ونهوضه باسم مصر ومكانتها حاول أن يكرس قناعة لدى الجمهور العربي أن عبد الناصر وهم مضى ولن يعود .. وأن أي رئيس مصري لن يكون له همّ الا أن يرضي الغرب وأن لايغضب آبار النفط .. وأن ابا الهول المبني من الصخر ماهو الا خرافة مصرية مبنية من الرمل ..اقول بأن خطاب الرئيس عبد الفتاح السيسي أمام ترامب وقطيعه الاسلامي والعربي في السعودية كان خطابا يستحق الثناء .. وهو كلام شجاع وكل كلمة فيه تشي بأننا أمام رجل مختلف وأن للرجل مشروعا طموحا .. وماقاله هو أول كلام مصري مستقل منذ أربعين سنة .. لأن السياسة المصرية منذ كامب ديفيد كانت تعتمد مبدأ (النأي بالنفس) الذي اجترحه ميشيل سليمان نقلا عن مبدأ السادات الشهير: (الله واحنا مالنا؟؟ ) وعقيدة (ونحارب ليه؟؟) ..وماقاله السيسي بتعبير آخر هو: "لا للنأي بالنفس" .. ولكنه ربما أيضا ناجم عن أول انقشاعات الحرب على سورية .. والشعور بالثقة لأول مرة بالقدرة على الانعتاق من القيد الخليجي بسبب نتيجة الصراع التي تميل لكفة سورية وحلفائها والقدرة على الرؤية من قلب غبار الحرب بوادر النصر السوري .. فالساسة المصريون ربما صاروا قادرين على رؤية الشرق الاوسط الجديد الذي دشنه الشعب السوري وحلفاؤه وعمدوه بالدم .. حيث يتحطم المشروع الاسلامي الوهابي العثماني وينهض محور متماد يمتد من روسية وبحر قزوين الى البحر المتوسط ليمسك بقلب العالم .. ويولد شرق جديد مليء بالطاقة الجديدة .. فيما الشرق القديم يموت ببطء ويحاول السعوديون شراء مزيد من العمر للشرق القديم ولمملكتهم القديمة بالأيام والساعات .. بالمال ورشوة الامريكان ورئيس الأمريكان وابنته وزوجته وشركاته .. بل والتبرع بالقتال والموت نيابة عنهم .. وهم يدخلون آخر معاركهم .. التي تسبق لحن النهاية ..أعترف أنه من المبكر الثناء على أي خطاب قادم من كواليس السياسة العربية وعدم الاندفاع وراء الأوهام والكلمات المذهبة ومعسول اللغة والتصريحات .. وأعرف أنه لايزال هناك مالايفهم في الغزل السعودي المصري .. وفي هدية تيران وصنافير لملك السعودية .. وأعرف أن اليمن يتألم من صمت مصر ومشاركتها الاسمية في حملة القتل والابادة .. ولكن علينا أن نعترف أن السيسي قد أوقف محرقة كبرى كانت تعد للمنطقة عبر الاخوان المسلمين المصريين الذين كان لديهم مشروع رهيب أرعن للانخراط في حرب مذهبية ونشر الحروب الدينية من لبنان الى ايران لتبرير حكم المنطقة لمئة سنة .. وكانت أنهار الدم ستسيل وتصبغ وجه الأرض في منطقتنا .. لأن محمد مرسي كان سيرسل الجيش المصري وعشرات آلاف المتطوعين المصريين للقتال والجهاد في سورية والعراق الى جانب الأتراك لبناء المشروع الاسلامي وليتناطح الجميع في معركة هاماجيدونية طاحنة مع ايران .. وقد تحرك السيسي في توقيت محكم وأوقف اطلاق المجزرة المجنونة التي كانت ستأكل ابناء مصر وسورية والعراق وايران ولبنان وتركيا .. وهذا انجاز لايمكن ان نتجاهله ..لانملك الا الوقت والانتظار لنعرف ان كان السيسي يعني مايعنيه برفضه املاءات الخليج والغرب في توصيف الحرب على الارهاب أم أنه يتغطى بهذه الكلمات ليغطي تحركا مصريا مغايرا .. كما تغطى غيره بكلمات أحلى وأبهى ..أنا شخصيا اميل للاعتقاد انه يحمل مشروعا مصريا وطنيا مختلفا ولكني لاأعرف حدوده ولن أجازف بتوقعه ورسم مداراته .. وأميل ايضا للاعتقاد أنه يحاول أن يعيد لمصر بعض استقلالها وبعض هيبتها السياسية التي حفظت في متاحف الزمن الناصري وأقفلت عليها الأقفال الحديدية .. ولكن هيبة مصر لايمكن ان تعود الا اذا عادت عاصمة للرفض .. وليس هناك الا وصفة واحدة لصنع الهيبة من ذائقة الرفض .. هي مزيج دجلة والفرات والنيل ..وماعلى السيسي الا أن يخلط ماء النيل بماء الفرات ودجلة .. فهذه الأنهار هي نهر واحد بفروع ثلاثة من ذات السلالة .. حيث يصعد نهر النيل ويترك سريره في اثيوبية ويتجه شمالا ثم يغوص في البحر المتوسط ويختفي تحت الماء ليتزوج آسيا وينجب منها دجلة والفرات اللذين يخرجان من رحم آسيا في شرق الأناضول .. ثم ينحدر دجلة والفرات جنوبا ليلتحما ويتعانقا كعاشقين من جديد في شط العرب ويصنعا نهرا واحدا .. ليغوص النهر من جديد في الخليج العربي ويسبح في بحر العرب الى أن يصل الى باب المندب ليكمل دورته ويطل وجه النيل برأسه المبلل في بحيرة فيكتورية بعد هذه الرحلة الاسطورية حيث سريره الأبدي .. ولو قطع نهر النيل فسيتوقف جريان دجلة والفرات .. ولو مات دجلة والفرات .. فسيجف النيل ويموت في سريره .. هكذا تقول كتب التاريخ .. وكتب السماء .. وكتب الشرق القديم .. وكتب الشرق الجديد .. النيل لايمر في صحراء الربع الخالي وليست له سلالة هناك ..بقلم نارام سرجون
التاريخ - 2017-05-24 2:41 PM المشاهدات 736
يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرام : انقر هنا