شبكة سورية الحدث


فلسفة الحكومة القادمة

سورية الحدث ..بقلم د.عدنان سليمان ثمّة افتراق معلوم الأسباب تاريخياً، بين معظم الحكومات السابقة، وبين غياب الفلسفة التي ينبغي أن تعمل وفقاً لها، ذلك أن الفلسفة المعرفية أو الفكرية تشترط منهجاً أو مذهباً اقتصادياً وتنموياً، يترجم لاحقاً إلى استراتيجيات وخطط وبرامج عمل مستقبلية، على صعد تاريخية وحياتية، وحتى بنيوية، في الاقتصاد والمجتمع، هذا الاشتراط الفكري لمعرفة استراتيجيا العمل الحكومي المستقبلي، يتضمن استتباعا معرفة السوية الفكرية للأشخاص الذين سينفذون هذا البرنامج وهذه الخطط، كما المعرفة المسبقة بانتماءاتهم الأيديولوجية وعقائدهم السياسية، التي تتناسب مع عملانية وضرورة تنفيذ برامج الفلسفة الحكومية. وهنا المعضلة تحديداً، في أن تعرف وتحدد أولاً: هوية المرحلة القادمة تاريخيا بما تنطوي عليه من توجهات اقتصادية واجتماعية، وثانياً: في أن يصبح لزاماً عليك أن تبحث عن أشخاص حكوميين (الحكوميون: هم الوزراء والمحافظون والمدراء العامون) محددين وقادرين على تنفيذ تلك البرامج، لأنهم ببساطة يملكون الفلسفة التي تحتضن تلك التوجهات. لكن المعضلة لا تنتهي هنا، بل تبدأ في طرح ذلك السؤال التاريخي، فلماذا يأتي الأشخاص الحكوميون، إن لم يكن دائماً، ففي معظم الأحيان، لأنهم يحملون هويات متعددة (مزاجية وعاطفية وشخصانية، وبالتالي ليست مؤسسية أو معرفية) ولكن قلّما، لأنهم يتناسبون أو قادرون أو مطالبون لأن يكونوا أفراداً في فريق حكومي، محكوم بتنفيذ برنامج معدّ بالأساس، ومعرّف بهويته الفكرية: الاقتصادية والاجتماعية، والتي تشترط تاريخياً، أن تكون منتمية إلى سياق فلسفي تاريخي معروف (اشتراكي أو رأسمالي، اجتماعي بانحيازه، أو ليبرالي بتوجهاته)، بحيث لا يحتمل ذالك التوجه حينها، اجتهاداً محلياً، أو وجهاً محلياً، ليراد به، القفز على الأسس التاريخية والمعرفية اللازمة والضرورية لتحقيق النموذج، مرة بذريعة الخصوصية، ومرة بذريعة قدم وانتهاء ذلك النموذج تاريخيا، وكل ذلك بقصد إرادوي مسبق، هو ملاقاة الانفلات من أسس ومرتكزات أي نموذج لهوية أو نهج اقتصادي، فالهروب من أسر المسؤولية، وبالتالي عدم تحقيق أي من سمات النموذج أو النهج، في ظلّ عدم وضوح شكل المحاسبة للمعايير، أو الأسس، فيسهل الانقلاب عليها، أو الدوران في فلك اللابرنامج، وبالتالي اللافعل تاريخياً (ولنا في تبن ظاهري وشكلاني لاقتصاد السوق الاجتماعي مثال يحتذى، في الوقت الذي اشتغلت فيه كل أجهزة واليات الحكومات السابقة (2005 وحتى 2010)على الانقلاب عليه عملانياً لصالح تمرير البرنامج الليبرالي في الاقتصاد والمجتمع).   رؤية مستقبلية في الوقت الذي أنجزت فيه هذه الأفكار الأولية، كان رئيس الحكومة الحالي، يحدد أمام اجتماع مجلس الوزراء عناوين المرحلة القادمة: الإصلاح الضريبي، والعدالة الاجتماعية، وعقلنة الدعم والمشاريع الصغيرة، (ثم يكمل أمام مؤتمر اتحاد العمال بأن: القطاع العام سيبقى رائداً، والتشاركية بالمعنى الاقتصادي والسياسي...)، ولأن هذه أفكار ورؤى اقتصادية هامة وإستراتيجية تتجاوز سقف الأزمة، فكأنه يحدد -بقصد أو دونه- هوية ونهج الاقتصاد القادم، في أنه اجتماعي تدخلي وتنموي (اقتصادياً يقال اقتصاد موجّه، وهو نقيض الاقتصاد الحر)، الأمر الذي يثبت صحة الأفكار الواردة هنا، إن العقل الاستراتيجي للحكومة، هو مطلب أولي، ثم تأتي الاستراتيجيا التنموية المستقبلية، لتنضوي في إطارها الخطط والبرامج والسياسات ثانياً، فيأتي البحث عن الأشخاص الحكوميين، الذين يمتلكون رؤى وفلسفة اقتصادية واجتماعية وسياسية، تتطابق مع تلك الاستراتيجيا التي رسمت أولاً، أي الفلسفة أولاً ثم الأشخاص ثانياً، وليس العكس، وكل مخالفة لهذا المبدأ التنموي (من هنا وجدت برامج الأحزاب السياسية والديمقراطية المتنافسة على الحكومات في الغرب، أي تنافس برامج وسياسات وليس أشخاصاً)، كأن نأتي بأشخاص حكوميين ذوي توجه ليبرالي، لينفذوا برامج اجتماعية للحكومة، أو نأتي بأشخاص حكوميين ذوي توجه اجتماعي وتدخلي للدولة، لينفذوا برامج ليبرالية في الاقتصاد والمجتمع، فتكون النتائج تلك التي نعرفها، لا الأشخاص ينجحون في الاحتكام إلى قياس معايير أدائهم، تلك التي لا توجد، ولا الخطط أو البرامج يمكن تلمسها أو ارتهانها لسياسات قد تحققت.   إعادة البناء والتنمية تستطيع الحكومة مستقبلا، بدءاً من اليوم، أن تفرض غرامة مالية، أو تعاقب كل من يروج للمزيد من الفهم السطحي لإعادة الإعمار، بأنه بناء ما تهدم تنظيميا وعمرانيا (اسمنت وحجارة وحديد)، الإدارة المحلية وهيئة إعادة الإعمار والمحافظون والمخططات التنظيمية والعشوائيات وما تهدم أثناء الأزمة، كل هؤلاء يشتغلون اليوم وسيشتغلون مستقبلاً على إعادة الإعمار، كما يروجون ويروج الإعلام والرأي العام، إعادة بناء المخرب وما تهدم، إعادة إسكان الناس في بيوتهم بعد إصلاحها، أو في بيوت جديدة، والنتيجة هي: إعادة جمع للأفراد خارج سياقهم المجتمعي أو نسيجهم التاريخي، بعيداً عن مؤسساتهم أو معاملهم أو مدارسهم أو وظائفهم، إعادة جمع بلا هوية تنموية، بيد أن المسألة في غاية الأهمية حين نحكّم العقل الاستراتيجي للحكومة، التي تصدر تعريفاً أو فهماً لإعادة الإعمار، غير ذلك المتداول، بأنه مفهوم خاطئ تنموياً، قد يصحّ فنياً أو عمرانياً، لكنه ليس إعادة بناء تنموية، فالأزمة بما أنتجته، تحتاج لإعادة بناء تنموية بعيدة المدى، بمعنى إعادة إنتاج بنى اجتماعية واقتصادية (أكثر من ديمغرافية)، تدمج الأفراد في سياقات تنموية وتاريخية (بدءاً بالمنزل إلى المدرسة وصولاً للمصنع والأرض الزراعية ودور الترفية إلى الجامعات)، أي إعادة توزيع وإنتاج هياكل وبنى جغرافية وإقليمية، تقوم على قاعدة المتاح والمتوفر فيها، من الإمكانات البشرية إلى الموارد الاقتصادية، وفقاً لكل مدينة أو محافظة أو إقليم، إنه تخطيط إستراتيجي وإقليمي لما بعد الأزمة. ولأن ذلك أكبر من الإدارة المحلية أو هيئة تخطيط الدولة، يمكن للحكومة أن تنتج جسماً وزارياً جديداً يسمّى «وزارة التنمية وإعادة البناء»، حيث يعهد إليها مهمة إعادة رسم وتنفيذ الخطط الإقليمية، بما ينسجم مع إعادة البناء والتنمية لما أنتجته الأزمة، وما بعدها.
التاريخ - 2014-08-18 9:13 PM المشاهدات 1320

يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرامانقر هنا