الحادثة التي وقعت منذ يومين في إحدى مراكز الامتحانات بريف دمشق لم تكن الأولى من نوعها، وليست حديثة الظهور، إنما هي مشكلة حقيقة يعاني منها المراقبون ومندوبو وزارة التربية السورية خلال امتحانات الشهادتين "التاسع" و"البكالوريا" وأحيانا خلال الامتحانات الجامعية، ظاهرة كاد يناهز عمرها عمر سنوات الحرب السورية، التي كان لها الدور الأبرز بإظهار هذه الفوضى. ولم تعد المسألة مسألة تهديد مراقب وضربه فقط بالأيدي، وإنما هناك حالات تعدت الأيدي خاصة خلال امتحانات "البكالوريا الحرة" في ريف دمشق وأغلب المحافظات السورية، التي اعتاد طلابها على حمل السلاح معهم إلى قاعات الامتحان قبل القلم، وفي حالات أخرى يلازم المرافق الشخصي والسلاح "الطالب" في قاعة الامتحان، وهو ما أكده عدد من المراقبين واشتكى منهم الكثير لكن على ما يبدو دون جدوى. أمر فجرته حادثة مدرسة القرى المختلطة في منطقة قرى الأسد، بريف دمشق عقب قيام بعض الطلاب مع ذويهم بضرب أحد المراقبين "لمنعه عمليات الغش خلال امتحان مادة الرياضيات لشهادة التعليم الأساسي (التاسع) وعدم السماح للطلاب بالنقل" وبحسب شهادة أحد الطلاب “كان المراقب يشرف على القاعة بصرامة شديدة، ولم يسمح بعمليات النقل والغش نهائيا، وتوعّدوه الطلاب علانية بالضرب بعد الانتهاء من المادة، و أثناء الانصراف، رصدوا خروج المراقب وقاموا بضربه إلى أن تدخلت عناصر الشرطة وطوقت مكان الحادثة، وتم نقل المراقب للمشفى”. وبحسب المصادر فإن الطلاب حرّضوا من قبل ذويهم من أجل ضرب المراقب في الوقت الذي قال فيه الطلاب “إن أسئلة مادة الرياضيات كانت صعبة للغاية وكنا نريد بعض المساعدة لا أكثر”. وبالفعل أقدم الطلاب وذويهم على الاعتداء على مندوب مديرية التربية "أنور ناصر" وهو الموجه الاختصاصي لمادة اللغة الإنكليزية والمشرف على العملية الامتحانية، وبعد تدخل عناصر الشرطة المكلفين حماية المركز ودفاعهم عن مندوب المديرية تمكن المعتدون من الفرار. أما عن موقف الوزارة خاصة بعد أن تقدم الأستاذ "أنور ناصر" بشكوى رسمية بمخفر الشرطة في قرى الأسد، فقد نقلت صحيفة "الوطن" عن وزير التربية هزوان الوز تأكيده وقوع الحادثة وأن الأستاذ ناصر تعرض للسب والشتم والضرب من ثلاثة شبان أمام المركز عندما كان يريد ركوب سيارته وبعد تدخل الشرطة، "لاذ المعتدون بالفرار". وقال الوزير أنه يتابع الموضوع مع وزير الداخلية لاتخاذ الإجراءات القانونية بحق المعتدين بعد البحث والتعرف عليهم. علما أن الاستاذ ناصر وطلاب قاعة الامتحان يعرفون جيدا من هم المعتدين فقد كان تهديدهم واضح وصريح خلال سير العملية الامتحانية وعلى مرأى وسمع كل من تواجد بقاعة الامتحان، إلا أنه ولهذه اللحظة لم يذكر أحد أسماء هؤلاء الطلاب وهل هم أولا أحد المسؤولين، وهل كان من ساهم بضرب المراقب مرافقتهم أم فعلا ذووهم، وفي الحالتين عار على التستر، خاصة أن بعض المصادر المواكبة للحادثة أكدت أن المراقب أدخل إلى المشفى بسبب ما تعرض له. ولم تتوقف تداعيات الحادثة هنا وإنما فجرت جدلا واسعا على مواقع التواصل الاجتماعي، بين المراقبين والأساتذة وبعض الأهالي، وربما من أكثر الصفحات التي حظيت بالمناقشات هي "يوميات قذيفة هاون" بعد نشرها الخبر، والصادم بالموضوع أن أكثر التعليقات تناولت الموضوع وكأن الغش بالامتحان حق من حقوق الطلاب، وألقى المعلقون اللوم على الأساتذة بمزاعم أن الطلاب يحتاجون لبعض المساعدة أحيانا بسبب الخوف من الامتحان وصرامة المراقبين. فيما تحدث طلاب آخرون عن حالات الفساد أيضا عند بعض المراقبين وهو أمر تأكدنا منه ومن وجوده حقا بقاعات الامتحان وفق ما أخبرنا طلاب فضلوا عدم ذكر أسمائهم الكاملة، فقد أكد الطالب "ب.م" أنه في قاعة امتحانه طلب المراقب من أحد الطلاب مساعدة آخر لحل الأسئلة، بينما قالت الطالبة "م.س" أن الفوضى في قاعة الامتحان وتبادل الجدل بين المراقبين والطلاب حول الانضباط منعها من التركيز لأكثر من نصف ساعة. الطالبة "ج.س" لم تكن ضد فكرة الضرب عموما ولكنها "لا تحبذها" وفق ما أخبرتنا، قائلة: " يمكن ماضربوه لانو ما قدرو ينقلوا، المشكلة انو اذا حركت كتفك او اجرك بيهددونا المراقبين بسحب البطاقة، نحنا ما بدنا تنقيل بدنا تركيز كل خمس دقايق بينط قدامي المراقب من الرعبة ما قدرت اكتب والأسئلة كانت صعبة بالرياضيات، الله يعين الطلاب ومنيح منن عم يدرسوا بهالضغط". الطالبة "ر.م" والطالب "س.س" فقد أكدوا أنه من حقهم وحق كل طالب أن يجني ثمار تعبه فليس من العدل أن يدرس الطالب طيلة عام ليأتي آخر بعضلاته يحصل على النتيجة. أما عن المراقبين والأساتذة فقد كان لنا نقاش طويل مع الأنسة "م.ج" التي أكدت أنها في امتحانا "البكالوريا" السنة الماضية هددت بالسلاح من الطلاب بريف دمشق وأنها اشتكت وطلبت نقلها لمركز آخر للمراقبة لكن الجواب كان يجبرها على الالتزام بمركزها دون تغيير، وبحسب م كان أحد زملائها المراقبين بالقاعة يتولى بنفسه تسهيل الغش، وعن هذا العام قالت "م" هذا العام لن أراقب كما العام الماضي خاصة بالبكالوريا الحرة، يحملون سلاحهم إلى القاعة، أعرف أنني سأعاقب من قبل الوزارة لتخلفي عن المراقبة ولكني لست مستعدة لمشاكل العام الماضي. ولم تكن الأنسة "م.ج" هي الوحيدة التي تحدثت عن الفوضى اللاأخلاقية في قاعات الامتحان لبعض المراكز بريف دمشق، هو ما أكده أيضا أكثر من أستاذ فضلوا عدم ذكر أسمائهم. فإلى أي حال وصل التعليم في سورية، وإلى متى ستبقى إجراءات وزارة التربية خجولة وغير واقعية، صارمة في مناطق وناسية متناسية عن مناطق أخرى. إنها ليست من مفرزات الحرب، فالحرب لا تخلق فوضى في نفوس من لا يقبل بالغش والفوضى.. وخير دليل موقف الاستاذ ناصر وغيره من زملاء له تحدثنا معهم كثيرا. فهل هذا هو الجيل الذي تعده سورية لإعادة إعمارها و هل هذه الكوادر التي ستعتمد عليها.. "كوادر يقوم أساس بعضها على الغش المترسخ بأخلاقهم وتربيتهم من قاعات الامتحان"..
التاريخ - 2016-05-27 12:35 PM المشاهدات 2094
يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرام : انقر هنا