سوري الحدث الإنسان هو الإنسان في كل مكان في الأرض , فالإنسان الشرقي ليس أقل من نظيره الغربي , من حيث ملكة التفكير والعقل .فكل ما في الأمر أن الغرب من سياسته تبني العقول الذكية , بفتح المجال لها لتبدع وتنتج , على العكس من سياسة الشرق, خاصة بلاد الإسلام (إلّا ماندر) الغارق في مشاكله الخاصة , الذي لايفكر في تبني العقول الموهوبة , مما يدفع بكثير منها إلى الهجرة إلى حيث الاحتضان والرعاية العلمية (=الغرب) , وليس من العسير أن نبحث عن أعداد ليست بالقليلة من العلماء العباقرة من المسلمين يديرون مراكز علمية غربية , طبية وفلكية وصناعية وغير ذلك ...الخ نعم هناك محاولات جادة من بعض الدول الإسلامية , مثل ماليزيا للتقدم , وقد قطعت شوطا مهما في هذا المجال , فتحررت من هيمنة الغرب إلى حد ما , واستفادت من الطاقات في الداخل , فبدأت عملية التطوير تؤتي ثمارها , فذلك يعلمنا أن التقدم الإسلامي غير محال , وأن التحرر من الهيمنة الغربية ممكنة بشرط صدق العزيمة والقوة في العمل , والتميز في الأداء حتى تكون الصبغة إسلامية والتخلص من المصالح الشخصية , والتخلص كذلك من الفئات الفارغةالتي تشغل الأمة ولا تفيدها بشيء .ولا يعني ذلك أن الغرب سيسكت , بل سيمارس كل ما يضمن له التفوق , لذا على المسلمين الاستعداد للرد على كل وسيلة يتخذها , فعليهم إذن حسن التخطيط للتقدم كما أن عليهم حسن التخطيط لصد كل ما يتخذه الغرب لعزلهم عن المقدمة .ونحن نعلم لم يتقدم الغرب إلا بعد أن نجح في التخلص من معوق الفكر (الكنيسة) وكان احتكاكهم بالمسلمين دافعاً لمثل هذه الثورة , تعلموا فيه إنسانية الإنسان وزرع فيهم الأمل لاسترداد تلك الإنسانية , التي فقدوها مع حكم الإقطاع والكنيسة , وعقلاء الغرب ومفكروه يشهدون بفضل المسلمين على أوروبا في النهضة الحديثة , تقول الألمانية ( زيغريد هونكه ) في كتابها ( شمس العرب تسطع على الغرب )"إن هذا الكتاب يرغب أن يفي العرب ديناً استحق منذ زمن بعيد " .. ص14ونحن كعرب وخصوصاً الحضارات القديمة كالعراق ومصر وسوريا بدأ عندنا التقدم والازدهار , ومن ثمّ عرج إلى اليونان والرومان وعاد إلينا مع بداية الإسلام ليستمر الازدهار والحضارة عندنا لأكثر من ألف سنة كاملة , وهذه معلومة معروفة لدى الجميع .ونحن كعرب نعتز اعتزازاً كبيراً بما كنا عليه ولا نهتم أبداً بما سنكون عليه ,الأهم هو أننا حضارة آلاف السنين , لماذا نهتم بالآتي إذن ؟ هذه نقطة بسيطة جداً مما أريد أن أقول في هذا الخصوص , فنحن نهتم بالماضي أكثر من المستقبل .في العصور الوسطى أو ماقبل كانت أوربا تعيش أظلم وأضعف عصورها , وكانت أمريكا لم تظهر على الساحة بعد , وكنا نحن آلهة العلوم والفنون ولنا السبق في علوم عظيمة أهمها الهندسة ومازلنا .أحد أكبر أسباب تخلف العرب حاليّاً هو التشدّد المستميت لعقلية القرون الغابرة , وكأني بالمتنبي الآن يهمس ويقول :أغاية الدين أن تحفوا شواربكم يا أمة ضحكت من جهلها الأمموبالمقابل فمن أساسيات مراكز القرار في الغرب اليوم هو العمل على ضمان تفوقهم الدائم والمطلق في كل الميادين الحيوية , مهما كلف ذلك من ثمن , ولو كان الثمن الإفساد والإفقار بل ولو كان الثمن إزهاق الأرواح وسفك الدماء بغير حق , يستوي في ذلك الأطفال والشيوخ والنساء والضعفاء . والمسلمون أيضاً يتحملون جزءاً كبيراً من سبب التخلف , لكن ذلك لا يعفي الغرب من التهمة , فالكل يشهد في كل بلاد الإسلام ما يخطط له الغرب بكل عناية وحرص لتبقى هذه البلدان متخلفة .بدأ ذلك منذ سقوط دولة الإسلام وتمزقها على يد الغرب إلى دويلات لها حدود وجارات بعضها غنية وبعضها فقير , فأما الفقيرة فزادوها فقراً , وأما الغنية فخططوا لإفقارها , تسعى في سداد ديونها الربوية المتراكبة , وتلك الحدود خلقت جوّاً من الاضطراب والقلق الدائم بين الجارات , فبين كل دولة ودولة مناطق متنازع عليها , هي فتيل حرب في أي لحظة , بالإضافة إلى تصدير الفساد الأخلاقي وترويجه وجبر الناس عليه والانشغال بقضية تحرير المرأة .فالفتن تحيط بدول الإسلام من داخلها وخارجها , فقد زرع الغرب في دول الإسلام من يحمل الولاء الكامل له , وليس فيه أدنى ولاء لبلده وأهله , فهو وطني بالظاهر , لكنه مستغرب , من بني الجلدة , لكنه غربي الهوى , ليس له أي قصد إلا إلحاق الأمة بالغرب , ولو كان في ذلك تحطيمها في قوتها واقتصادها وأخلاقها , فهذه الفئة تسعى دائماً لإضعاف الأمة وضمان تفوق الغرب .وقد أنشأ الغرب منظمات دولية : كهيئة الأمم المتحدة ولجانها , وصندوق النقد الدولي , والبنك الدولي , ومنظمة التجارة العالمية , لتكون أداة لضمان تفوقه على كافة شعوب الأرض .فهي تستخدم للتدخل في سياسات الدول , واقتصادياتها , تفتعل الأزمات السياسية والاقتصادية , ثم تتدخل هذه الهيئات في صورة الناصح المشير والمنقذ , وليس لها قصد إلا تعميق المشكلة , فهي تقرض مثلاً دولة فقيرة لكن بشروط وزيادات ربوية تعمق المشكلة وتزيد الدولة فقراً إلى فقرها , فالزيادات الربوية لا تقف عند حد , وهكذا تصبح هذه الدول المقترضة في الدين إلى الأبد , وذلك يستنزف الناتج القومي .وفي مثل هذه الأحوال العصيبة , والمشاكل التي لا تنتهي , تفتقر بلاد الإسلام إلى أهم أسباب التقدم , من استقرار وأمن ورخاء , ويكون بدلاً عنها الاضطراب وقلق الحرب والفقر كما ينصرف جهدها في الحفاظ على القيم ودفع أولئك المستغربين من بني الجلدة , الذين يشغلون الأمة كل يوم بما لا يعود عليها بالنفع , بل بالضرر الذين لا هم إلا الكلام عن المرأة وحقوقها المزعومة , ودعواهم وفتواهم العريضة أنها مظلومة , يحكمون على الأمة أن تعيش حالة حرب مع الأخلاق الوافدة الفاسدة الدخيلة على المجتمع تستنزف جهدها وطاقتها في ذلك.فهؤلاء الأعداء من الداخل ومن الخارج هم من أكبر أسباب تخلّف الأمة , والعدو الخارجي هو الأكبر وإنما الذي في الداخل تابعٌ له , ولولاه ماوجد .هل تعلم أن الغرب يطبقون تعاليم الإسلام ؟ يطبقون تعاليمه في المعاملات , فالعدل والمساواة والإتقان والصدق وطلب العلم وغيرها من الأمور التي تجدها عند الغرب , وهي عوامل تطوره , وقد نادى بها الإسلام , لكن للأسف نحن تركناها وظهر الفساد والاستبداد والطغيان , وهي من مظاهر الابتعاد عن الإسلام , فلو كان كل فرد منّا يطبّق الإسلام بحق فما تجد تلك الفضائح والفساد المنتشر والجرائم والسرقات والنهب والاختلاس والتهرب من طلب العلم وضياع الأخلاق وغيرها ... الخ .طبعاً لم أقصد أنهم مسلمون, بل في تعاملاتهم يطبقون تعاليم جاءت في الإسلام من عدل وإتقان للعمل واحترام الوقت والصدق وغيرها من الأمور التي أرشدنا إليها الإسلام , لذلك هم وصلوا لهذا المستو من التقدم والتطور , أما نحن فتخلينا عنها بحجة التطور وإن الإسلام دين تشدّد وعنف فكانت النتيجة التي نراها .إذن نقول أن العرب لم يتأخروا بسبب الدين , بل بسبب نقص العلم والفهم الخاطئ للدين أيضاً يمكن اعتبار الطابعات في العالم الاسلامي نقطة بداية انحدار الحضارة. عندما اخترعت الطابعة في الغرب قام علماء الدولة العثمانية بإصدار فتاوى تمنع دخول الطابعة الى دولة الخلافة الاسلامية وسمح فقط لأصحاب الذمة من اليهود والنصارى باستعمالها وفقط لطباعة كتبهم ويجب أن لا تكون باللغة العربية , من هنا انطلق الغرب وتخلف المسلمون ثم لم يسمح بها إلا في القرن التاسع عشر. , وأيضاً يعود ذلك السقوط العلمي للمسلمين في المقام الأول للشيوخ الذين حرّموا العلم , لا تسألني من هم , ابحث عنهم بنفسك , فبالتالي التعصّب للدين هو ما أسقط المسلمين وليس الابتعاد عنه .وقد كانت هناك مجازر مرتكبة باسم هذا النظام السياسي الديني , والنهب والاستعباد , نعم كان هناك علماء , لكن كان هناك احتلال لأراضي الغير للسرقة وخطف النساء كجواري , وأطفالهنّ كعبيد , نعم كان هناك علماء , لكنّ أغلبهم تم تكفيرهم والحكم عليهم بالردة , هذا جزء أيضاً لا يتجزأ من النظام السياسي الديني المتبع في معظم بلداننا العربية .رأيي ومن خلال المقارنة بين ما أعيشه في مجتمعي ومن خلال ما ألاحظه عن تقدّم الغرب أرى أنه من أهم الأسباب :1-غياب التكاتف الاجتماعي داخل مجتماعتنا وتغلّب التفكير المقتصر على ال(أنا) في حين نجد أن المجتمعات متكاتفة مع بعضها البعض داخل مجتمعها , ففي اليابان مثلاً تكاتف كامل الشعب الياباني لمواجهة كارثة التسونامي , ولم تسجل أية عملية سرقة رغم غياب الأمن , وتكاتف المجتمع الألماني بعد الدمار الكامل إثر نهاية الحرب العالمية الثانية.2- انتشار الرشاوي والمحسوبية عند معظم الشعوب العربية في المقابل نجد حرمتها وغيابها شبه الكلّي لشعوب لا تعرف شيئاً عن الإسلام .3- غياب شركات عملاقة تقوم بتشغيل الشركات المتوسطة والصغيرة في حين نجد أن في كوريا الجنوبية (وهي بلد نامي) تمثل فيه اقتصاد سامسونج لوحدها مايعادل ثلث الاقتصاد القومي للبلاد .4- ضعف الدخل الفردي جعل الناس يعملون كثيراً ويكسبون قليلاً وهذا ما أثر على نفسيتهم وإنتاجيتهم .5- عزوف الشباب عن العمل في الأرض رغم ماتدرّه من دخل هام وما تمثّله من قيمة اقتصادية . 6- التفسّخ الأخلاقي وغياب المكانة المرموقة التي كانت تتمتع بها التربية (المدرسية والمنزلية)7- كثرة الإجراءات الإدارية عند القيام بأي أمر.لماذا تأخر المسلمون وتقدّم غيرهم ؟في الثلاثينيات من القرن الماضي ألّف شكيب أرسلان كتابه الشهير " لماذا تأخر المسلمون ؟ ولماذا تقدّم غيرهم؟" ,انتقد فيه الأوضاع في الشرق وهاجم الذين وصفهم بالجامدين من المسلمين الذين اعتبرهم علّة التخلف, وتطرق إلى الانحراف في الدين وغياب الأخلاق بوجهٍ خاص , وسيادة الخيانة بين العلماء والأمراء , والغريب أن الكتاب جاء بمثابة ردّاً على سؤال لأحد القرّاء وجهه إلى جريدة المنار لرشيد رضا , التي كان يكتب فيها أرسلان مقالاته الفكرية والسياسية وفي السؤال : " ما الأسباب التي ارتقى فيها الأوربيون والأمريكانيون واليابانيون ارتقاءً هائلاً ؟ وهل يمكن أن يصير المسلمون أمثالهم في هذا الارتقاء إذا تبعوهم في أسبابه مع المحافظة على دينهم أم لا ؟"سؤال أرسلان هو ماسبق أن انكب عليه رواد النهضة منذ نهاية القرن التاسع عشر , من أجل أن يخلقوا تنويراً إسلاميّاً جديداً يحدث ثورة في الفكر اللإسلامي آنذاك , لذلك ركّزوا في مشروعهم على أهمية التربية والتعليم كجسر ضروري أو مرحلة انتقالية من التخلّف إلى النهضة , وبعد أزيد من مئة عام , تبين فعلاً أن التعليم هو العقبة الأساسية بدليل أن هذا الجسر هدم مرات عدّة في جميع البلدان العربية , وبنيت مكانه جسوراً جديدة , وهدمت أيضاً , تحت شعار إصلاح التعليم , ومازال هذا الجسر يهدم ويبنى في كل مرة إلى الآن .نفس السؤال يعيده الباحث الفرنسي لكن بطريقة مختلفة , إذ لا يجيب عن سؤال:"لماذا تأخر المسلمون ؟ " لكنه يسعى إلى الإجابة عن سؤال : لماذا تقدم غيرهم ؟ , عنوان الكتاب هو " المسيح فيلسوفاً" للباحث الفرنسي "فريدريك لونوار" يطرح لونوار هذا التساؤل لكي يجيب عليه :"لماذا نشأت الديمقراطية وحقوق الإنسان في الغرب ولم تنشأ لا في الهند ولا الصين ولا في الامبراطورية العثمانية ؟" , ثم يجيب قائلا :"لأن الغرب كان مسيحيّاً ولأن المسيحية لم تكن مجرّد دين , بل هي فلسفة ".الأطروحة الرئيسية في الكتاب كلّه هي مايلي : حصل التقدم والنهضة في أوربا المسيحية لأن فلاسفة عصر الأنوار تخطوا رجال الدين وسلطاتهم الروحية وعادوا إلى النصوص الأصلية للكتب المقدسة لإعادة قرائتها قراءة جديدة , وبالنسبة للونوار , وهو كاثوليكي متخصص في الشؤون الدينية فإن القيم الرئيسية والإنسانية في المسيحية قد تم السطو عليها من داخل الكنيسة , لكن أصحاب النزعة الإنسانية هم الذين أعادوا إليها الاعتبار من خلال التأويل الجديد .يمكن توسيع هذه الأطروحة لكي تشمل العالم الإسلامي بالتذكير بتلك الثنائيات الشهيرة التراث والحداثة , الفقه التقليدي والفقه الحديث الجمود والاجتهاد , هذه الثنائية الأخيرة التي سيطرت خلال نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين في عالم الإسلام الحديث انتهت بغلبة الجمود على الاجتهاد فقد لوحظ كيف أن رواد الإصلاح الأوائل تعرضوا لشتى أنواع الهجوم من قبل ممثلي المؤسسة الدينية في ذلك الوقت , بسبب جرأتهم على مساءلة النص الديني وخوض مغامرة التجديد , وتم نعتهم بمختلف النعوت القدحية ,لأنهم غامروا بالعودة إلى النصوص الدينية في مظانّها , دون وسيط من تراث عتيق ظلّ مسيطراً طيلة قرون , بل بالاستناد إلى أمرين أساسين : التراث المتنور الذي تم التخلي عنه بسبب هيمنة قوى المحافظة والعقل بما هو آلي بتعبير ابن رشد, بل أن مصير جلّ هؤلاء الإصلاحيين كان هو الاغتيال , كما هو الحال مع جمال الدين الأفغاني وعبد الرحمن الكواكبي, بينما واجه محمد عبده الكثير من أصناف الملاحقة والتضييق وحورب عندما تولى مسؤولية الأزهر .أخطر مافي كتاب لونوار ويستوجب التفكير فيه طويلاً , أن العالم اليوم يعيش القيم الحديثة بفضل المسيحية عليه , فهو يقول أنه لولا المسيحية , التي هي فلسفة لما عرف العالم اليوم قيماً مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان وحرية الاعتقاد والمساواة والإخاء والنزعة الإنسانية المشتركة , وهي ذاتها القيم التي أوحت إلى أوربا بإنشاء المنظمات الدولية مثل عصبة الأمم ثم الأمم المتحدة , مروراً بمنظمات رعاية الطفولة والمرأة , وانتهاءاً بهيئات حفظ السلام وسواها , ثم يؤكد بأن الكنيسة هي التي جعلت كلمة المسيح حية إلى اليوم , حتى أصبحت منتشرة في جميع اللغات .عصر الأنوار الأوربي قلب المعادلة , فبينما كان المسلمون ينادون بأن الإسلام دعوة عالمية أصبحت القيم المسيحية هي القيم العالمية المنتشرة , لأن المسلمون انشغلوا بقضايا جانبية , بسبب التعدد المذهبي الذي كان ثروة ثم أصبح نقمة بالنظر إلى عوامل التجانس السياسي , وهكذا تمكن الغرب المسيحي من صياغة مفاهيم إنسانية متحضرة صارت مكسباً اليوم من دون أن ينجح المسلمون في صياغة مفهوم واحد يروجونه ماعدا تشرذم الأمة وعدم الإحساس بالهوية الإسلاميةخديجة بدور
التاريخ - 2016-06-28 11:08 PM المشاهدات 1410
يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرام : انقر هنا