شبكة سورية الحدث


بين أدراج المنزل القديم وسلم طائرة شرود إنساني ولحظة وجدانية

بين أدراج المنزل القديم وسلم طائرة شرود إنساني ولحظة وجدانية


سورية الحدث الإخبارية- السويداء- معين حمد العماطوري
يبدو علاقة الانتماء بالأرض والتاريخ هي علاقة انسجام بين الحركة والفعل والتأمل والشجن، وهي تحمل أبعاداً متنوعة وجدانية وإنسانية وثقافية واجتماعية، ولعل اللحظة الفاصلة بحياة المغترب المهندس سميح متعب الجباعي كانت على نطاق ذاتي عندما فكر مصراً أنه امام وجودي في خيار بين البقاء في بيئة الانتماء للأرض وبين السفر للتحصيل العلمي بالنمسا، ولعل الاستحقاق المكون للشخصية حمل حياة البسيطة وبيئة اجتماعية موسومة بطابع الكرم والطيب والعلاقات الإنسانية والجامع بينهم بعوامل تاريخية ومواقع وأحداث واقعية شاهدها بين شقوق أيدي والده المجاهد متعب الجباعي الرامية من غبار الزمن آثار تعب الحياة وضنك العيش، ليعيش لحظات الأهم في تناقضات متعدد الشخصية وبصوت صاخب ضمن منولوج داخلي عاشه ذاك المغترب للتحصيل العلمي وبين مصداقية التوثيق والتدوين لتاريخ أحبه وبات هاجسه، وما بينهما اختلاف في الدراسة والمنهج وإتلاف بالمبداً والموقف، إذ كلا الأمرين يأخذ منه مكوناً جمالياً أثبت فيما بعد اعتبارهما... 
يروي المهندس سميح متعب الجباعي علاقته بالحياة وقصته مع السفر بسرد يحمل الشجن والألم ليصل إلى بلاد الفن والإبداع النمسا وهو يقول:
بتاريخ 24 نيسان من عام 1974 أذرفت دموعاً كثيراً حينما ودعت أسرتي وأصدقائي وابناء قريتي الشبكي متوجهاً نحو مطار دمشق الدولي، إذ دارت في مخيلتي العديد من الأفكار المتشابكة، فما أن وصلت إلى داخل الطائرة وأخذت مقعدي على النافذة كانت النظرة الحزن ودموع الأمل أودع بها جذوري وانتمائي وطفولتي وبيادري وساحات شقاوتي وميدان لعبي وأصدقائي ورفاق دربي، والأهم أودع دمشق التي أحتضنتي ورمتني بين ياسمينها عطراً أزلياً يفوح عبيرها مع كل زائر لشوارعها واسواقها القديمة، في مقعدي بدأ مشوار التأمل وعبرات عيوني ترتقب كيف يمكن ان تتحمل الفراق، وفي ذاكرتي مجموعة من الاحداث أهمها ابنة اختي سمرة وهي تعتلي اكتاف والدها ترمقني بعيونها، والمقل تدمع بدموع ساخنة لأرى النظرة الأخيرة من المكان الذي أحببت والناس الطيبين الذين ودعوني وسخونة الدموع على محياي تحرق وجنتين من شدة الألم، وأنا في بحار الواقع وموجات الأفكار المتلاطمة تغوص في داخلي، ربما كانت الهزة الانفعالية حين تحركت الطائرة أو جاءت المضيفة تلقي التحية والسلام على المسافرين، لأصحى من غفوة الحزن إلى فضاء التناقض والمقاربة بشخصيتين تتحدثان عن سميح الجباعي المحب للسفر والطامح لدراسة الهندسة الميكانيكية وبين سميح  الجباعي الحامل حنين الأهل والمكان ليرنو على الشخصيتين صمت مرين، وأخذت كلا منهما يثبت للأخر صحة كلامه ورؤيته، وهذا التناقض وأنا بين اللاوعي الوجودي والوعي المدرك للمتخيل الإنساني، شعرت وكأن سميح المحب للتجدد والمعرفة وللعلم والتطور، قد تغلب على سميح المنغمس في إيقاعات التاريخ والتراث والبيئة الاجتماعية والأرض والوطن، ظلت حكاية التناقضات ومسرحية المتخييل تشهد في تشخيص الواقع الافتراضي، حتى أقلعت الطائرة ونداء الطاقم ينادي بصوته الناعم الهادئ الجميل اربطوا الاحزمة، ايقنت ان الفضاء الأرحب هي السماء وحكايا المضافات القديمة باتت واقعاً منغمساً مع لحظات الماضي، عانقت السماء وبين الغيوم الداكنة انظر إلى أرض وطني الأم سورية، سورية الحضارة والتاريخ والثقافة والفنون كيف هي، بنسيجها العمراني وشوارعها ومعاملها ومحركات الحياة بها، لأغفو على أحلام الحياة المتجددة بعد مسح دموع الفراق والهجرة...
ويضيف المهندس سميح الجباعي ما أن وطأة أقدامي أرض فيينا حتى تبددت طموحات الشاب الرامي التحصيل العلمي الاكاديمي في الهندسة، مع تطلعات مسيرة جديدة في البحث والعلم والمعرفة والعمل، وكلما استمعت الى إيقاعات الفالس وأغاني الوجد الأطرشية للموسيقار فريد الأطرش وعبد الوهاب وغيرهم من عمالقة الغناء العربي من خلال اشرطة الكاسيت، أتوجس علاقتي بالمستقبل وأحن الى قراءة التاريخ والتراث، لأنني قد حملت من قريتي وحكايا والدي المجاهد متعب الجباعي معنى إرادة الانتصار على الذات وعلى الواقع ولو كان هو الأقوى، يقيناً ما فعله المجاهدين والثوار لنيل الاستقلال كان أوسع بطيفه من تخييل السرد الروائي الهادئ، وبالتالي كضمت على جرح الفراق وبدأت بشخصية جديدة تحمل المواءمة للحياة الأجنبية والى لغة وعادات وتقاليد جديدة...
أخيراً يمكن القول إن حكايا مهندس وطني سوري جبلي أراد أن تسرد بطريقة انطباعية ولكنها هي في أحداثها وتفاصيلها اجتزاء واضح العلامات للتوصل إلى الهدف المنشود، وها هو بعد خمسة عقود من الزمن يجمع بين أثنين الميكانيك الهندسي المعرفي والتوثيق التاريخي التأملي، من خلال ما أغنى المكتبة التاريخية والتراثية بكتابه ذاكرة الثورة السورية الكبرى....وهناك المزيد عند وقفات عمله ومنجزه التوثيقي وحين فعلت الصدفة فعلتها للتصميم على الجمع بين الهندسة الميكانيكية وبين البحث في أروقة الزمن الغابر وأحداث التاريخ بوثائق وحقائق هي عنوان لمرحلة قادمة فيها الأمل لمشروع إنساني اجتماعي ثقافي ...

التاريخ - 2021-05-14 6:52 AM المشاهدات 2684

يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرامانقر هنا