شبكة سورية الحدث


في "البنزين".. وأشياء أخرى!!..

في "البنزين".. وأشياء أخرى!!..

سورية الحدث _متابعة  

 واجهة الدولة، وهي أساس العلاقة بين الدولة - المؤسّسة وبين المواطنين في هذه الدولة..

-كثيرة ٌ هي القرارات التي ترى الدولةُ مصلحتَها فيها، وهي تسعى لتمرير هذه القرارات من خلال ذراعها التنفيذيّة، ونعني بها الحكومة، أو السلطة التنفيذيّة..

-بعيداً عن طبيعة هذه القرارات فإنّ الحكومة مسؤولة عنها، وهي مسؤولة عن آلية إيصالها للمواطنين أيضاً، باعتبار أنّ كثيراً من القرارات التي ترى الدولة مصلحتها فيها، قد تكون غير شعبيّة، لا بل أكثر من ذلك، قد تكون بعض هذه القرارات، ضارة مبدئيّاً بيوميات حياة ومعاش المواطنين..

-لهذا فإنّ هناك مسؤوليّة مركّبة على الحكومة القيام بها، وهي مسؤوليتها في تقديم هذه القرارات وفي عملية إخراجها وإيصالها لمواطنيها، من خلال آلية محترمة وكريمة تجعل من المواطن طرفاً رئيسيّاً فيها، كونه كذلك دستوريّاً وموضوعيّاً، هذا من جهة، ومن جهةٍ أخرى، فإنّ الحكومة تقوم بتنفيذ هذه القرارات..

-المواطن في أيّ دولة يمتلك جملة من المشاعر والعواطف والمواقف تجاه دولته، كون أنّ علاقته بدولته هي علاقة مصلحيّة، يحدّد هذه العلاقة العقد السياسيّ - الاجتماعيّ لهذه الدولة، لهذا فإنّ هذه العلاقة مهدّدة فيما لو تمّ تعامل الدولة مع مواطنيها، بعيداً عن جملة مشاعره وعواطفه..

-هذا الأمر لا يخصّ فقط موضوع رفع أسعار "البنزين" الأخير، وإنّما يشمل كلّ كبيرةٍ وصغيرةٍ في هذا الوطن، علماً أنّنا نعتقد أنّ هناك خطّة اقتصاديّة تنفّذها الدولة، لجهة إعادة إنتاج خارطتها المالية، وتوزّع كتلة النقد الوطنيّ تحديداً، لكنّه ليس مقبولاً أبداً أن يتمّ التعامل مع المواطن، من قبل دولته، أو من قبل ذراعها التنفيذيّة، بهذه اللامبالاة وبهذه الطريقة الاستفزازيّة، من خلال قرارٍ لإحدى وزارات الدولة، من دون مقدماتٍ له، ومن دون حاملٍ معنويّ موضوعيّ يساهم في احترام المواطنين!!..

-مطلوبٌ من الدولة، نؤكّد من الدولة، ومن مؤسّساتها التي تعمل على إعادة إنتاج هذه الخارطة المالية لكتلة النقد الوطنيّ، وهي الكتلة التي تعرّضت بدورها إلى عدوانٍ اقتصاديّ - ماليّ كبيرٍ جدّاً، مطلوبٌ منها، وضع آلية موضوعيّة لرفع الأسعار، تحاكي وتراعي ظروف مواطنيها، ولا تعمل وكأنّها بعيدة عن هذه الظروف الصّعبة التي يمرّ بها السّوريّون جميعاً!!..

-ليس مقبولاً أبداً أن يتمّ التعامل من قبل الحكومة مع المواطنين بهذه الطريقة غير الكريمة، وأن يتمّ رفع سعر مادةٍ، أيّ مادةٍ، تشرف عليها الدولة، بهذه النسبة المعيبة والمخجلة، والتي يبدو فيها كثيرٌ من الزجر واللامبالاة والتحدّي التي ستنعكس على مشاعر المواطنين وروحهم الوطنيّة الجامعة، قبل أن تنعكس على جيوبهم وتفاصيل إمكانياتهم الماليّة!!..

-صحيحٌ أنّ قرار رفع سعر "البنزين"، لا يعني أو يخصّ غالبيّة السوريّين، لكنّه ينعكس تلقائيّاً على تفاصيل معاشهم وحياتهم جميعاً، وصحيحٌ أنّه قرارٌ يصبّ أخيراً في صالح الدفاع عن هذا الوطن وحمايته، لكنّ الطريقة والآلية والشكلانيّة التي جاء بها، سيكون لها مردودٌ وتبعاتٌ وتأثيراتٌ كبيرةٌ جدّاً، على علاقة الدولة بمواطنيها، قبل أن يصل القرار إلى نتائجه المرجوّة في الدفاع عن الوطن..

-لا نعتقد أنّ الأمر محصورٌ بموضوع رفع سعر "البنزين" فقط، وإنّما هناك موجةٌ كبيرةٌ من ارتفاع الأسعار، على كثيرٍ من المواد الأساسيّة التي تخصّ حياة السوريّين جميعاً، كان يمكن للحكومة أن تلعب دوراً آخر في حماية المستهدفين بهذه الزيادات، ليس من خلال محاربة هذا التغوّل غير المنطقي لعدم انضباط السوق بقائمة أسعار واحدة، وإنّما أيضاً لجهة ضرب الاحتكار والتدخّل الإيجابيّ لحماية كثيرٍ من المنتج الوطنيّ، صناعيّاً وزراعيّاً..

-نحن نعلم أنّ الدولة تعمل على استعادة جزءٍ هامٍّ من كتلة المال الوطنيّ، والتي تجمّعت وتوضّعت في مواقع معيّنة، وفي أيادي محدّدة، خلال مرحلة العدوان، نتيجة أنّ ظروف وشروط العدوان ومناخاته، ساهمت في هذا الانزياح الخطير لكتلة المال، لكنّه أيضاً مطلوبٌ من الدولة الإنتباه إلى واحدةٍ هامّةٍ جدّاً، وهي أنّ هذه الاستعادة لكتلة المال، أو جزءٍ منها، يجب أن يشعر به السوريّون، ويجب أن يرتدّ سريعاً على تفاصيل حياتهم ومعاشهم!!..

-نعم صحيحٌ، وصحيحٌ جدّاً، أن ندافع عن الدولة، كي تبقى مظلّة مجتمعنا ووطننا الرئيسيّة، لكنّه علينا الإنتباه جيّداً إلى أنّ انتصار الدولة، أو صمودها وبقاءها، عندما لا ينعكس إيجاباً وسريعاً على حياة المواطنين، وعندما لا يشعر بذلك المواطنون، فإنّ العقد الاجتماعيّ - السياسيّ ذاته يتضرّر في الوجدان العام الوطنيّ..

-إنّه من الأهداف الهامّة للانتصار، أن تحافظ الدولةُ على احترام مواطنيها لها، نقول احترام مواطنيها لها، ليس خوفاً منها، وإنّما خوفٌ عليها، وهذه واحدة لا يمكن تأجيلها، كما أنّه لا يمكن التعويل على فصل التاريخ بصوابيّة موقف هذه الدولة فقط، كي يقول رأيه الإيجابيّ  بها، في معزلٍ عن الوعي والوجدان الجمعيّ الوطنيّ، الذي يجب أن يكون رئيسيّاً بحامل هذه الدولة أساساً..

-ليست الراحة الماديّة ومستوى الحياة المعيشيّة للمواطنين هي من تحدّد الوعي الوطنيّ لمواطني أيّ دولة، وإنّما هناك قضايا معنويّة رئيسيّة تقوم بها الدولة، تساهم وبشكلٍ رئيسيّ في هذا الوعي الوطنيّ، ومنها شكل علاقة الدولة بهؤلاء المواطنين، لا نقول علاقتها التي يحدّدها الدستور والقانون، وإنّما شكل هذه العلاقة..

-عندما لا يشعر المواطن باحترام دولته له، يتضرّر العقد الاجتماعيّ - السياسيّ بينه وبين الدولة، وبينه وبين شركائه في الوطن، وينعكس ذلك كلّه على رؤيته وقدرته على محاكمة كثيرٍ من القضايا العامّة..

-ينعكس ذلك على الإبداع، الفرديّ والجمعيّ، على الموسيقى وعلى الشعر وعلى الأدب وعلى الفكر وعلى الثقافة بمجملها، وينعكس على مفاهيم كبرى سبقت مفهوم الدولة الحديثة، فتصير المناطقيّة والعشائريّة والمذهبيّة معايير متقدّمة على معايير وطنيّة تتراجع شيئاً فشيئاً، على حساب تراجع مفهوم الدولة، وأخيراً على حساب الوجود الموضوعيّ للوطن!!..

#خالد_العبّود..

التاريخ - 2022-08-08 10:04 AM المشاهدات 463

يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرامانقر هنا