شبكة سورية الحدث


بوغدانوف: الأمير بندر قال لي سندمر سوريا

منذ لحظة وصوله إلى المنطقة، حرص نائب وزير الخارجية الروسية ميخائيل بوغدانوف على إظهار لهجة أكثر حزماً حيال دعم نظام الرئيس بشار الأسد. لمس بعض محاوريه أن نبرته ارتفعت عما كانت عليه في اللقاءات الماضية. اللهجة مرتبطة باحتدام الصراع الروسي الأطلسي. يدرك الرئيس فلاديمير بوتين أن سوريا مهمة جداً في هذه الصراع. لا بد من العودة بقوة إذاً صوب دمشق. استقبل بوتين علانية وبترحيب كبير وزير الخارجية السورية وليد المعلم. رفع مستوى توريد السلاح كماً ونوعاً إلى الحليف السوري. قال للمعلم إنه فوجئ واُعجب بنسبة التصويت لمصلحة الأسد في الانتخابات الرئاسية. قال كلاماً عالياً جعل الوفد السوري يقول أثناء عودته إنه «سمع ما فاق توقعاته». تلك السجادة الحمراء التي فرشها بوتين، جعلت بوغدانوف يتقدم عليها صوب المنطقة، مدركاً أن مهتمه الأولى هي دعم سوريا كي تصمد، لأن في صمودها ما يقوِّي أوراق الصراع الروسية مع الغرب. لا بد إذاً من دفع المعارضة إلى محاورة النظام، أو على الأقل من تحميلها مسؤولية إحباط الحوار. يقين موسكو أن المعارضة المفككة بسبب خلافاتها الداخلية، وخفوت الدعم الغربي لها، سيدفعانها إلى قبول المسعى الروسي. ربما في هذا اليقين بعض مغالاة. لم يكن غريبا إذاً، أن يسمع بعض معارضة الداخل كلاماً من بوغدانوف فيه شيء من السخرية حيال «الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة». قال ما حرفيته وبلغته العربية الممتازة: «سنذهب إلى إسطنبول لنرى معارضة فنادق الخمس نجوم إذا ما كانت تعيش فعلاً رفاهية الحياة» ضحك الجميع. كانت الرسالة واضحة.   بندر والتدمير لم يكن غريباً أيضاً أن يروي بوغدانوف لمحادثيه في المنطقة، كيف أن رئيس الاستخبارات السعودية السابق الامير بندر بن سلطان قال حرفياً في موسكو: «نريد تدمير هذا النظام العلوي في سوريا حتى لو جرى تدمير سوريا». وحين سأله بوغدانوف: «كيف كانت علاقتكم بالرئيس الراحل حافظ الأسد؟»، سارع الأمير السعودي إلى الاجابة: «كانت ممتازة، وكان رجلاً حكيماً»، فقال له بوغدانوف: «إذاً المشكلة ليست في النظام العلوي، بل مع الرئيس بشار الأسد نفسه». كَشفُ هذا الأمر الآن يحمل رسالة روسية واضحة أيضاً حيال الرياض. لم يكن غريباً كذلك، أن يوجه بوغدانوف انتقادات لاذعة إلى الأميركيين برغم أنه كشف عن موافقتهم على التحرك الروسي الحالي. روى لمحادثيه كيف جاء جون كيري بعد 3 أسابيع على مفاوضات جنيف 2 يقول للروس: «لقد فشلت المفاوضات، وسوف نعود الآن إلى الحرب»، كان الجواب الروسي إنكم حين تتولون الإشراف على التفاوض بين الفلسطينيين والاسرائيليين تمضون 9 أشهر ثم تمددون 9 أشهر أخرى ثم تكررون الأمر لفترات طويلة، فلماذا لا تفعلون الشيء نفسه لإنقاذ سوريا. قناعة بوغدانوف بأن لا ثقة مطلقاً حالياً بالأميركيين. إمكانية أن يخدعوا قائمة. فهم متفقون مع موسكو على هذا التحرك لجمع المعارضة والدولة، لكن الموافقة هي من باب «سنترككم تتحركون ولا شك أنكم ستفشلون». هذا بالضبط ما يجعل المسؤولين الروس يتحفظون جداً على تأييد أي عمل أميركي أو أطلسي خارج مجلس الأمن ضد داعش، ولعلهم في قرارة أنفسهم لم يرتاحوا كثيراً لانفتاح سوريا على الرغبة في التعاون مع التحالف الدولي ضد داعش. فهم كما الايرانيون، يرون أن أي إشارة إيجابية للتحالف تعني السماح لأميركا وحلفائها بارتكاب أخطاء، والقيام بخدع على الأراضي السورية. من قابل المبعوث الروسي فقد سمع مثلاً كيف أن كيري نفسه قال للروسي: «لا تعتقدوا بأننا جئنا نضرب داعش في سوريا لكي يستفيد النظام». يبدو أن هذا الأمر كان محور صدامات كثيرة روسية أميركية. سابقاً، كان الأميركيون يقولون للروس ما دام نوري المالكي في السلطة فلن نتحرك لضرب الارهاب في العراق، وهم يقولون الشيء نفسه تقريباً في سوريا، برغم أنهم مضطرون إلى ضرب داعش. رد الروس أكثر من مرة، وفق رواية بوغدانوف، بالقول: «إنكم بهذا أيضاً تخرقون كل القانون الدولي والانساني، لأنكم تسهلون الارهاب لغايات سياسية، وهذه سابقة في السياسة الدولية». لماذا التحرك إذاً الآن ما دام لا ثقة بالأميركيين؟ ببساطة لأن موسكو تريد إحراج واشنطن، وإحداث اختراق سياسي، أو الإيحاء بهذا الاختراق. الأسد متفهم لهذا الأمر، وهو يريد تسهيل المهمة الروسية برغم أنه قال أكثر من مرة لبوغدانوف وغيره إن هذه المعارضة لا تؤثر في شارع واحد ومن الأفضل التحاور مع المسلحين. لا بأس، فالأسد، تماماً كما موسكو، يدرك أن الائتلاف وحلفاءه هم المحرجون بالتحرك الروسي. إن قبلوا الذهاب إلى موسكو، فإن هذا يعني انهم قبلوا توسيع إطار المعارضة، ما سيلغي دورهم الأول، وأن لم يقبلوا، فهم يتحملون نتيجة الفشل ويقتصر الحوار على أطراف معارضة يقبلها النظام.   بوغدانوف ينتقد الاعتقالات حين طرح وزير الخارجية السورية وليد المعلم أن تكون اجتماعات المعارضة والحكومة السورية في دمشق، كان الجواب: «لا، ليس في دمشق، بل في موسكو، هذا أفضل». سأل المعلم عن السبب، وخصوصاً أن دمشق باتت آمنة الآن، فكان جواب بوغدانوف: «لو كانت آمنة لما اختفى عبد العزيز الخير ورجاء الناصر، واعتقل لؤي حسين». موسكو منزعجة من اختفاء أو اعتقال هؤلاء المعارضين الثلاثة. حاولت التدخل أكثر من مرة للإفراج عنهم أو لمعرفة مصيرهم، كان الجواب بالنسبة إلى الخير أن الدولة لا تعرف أين هو، وبالنسبة إلى الآخرين فإن ثمة اجراءات قضائية. ثمة من ينقل عن السفير الروسي في دمشق قوله أن بوغدانوف طرح موضوع رئيس تيار بناء الدولة لؤي حسين على الرئيس الأسد، ولكنه لم يلق جواباً شافياً. دمشق تتسلح دائماً بالجوانب القانونية والقضائية، بينما موسكو ترى في الأمر مؤشرات سياسية ضرورية لبناء الثقة. هذا بالضبط ما قاله المعارض السوري الدكتور هيثم مناع لموفد روسي زاره قبل فترة. سأله المسؤول الروسي عن كيفية تفعيل هيئة التنسيق، وأنهم يعولون على دوره الشخصي في سياق الحل السياسي والتحاور، سأله مناع: «هل تقبلون حكومة فيها عبد العزيز الخير وزيراً للعمل، ولؤي حسين وزيراً للنقل، ورجاء الناصر وزيراً للعدل؟».    ذهب المسؤول ولم يعد، فاختار مناع الصمت مستنداً إلى حديث نبوي يقول: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو فليصمت»، ويضيف "في هذه المرحلة الصمت موقف"، لكنّ العارفين ببعض تحركات المعارضة في الخارج يلمسون توسيعاً لهامش تحرك مناع، واستقبال مسؤولين غربيين وعرب كثيرين له، كان بعضهم يرفض حتى الحديث إليه في السنوات الماضية. بوغدانوف كان قد التقى في بيروت وفدين من المعارضة السورية يوم السبت الماضي، الأول يضم منى غانم وأنس جودة من قيادة تيار بناء الدولة، ونضال السبع الوسيط بين بعض معارضة الداخل والسفارة الروسية في بيروت. استمر اللقاء ساعة كاملة من الـ4 إلى الـ5 مساء. كان مرصوداً له نصف ساعة على أن يكون النصف الآخر لوفد هيئة التنسيق بقيادة حسن عبد العظيم، وعضوية صفوان العكاش وأحمد الحسراوي. تأخر الوفد لمشكلة في أوراق العكاش عند الحدود السورية. جرى اتصال بالأمن السوري، جرى تمرير الوفد فوصل متأخراً. عند وصول عبد العظيم وصحبه، اجتمعوا بمدير إدارة الشرق الأوسط في الخارجية الروسية بينما كان بوغدانوف قد ذهب للقاء الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، ولكن حين عاد اجتمع مع عبد العظيم والوفد بحضور نضال السبع.   إشادة بمعاذ الخطيب لوحظ في خلال لقاءي بوغدانوف مع وفدي معارضة الداخل أنه سأل عن هيثم مناع وركز على أهمية دور هيئة التنسيق، ولكنه سأل أيضاً عن رأيهم في الشيخ معاذ الخطيب، الرئيس السابق للائتلاف، وأشاد بدوره وتحدث عن بعض الاتصالات الروسية معه. كان لافتاً أن حسن عبد العظيم أشاد هو الآخر بمعاذ الخطيب، وقال إن هيئة التنسيق على تواصل وتنسيق دائمين معه، وأن الخطيب بات يقود مجموعة من الأعضاء السابقين للائتلاف، المؤمنين بالحل السياسي والتفاوض. منى غانم التي تقود «تيار بناء الدولة» حالياً في الداخل السوريّ بعد اعتقال رئيسه لؤي حسين تحدثت عن مجموعة من النقاط، أبرزها: «الحفاظ على وحدة الأراضي السورية. بناء الدولة الديمقراطية العادلة. إطلاق الحريات والمعتقلين السياسيين. الحفاظ على مؤسسات الدولة، بما فيها المؤسسة العسكرية. محاربة الارهاب بكل الطرق السياسية والثقافية والعسكرية». أما عبد العظيم، فقد قدم مشروعاً للحل من صفحات عديدة. تتضمن الصفحات النقاط التي كررتها هيئة التنسيق غير مرة. جرى حديث عن مسؤولية الدولة السورية وضرورة قيامها بخطوات لبناء الثقة. لا خطة واضحة مختصر الأمر أن بوغدانوف جاء ليسمع كل وجهات النظر، وخصوصاً أنه يسير في حقل ألغام. فلا الائتلاف يريد دوراً فاعلاً روسياً، خشية من أن يكون قريباً من النظام، ولا النظام مؤمن بتأثير للمعارضة الخارجية في الوضع الداخلي، ولا أميركا تريد لروسيا أن تنجح حيث فشلت هي. ولذلك فإن أقصى الطموح هو أن تنجح روسيا بجمع المعارضة أولاً في موسكو، للاتفاق على وفد معارض، ثم أن تجمعها مع السلطة. إذا نجحت في الخطوة الأولى، فهي دون أدنى شك ستجد شبه استحالة في إنجاح الخطوات التالية. أميركا ليست جاهزة بعد، والسعودية لم تغير رأيها. هذا ما يمكن فهمه من نقاشات بوغدانوف مع الأطراف الأخرى، من دمشق إلى حزب الله مروراً بقيادات لبنانية.  ولعل حزب الله سمع من المبعوث الروسي كلاماً مفاده بأن موسكو لن تتأخر في دعم سوريا سياسياً وعسكرياً باقصى ما تستطيع لكي تضرب الارهاب. من الطبيعي أن يشعر حزب الله بأن موسكو اليوم أكثر تشدداً من أي وقت مضى في دعمها لسوريا وتقديرها لدور حزب الله في ضرب الارهاب. لعل الحزب لمس أن لهجة بوغدانوف اليوم أكثر صلابة من تلك التي سمعها منه وفد الحزب في موسكو.  هذا رصيد إضافي لموقف روسي سابق. حين جاء وفد المجلس الفدرالي للبرلمان الروسي برئاسة نائب رئيسه إلياس أوماخانوف والتقى مطولاً قيادة حزب الله، واستهل لقاءاته في لبنان بعشاء على مائدة الحزب، قيل كلام كبير الأهمية آنذاك، لدرجة جعلت قيادة المقاومة تقتنع بأن موقف موسكو أكثر استراتيجية مما يعتقد البعض، وأكثر استعداداً للمواجهة مما يظن خصوم موسكو. يبدو أن بوغدانوف يأتي بالتفكير عينه. ذلك أن حماية سوريا هذه المرة باتت أكثر من ضرورية لمستقبل الصراع الروسي الغربي، ما يفترض سحب كل احتمالات "الغدر الأميركي"، وإقناع جميع الأطراف السورية بأن الحوار هو الأفضل. لعل اسرائيل فهمت الرسالة قبل غيرها، فردّت في اليوم التالي للقاء بوغدانوف مع حزب الله وزيارة المعلم إلى ايران بقصف مواقع قرب دمشق. هل تنجح موسكو؟ من الصعب ذلك، لكنها سحبت ولو لحين أضواء الملف السوري لمصلحتها. هذا بحد ذاته مهم في أوج الصراع الروسي الأطلسي. هذا ما يدفع الأسد إلى تسهيل مهمة بوغدانوف إلى أقصى حد، برغم قناعته الذاتية كما كان شأنه مع جنيف، بأن كل هذا ليس سوى ذر للرماد في العيون.   الجيش السوري خط أحمر   في خلال لقاءاته مع مسؤولي المعارضة في تركيا ولبنان ودمشق، ومع عدد من المسؤولين اللبنانيين، طرح نائب وزير الخارجية الروسية ميخائيل بوغدانوف أكثر من مرة السؤال الآتي: «لمصلحة من تدمير الجيش العربي السوري؟». وقدم تحليلاً مفاده بأن لا أحد يستفيد من هذا التدمير الممنهج سوى اسرائيل. وكذلك طرح سؤالا آخر على المعارضة: «ألا تعتقدون أن الحوار وحده هو الذين يجنب سوريا التقسيم»، مشيراً إلى أن على المعارضة أن تتحرك اليوم قبل الغد لتفادي ما يحاك ضد البلد الذي لها دور في إنقاذه وإعادة بنائه. فهِم سامعو بوغدانوف أن «الجيش السوري خط أحمر» بالنسبة إلى روسيا. لم يسمع المعارضون السوريون من المسؤول الروسي مرة واحدة احتمال رحيل الرئيس بشار الأسد. هو تحدث عن الحوار واللقاء وتقريب وجهات النظر. حين سأله أحد مسؤولي الائتلاف عن جنيف 1 وما لحظه من هيئة انتقالية كاملة الصلاحيات، أجاب بأن أساس الحوار هو جنيف 1 ولكنه بحاجة إلى تعديلات الآن، بعدما صار الارهاب أولوية، وكذلك بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة. خرج عدد من مسؤولي الائتلاف من الاجتماع يقولون: «إن موسكو لم تغير رأيها، ولا تزال تدعم نظام الأسد، وإن جولة بوغدانوف هي لهذه الغاية»، لكن المحادثات تطرقت أيضاً، وربما الروس تعمدوا ذلك، تطرقت إلى التذكير بأن الغرب لم يقدم إلى المعارضة أي شيء فعلي سوى توريطها. الاخبار
التاريخ - 2014-12-13 5:47 AM المشاهدات 1054

يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرامانقر هنا