شبكة سورية الحدث


إن الفقد لشعور أليم بقلم الكاتبة دعاء الوزير

إن الفقد لشعور أليم بقلم الكاتبة دعاء الوزير

"#إنّ_الفقدَ_لشعورٌ_أليمٌ..."

لطالما سمعتُ عن الفقدِ..
فذا فقدَ ابنهُ، وذاكَ أباه، وتلكَ أخاها، والأخرى حبيبها.
هل الفقدُ شيءٌ ملموسٌ يا ترى؟!
أو كَما يقالُ في الأدبِ جامدٌ ذات أم جامدٌ معنى؟
إنْ كانَ "ذات" فما لونُه؟ ما رائحتُه؟ ما حجمهُ ذاك الذي يحطّمُ قلوباً كما يقولونُ؟
وإنْ كانَ "معنى" فلماذا تعجزُ الأقلامُ عن وصفِهِ؟
أسئلةٌ كثيرةٌ تدورُ في مخيلّتِي عنْ ماهيةِ هذا الأمرُ.

أجلسُ مع والدتي في مجالسِ النّساءِ فأسمعُ ما يتكلمونَ بهِ..
 هذهِ فقدَتْ حبيبها في إحدى القذائفِ، وهذا كانَ قدْ وعدَ صديقَه بالذّهابِ لمكانٍ ولمْ يذهبا..
يروي لي أخي القصصَ ذاتُ الأمرِ "الفقدُ والدّموعُ والحزنُ والكآبةُ كلّها تسيطرُ على البشريّةِ اليومَ". 
صدقاً لمْ أفهمْ ذلكَ الشعور، وكيفَ يحوّل الإنسانُ من مرحٍ إلى كتلةٍ من الحُطامِ والفُتاتِ؟!..
أسألُ والديَّ عنها فيجيبا: دعكِ من هذهِ الأمور، ومن ثَمّ يُعانقاني بحنيّة!
وانسى الأمر بتاتاً.

ذاتَ يومٍ حيثُ كنتُ بجانبِ "أبي" الذي يقرأُ جريدتَهُ..
و "أمّي" تقلّب في هاتفها.
رنّ هاتفُ والدي. 
رنّة.. رنتان.. فثلاث..
فأجابَ..
لحظاتُ صمتٍ..
ثم تحدثَ برجفةٍ:
_ م.. م..اذا ..ماذا تقولُ ..؟؟!! أرجوكَ قلْ أنّكَ تمزحُ؟؟!! ليس لديّ غيره إنّه ولدي الوحيد.
لمْ أفهمْ...
_مابكَ .. ماذا حدثَ أخبرنا حبّاً بالله.(تحدثت أمي).
سقطَ هاتفُ "أبي" من يدِه.
_ولدُنا ارتقى شهيداً اليومَ. 

"شهيد؟!"
سمعتُ هذهِ الكلمةَ من قبل..
أينَ يا تُرى؟!
"حمزةُ سيّدُ الشهداء."
خطرتْ على قلبي فوراً..
"حمزة" أصبحَ سيّد أخي الآن ..يا للفرحة.
سأحدّثُ "أخي" كي يرجو من "حمزةَ" أنْ يكونَ سيّدي أيضاً.
"فهو منْ أحبُّ الصحابةِ على قلبي.."
و"أخي" لنْ يرفضَ طلباً لي، وإنْ رفضَه سأخبرُ "أبي" كي يوبّخه.

بعدَ مرورِ ساعةِ فقدٍ تقريباً..
رأيتُ جثمانَ "أخي" وقدْ أصبحَ عريساً _كما قالتْ أمّي_.
"أصغرُ عريسٍ رآهُ تاريخُ عائلتِنا"..
ورحلَ منْ كنتُ أشددُ به عضدي..

مرّ شهرٌ..
 ثمَّ آخرٌ..
 وبدأتْ تتوالى الشهور..
أفتقدُ ابتسامتي، بهجتي، ضحكة أبي، ومزاح أمي، سعادة البيت.
أفتقدُ أخي حقاً..
ماذا؟
ماذا قلتُ أنا؟
افتقدتُ؟ إنّها مشّتقةٌ منَ "الفقدِ".
الفقدُ الذي لمْ أفهمْ ما هو بدايةً.
الآن أعيشُهُ..

هرولْتُ مسرعةً نحو غرفتِي كتبْتُ نصّاً صغيراً..
وبعدَ أنِ انتهيتُ..
ذهبْتُ لغرفةِ "أبي"..
واتكأتُ كما يتكئ هو على سريرِهِ..
نظرتُ لصورةِ أخي المعلّقةِ على الحائطِ.
قرأتُ النص الذي كتبته.؛ 
_"أخي.
كيفَ حالُكَ؟ وكيفَ حالُ حمزةَ _سيد الشهداء_ تُنازعني نفسِي إليكما كثيراً أخبرُهُ بأنّهُ سيكونُ سيّدي أيضاً ذاتَ يومٍ..
اعتنيا ببعضِكما جيداً.
أتعلمُ يا أخا القلبِ، أنا الآن أعيشُ دورَ الفاقدةِ المتألمّةِ بحقٍّ وربّ السماء.
أبكي بحرقةٍ عندَما أتذكّرُ.
هل تتذكرُ معي!
ذلكَ "العجوزُ" في المشفى عندَما رأيناه يبكي ابنهَ وطلبْتُ منهُ أن يصمتَ كي ألعبَ بهاتفِي دونَ صوتِهِ المزعج.
وذلكَ "الولدُ" اليتيمُ الذي صفعتُهُ بيدي لأنّه طلبَ منّي قضمةَ تفاحةً وأخبرني بأنّهُ فاقدِ الأبِ وأخبرتُهُ أنَّ جميعَ الأطفالِ لديهمْ "أباً" لمَ تكونُ أنتَ لست مثلنا وهو طفلٌ أيضاً؟!
وتلكَ "الفتاةُ" التي كانَ خاطبُها قدْ مات، وأخبرتُها بجفاءٍ وماذا يعني ألا يوجدُ شبابٌ غيرَه في البلادِ، غداً يخطبكُ غيرَهُ وتنسي أمرَهُ.
كيفَ لي أنْ أعتذرَ منهمْ؟! 
أنْ أقولَ "للكهل" تعالَ لنبكي معاً لنملأُ الدُّنيا دمعاً ونحيباً..
وذلكَ "الولدُ" تعالَ واقتصّ منّي وأطلبَ منهُ السّماحَ.
و"الفتاةُ" التي كانَ حلمها ثوبُ زفافٍ أبيضَ ووقفةٌ بجانبِ فارسِها، ذاكَ الشّابُ  دونَ غيرهِ منَ الشّبابِ..

شعورُ الفقدِ يجري مجرى الدّمِ في عروقي النّابضةِ بكَ يا خيّا..
الفقدُ التفَّ حولي حتّى استحوذَ عليّ..
لونُهُ أسودَ كئيبٌ وكأنَّ فيهِ شيءٌ من خسوفِ الشمسِ ما إنْ يُصيبُ أحداً حتّى يصابُ بالعمى، ليسَ "العمى" بمفهومِهِ العام، فالفقدُ لا يرى للمجوداتِ معنىً ولا قيمةً..
رائحتُهُ مميتةٌ جدّاً خانقةٌ كثيراً فظيعةٌ بشكلٍ رهيبٍ..
حجمُهُ مدادُ الأرضِ وبحجمِ السّماء أكبرُ من أيّ شيءٍ في هذهِ الدُّنيا يمكنهُ القضاءُ على أيّ أحدٍ بمجرد مرور عابر لهُ..
ولكنّني ما زلتُ معهم بأنّهُ لا يوصفُ..
لا تعجزُ الأقلامُ فقط عن وصفهِ بل و"الألسن" أيضاً..
تعلّمتُ معنى الفقدِ بفضلِكَ..
ااه أيضاً..
أتذكرُ ياأخي.
كنّا نستعيذُ من قهرِ الرّجالِ..
أتعلمُ؟!
رأيتُهُ بأمِّ عيناي.
رأيتُ قهرَ أبيكَ، وأقسمُ لك يا خيّا بأنّهُ أمرٌ يُستحقُ أنْ يستعاذُ منهُ..
أحبكَ أخي.. أحبك كثيراً.
قبّلتُ جبينَ "أخي" وذهبتُ لغرفتي..

آلافُ الصورِ والأشخاصِ مرّتْ على عقلي في غرفتي الصغيرة، لا أدري ما الحالةُ التي وصلتُ إليها هذا اليومُ أنْ أدركَ جميعَ المعاني وأفهمُ كلَّ الأمورِ وأتذوقُ الدّموعَ طعماً حقا لقدْ جننت.
عشراتُ المشاعرِ تجتاحني، الألمُ والشوقُ والندمُ والحنينُ والفقدُ والفقدُ والفقدُ..
أعدادٌ بحجمِ المجرّاتِ أراها أمامِي ما هذا يا ربّاه؟!

"والفقد يهوي في الفؤاد ويوجع" رددتُ هذهِ العبارةَ كثيراً.
فقدُتكَ واحتجتُ إليكَ ولمْ أجدكَ يا أخي فأسندْتُ رأسي على كتفِكَ في صورةٍ.
دفنتُ رأسي بكنزتكَ وبكيت لألمِ الفقد..
الفقدُ وحدَهُ دونَ سواه..
ونمتُ..
°النص مجرّد أضغاثُ أقلام ليس إلا..°
|#دعاء_الوزير..

التاريخ - 2020-02-22 9:34 PM المشاهدات 1216

يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرامانقر هنا


كلمات مفتاحية: رأسي شهيد أخي أبي
الأكثر قراءةً
تصويت
هل تنجح الحكومة في تخفيض الأسعار ؟
  • نعم
  • لا
  • عليها تثبيت الدولار
  • لا أعلم