شبكة سورية الحدث


الماء البارد بقلم سلاف علي علي

الماء البارد بقلم سلاف علي علي

الماءُ باردٌ..
يَفترُ رويداً رويداً
ثم يدفأُ
وجسدٌ غضٌّ
ينضحُ خمراً
عَطِشٌ للسَكرِ..ولا شيءَ يُسكرهُ..
أصابعٌ عشرة أُسقطُ ظلالَها الطَّويلة 
على شعري القصيرِ الجاف..
خدرٌ يسكنُ الجسدَ
فقدانُ الشُّعورِ بحرارةِ الماءِ
وبالمكانِ 
وبأيِّ زمانِ أنا..
أتوهُ وأضيعُ في الحُلمِ..
....
التَّوقيت لاشيء..
لعلِّي حسبتهُ لا يمرُّ..
المكانُ هو الأهمُّ..!!
أسيرُ بقدمينِ حافيتينِ
على عشبٍ نديٍّ..
على يميني الكثيرُ من 
عبَّادِ الشَّمسِ الشَّامخِ الذَّهبي..
يقبّل الشَّمس ويشربُ أشعتها
فيسمو رفعةً وتميُّزاً بقدرِها..
أكادُ من جماليةِ المشهدِ
لا أستطيعُ إزاحةَ نظري
أو الالتفاتَ لبقيةِ مشاهدِ الحُلمِ..
لطالما أحبّبتهُ..لطالما تشبَّهتُ بهِ..!!
..
على يساري..
خرافٌ كثيرةٌ تتفاوتُ أحجامُها..
أصواتُ الأجراسِ في أعناقِها 
تصنعُ موسيقى ريفيةً محبَّبةً..
تُذكّرني ب "هايدي"
الفتاةُ الصَّغيرةُ التي أحبُّ..
أكوامٌ من القشِّ هناك..
وفي الزَّاويةِ المقابلةِ لها
كوخٌ خشبي..يرقدُ أمامَه كلبٌ جميلٌ
يشبِهُ " باني" كلبُ فادي
بائعُ الحليبِ الفتى البائس..
فرحتُ برؤيتهِ بمقدارِ حزني على ما آلت إليهِ حالُهُ في نهايةِ المسلسلِ الكرتوني..
أشردُ قليلاً وأفيقُ بعدَها لصوتِ الأجراسِ مجدداً بجانبي..
راحةٌ غريبةٌ تملَّكتني..نَفسَي يطولُ ويتَّسعُ
ويتبعُهُ زفيرٌ أطولُ فأطول..
والخدرُ يمشي..ويمشي في خلاياي..
ولا شيءَ غير النَّشوة تسكُنني..
صوتٌ يعلو وينخفضُ..يقتربُ ويبتعدُ
وتيرتُهُ تختلفُ بينَ الدَّقيقةِ والأخرى..
أظنُّه يناديني..لا أستطيعُ تمييزَهُ..
أمّي ..أنا هنا..
ستبدأُ اللِّعبةُ..سأبدأُ العدَّ
واحدٌ..اثنان..
اختبئي جيداً..سأجدكِ حتماً..
ستةٌ..سبعة..
قاربتُ على الانتهاءِ..
أكرِّرُ سأجدكِ هذه المرَّة..
تسعةٌ..عششششرة
ها أنا أفتحُ عيناي..
طفلةٌ جميلةٌ..بضفيرتينِ طويلتينِ بلونِ الشَّمس
تركضُ هنا..تبحثُ هناكَ..
تضحكُ..وتعبسُ
تكتِّفُ يديها الصَّغيرتينِ تارةً..وتارةً أخرى تدسُّهما في جيبِ تنورتها وتلتقطُ منها حبةَ كرزٍ تملأُ كاملَ فمِها الصَّغيرِ..
أناديها ولا تسمعني
أقفُ أمامَها ولا تراني
عالقةٌ أنا
 بينَ الحُلمِ والحقيقةِ
بينَ السُّؤالِ والإجابةِ
بينَ المنطقِ والفلسفةِ
بينَ الشُّعورِ والَّلاشعورِ
عالقةٌ أنا في منتصفِ كلِّ الأشياءِ من حولي..
وما من يدٍ تنتشلُني من ضياعي هذا..
المكانُ مظلمٌ..والهدوءُ سيدُ الموقفِ
يكسرُهُ صوتُ خطواتٍ
تقتربُ مني بخفَّةٍ وترقبٍ حذرٍ
تطوِّقُ يداها خصريَ النَّحيلَ
تُسندُ رأسَها الصَّغيرَ على كتفي
وتصرخُ بمرحٍ وبصوتٍ يضجُّ بالنَّصرِ " وجدتُكِ "
الألمُ يسكنُ جسدي..
دلو الماءِ فاضَ وامتلأَ..
أصابعي العشرة..جمراتٌ ملتهبةٌ
قدماي فقدتا الشُّعورَ..وربما جسدي بأكملهِ..
جسدي يحترقُ..وحنجرتي تخونني مجدداً 
أضحكُ حدَّ البكاءِ..أضحكُ من سذاجةِ الموقفِ
لا خمرَ يُسكرني عادةً..وتُراني سَكرتُ وقُتلتُ بماءٍ!! 
طفلتي التي لم أنجبها بعد..تناديني
" أمي انظري خلفك..أنا وراءك تماماً "
ظلٌّ أسودٌ طويلٌ..يسحبني ويشدُّني إلى الهاويةِ
لعلَّها النّهاية حتماً..
يطفو جسدي المحترق في الهواءِ..ويضيعُ صوتي مع الريح
" نارٌ أنا..لا ريحٌ تُطفئني ولا ماءُ !! "

سلاف علي علي

التاريخ - 2021-02-03 7:01 PM المشاهدات 723

يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرامانقر هنا


الأكثر قراءةً
تصويت
هل تنجح الحكومة في تخفيض الأسعار ؟
  • نعم
  • لا
  • عليها تثبيت الدولار
  • لا أعلم