يصحو كل يوم آملاً رؤية الشمس دون أن يشعر أنها تحرق جلده، الجميع يراه يمشي -كإنسان طبيعيّ- على قدميه بينما هو وحده كان يعلم أنه منذ وقت طويل فقط يزحف، يخرج من سجن السقف لسجن الغلاف الجويّ يقول في داخله:
- حسناً، ربما أن أشعر بضيق العالم خير من أن يرتطم رأسي به
يجب أن تتحلى بالصلابة ، القوة، هذه أمور سخيفة لا تستحق الحزن، يرددون أمامي هذه التفاهات دائما، و ينسون في النهاية أني لست سوى إنسان!
-الآن انسى الأمر، و لكن لا تنسَ الزهرة.
كان يحمل معه زهرة دائما و يقدمها لأكثر الوجوه التي يصادفها حزناً
-أنا أعلم أني حرمتُ الزهرة أمها، و لكن متأكد أنها ستتفهمني! ربما زهرة واحدة ترسم ابتسامة على شفاه أحدهم، و ربما، ربما تمنعه من الانتحار أيضاً
الانتحار حل رائع و لكنه مخيف، و حزين
ربما أنا من أكثر الناس حاجة للورود!
جيوبه مغمورة بالحزن مثل هاتفه المحمول الذي يغصّ بالأغاني الكئيبة
-لقد نسيت آخر مرة استمعت فيها لأغنية حماسية، لكن انظر في هذه الأرض ليس هناك ما يدعو للحماس سوى إن كنت تخدع نفسك و أنا أكره الخداع، أنا مستعد أن يأكلني الحزن في سبيل ألا أكذب عليّ
لكن مهلاً! الحياة ما هي إلا مقاومة و محاولة و أنا أحاول و لكن إذا كنت سأستسلم من المؤكد أن رحيلي لن يكون له صوت ولا حتى صدى
و من منّا يملك صدىً يا رجُل! حمداً لله أني قادر على سماع ترهات نفسي!
تصادفه مجموعة شباب أصغر منه في الشارع، من خلال نظراتهم اتضح له سخريتهم منه و قد بات ذلك علناً حين صرخ أحدهم: أنت أيها المجنون كفّ عن التحدث لنفسك لم تصبح عجوزاً خرفاً بعد.
-مجرد طفل! أرجو ألا ينهشك ما تسخر منه، و هل عليّ أن أصبح عجوزاً لأجن، أعتقد أن الوعي الزائد هو ما يسمى بالجنون و أن الناس يصفون المرء بالمجنون في ثلاث حالات: أولها عندما يعبر عن فرحه الشديد أو حزنه
و ثانيها عندما ينغمس بالواقعية
و ثالثها عندما يفقد عقله حقاً
و في الحالات كلها هو على الأقل حقيقيّ و أفضل منهم!
مسافة ساعة تفصله عن مكان عمله الذي لولا شهادته العالية لطُرد منه بسبب رقم ١١ المحفور بين حاجبيه و لتجنبه التعاون مع زملائه
-عليّ أن أكون اجتماعياً، كفّ عن التوحد مع الكرسيّ هيا فقد أكلت من جسدك أكثر من حجم الطعام الذي تناولته لكل حياتك، يوجد وجوه هنا يمكنك أن تنظر إليها بدلا من شاشة الحاسوب
و لكن لا أطيق الازدواجية! ولا أتمتع بوجوهٍ مزدوجة ولا ثلاثية ولا رباعية ، لا أتمكن من مجاراة تفاهة الأحاديث و الكذب، شخص مثلي يقرأ العيون و الجسد صعبٌ عليه تصديق اللسان! شخص لا يمكنه الحديث مع وجه لم يرتح له كيف له أن يتعلم ثقافة الاختلاط!
وقت و سوف يمر، أنجز عملك و ابتعد عن التفكير في أيّ شيء
بعد صراع بين الرغبة في العزلة أو الاجتماع، انقضت ساعات العمل، في الطريق للمنزل يضع سماعات الأذن و يشغل قائمة أغانيه المفضلة، يفكر بمعنى لحياته و يبحر في الطرقات بحثاً عن وجه لا يعرف صاحبه يبثّ فيه الأمان بابتسامة، دون فائدة، كل الوجوه متجهمة جاهزة للعراك في أي فرصة، يبحث عن عاشقين، عن قبلة، عن حضن يد، ربما زمن الحب انتهى و هذا زمن الشر
و أخيراً وصل لغرفته ألقى التحية على الصور المعلقة على الحائط، لقد اعتاد على تقبيل الذكريات كي يكسب ودّها ولا تهاجمه
في الغرفة وحيد : - كم أود لو أغادر جسدي و أقضي فقط يوماً واحد في البكاء ، لبكيت عن الوقت الذي مضى من عمري و في آخر ساعة لرقصت رقصة الموت ثم عدت إليه حياً أُرزق
و لكني محكوم بالصورة النمطيّة، محكوم بالحياة في هذا الوسط الذي يبيح كل شيء، القسوة و البرود و القتل و الظلم و يحرم عليّ المشاعر ثم المشاعر ثم المشاعر
هذا كله يدعوني للقرف!
إذا نظرتُ للأمر من الخارج أنا لا ينقصني شيء للوصول إلى السعادة، و لكن لو نظرت من خلالي و إلى داخلي لرأيت أنه ينقصني كل شيء، لرأيت أن كل ما ينقصني الأمان و الاحتواء، كل ما ينقصني هو الحُبّ.
|زِينَب ضَاهِر|
يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرام : انقر هنا