رغم الحرب التي تشهدها البلاد، ما زال ثمة من يفكر في نشر البهجة ويعتبرها درباً للخلاص. شعار «نعم للحياة» يبدو ناشزاً في قلب مشاهد الموت والدمار، لكنه يروي قصة الانحياز السوري إلى الحياة تبتسم ندى أمام الكاميرا كاشفة عن أسنانها اللبنية الناقصة، وتطلب من أمّها أن تُريها الصورة قبل إرسالها إلى أبيها المقاتل في ريف حلب، مرفقة بعبارة: «اشتقتلك بابا».هذا الصباح لن تتناول ندى (6 سنوات) فطورها المعتاد. شربت كأسها المملوءة بالماء عوضاً عن الحليب دون تذمّر أو سؤال، فقد باتت تدرك أنها ستفرغ كل ما في معدتها بعد جرعة الكيماوي. يوم الأربعاء المكرّس للألم في حياة العائلة، هو موعد الجرعة الكيماوية الأسبوعية التي تأخذها ندى في مشفى تشرين لمعالجة الأمراض السرطانية في اللاذقية. الأب لم يرَ ابنته منذ أشهر، ويعيش يومياته على الجبهة بقلب ملهوفٍ على صغيرته المصابة بسرطان الدم، والأم التي تواجه وحيدة مرض ابنتها في مدينة لا تعرف أحداً فيها، بعد نزوحها من بيتها في حيّ القابون الدمشقي.«ماما، هالولاد خلقوا هيك بلا شعر؟»، تسأل ندى، وهي تراقب وجوه الأطفال الآخرين المغطاة بالكمامات. تردّ أمها على السؤال بإطلاق تنهيدة، وتضع الوعاء البلاستيكي أمام فمها الصغير في انتظار أن تبدأ القيء. لكنّ مفاجأة سرقت انتباه ندى، حيث دخل إلى الصالة مهرّج بشعر ملون وأنف أحمر، وتبعه آخرون يحملون جهاز تسجيل تصدر عنه أغانٍ راقصة، وبالونات ملونة يتقاذفونها مع الأطفال في أسرتهم. غمرت البهجة المكان في خلال ثوانٍ قليلة، وضحكت ندى بعد أن تقيأت السائل الأزرق، بينما همّت بالتقاط بالون رماه نحوها أحد المهرجين. «صار يوم الأربعاء بالنسبة لندى هو يوم المهرجين، ما يوم الجرعة، وهادا خفف الكتير من الوجع والتعب يلي المفروض ينتظرنا بعد الجرعة كل أسبوع» تقول والدتها.بعد ساعات من اللهو والضحك، غادر المهرجون قسم الأطفال لينشروا الفرح في بقية غرف الطابق المخصص لمرضى السرطان، ليحصل الكبار بدورهم على نصيبهم من البهجة. زينة الصيدلانية، وسهى ربة المنزل، وميمونة المهجّرة من حمص، وصبا المدرّسة، وسمير الموظف في جمعية خيرية، ووديع الذي لا يعوقه عكازاه عن صناعة البهجة، هؤلاء الشبان والشابات بدأوا حكايتهم في نشر الفرح، حين أصيبت خنساء (صديقة زينة) بسرطان الغدد اللمفاوية، وكانت تروي بعد عودتها من المشفى عن الاكتئاب والأسى ضمن قاعات الانتظار، حيث يجلس المرضى في انتظار دورهم لأخد الجرعات، فضلاً عن المهجّرين الذين كمّل مرضهم أو مرض أقربائهم حلقة الألم.«خنساء راحت تردّ الجميل للحياة بعد تحسن صحتها»، تقول زينة. وتشرح: «قررنا نعمل حملة (نعم للحياة)، مناخد دور المهرج ونروح ع المشفى بموعد جرعة الكيماوي الأسبوعية نعطيهم طاقة حب وفرح بتكون بمثابة جرعة أمل. شوي شوي كترنا وصرنا مجموعة، كل واحد مننا بيعمل يلي بيقدر عليه، عزف أو غناء أو مسرح دمى».خنساء توفيت بعد أشهر، لكن زينة ورفاقها استمروا ليتسع إطار فرحهم ويشمل ذوي الاحتياجات الخاصة والمسنين، حيث بدأوا زيارات إلى سجن السيدات في اللاذقية. ورغم الكثير من الإجراءات والموافقات التي تحتاجها، يعتبرها الفريق التجربة الأعمق والأجمل، بعد أن أثاروا بوجودهم بين السجينات حالة بهجة نادرة. «فوجئنا بالتفاعل يلي قابلتنا فيه السجينات، بداية استغربوا وجود مهرجين بينهن، لكن لاحقاً عشنا معهن حالة فرح وضحك وغنوا ورقصوا معنا وتركناهن مختلفات عن وقت شفناهن، كانت عيونهن عم تلمع بعد ما شعروا بالحب غير المشروط يلي جينا نقدملهن ياه» تختم زينة.الأخبار اللبنانية
التاريخ - 2016-06-01 5:03 AM المشاهدات 827
يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرام : انقر هنا