شبكة سورية الحدث


أرق الاسرة السورية : العيد ولوازم المدارس

يقف الطفل عيسى، البالغ من العمر عشر سنوات، بجانب أمه أمام محال لبيع اللوازم المدرسية، وقد وقعت عيناه على حقيبة بسعر 9 آلاف ليرة سورية، ما اضطر أمّه إلى صرف النظر عنها وعدم النزول عند رغبة الطفل، والالتفات إلى شراء حقيبة أخرى أقلّ سعراً وجودةً. تُلملم أم عيسى كلماتها وتقول: "عندي ثلاثة أولاد، إذا لكل واحد بدّي اشتري شنتاية بـ 10 آلاف، بطير الراتب كله وهي ما عملنا شي".لطالما ساجل كثيرون مدافعين عن مكارم الدولة خصوصا في مجال "مجانية التعليم" كأحد أهمّ ما تُقدّمه الحكومة للمواطن، وكميزة استثنائية تتفاخر بها في مختلف وسائل إعلامها، غير أن مُراجعة بسيطة لواقع الحال، وما يُكابده المواطن السوري من عناء، وفرض لرسوم وما يدفعه من أثمان تكاد تبدو باهظة بالمقاييس السورية "المتواضعة" كي يحصل على هذه المكرمة الحكومية، تسمح لكثيرين باعادة النظر بما هو متعارف عليه.دخل شهر أيلول منذ أيّام وبدأت كوابيس تأمين اللوازم المدرسية تُلاحق الأسرة السورية، وراحت هواجس تحضيرات المؤونة السنوية تؤرق السوريين، وما يزيد الطين بلةً أن عيد الأضحى يُصادف هذا العام في الشهر عينه. أم فادي مُدرّسة سورية وأم لطفلين اثنين، فضّلت أن تؤمّن احتياجات أطفالها المدرسية أولاً، ثم تلتفت إلى أغراض المؤونة مُرغمةً على إخراج تحضيرات العيد من برنامجها المادّي. تشرح واقع الحال قائلةً: " كله بيجي مع بعضه، المونة والمدارس والعيد. هيدا العيد الثالث على التوالي، وأنا ما قدرت اشتري تياب لأولادي ولا جيب حلو العيد"، وتستدرك قائلة: "البديهيات صارت حلم".ومع تدهور قيمة الليرة السورية أمام سعر صرف القطع الأجنبي، ترتفع أسعار السلع بشكل دائم، فما تشتريه اليوم بمئة ليرة قد يقفز غداً إلى المئتي ليرة سورية، الأمر ينسحب على أسعار اللوازم المدرسية من ثياب وقرطاسية وكتب، والتي بلغت تكلفتها ما يُقارب الـ 35 ألف ليرة سورية. وهنا يحضر السؤال الذي يُحيّر أغلبية السوريين: كيف يعيش المواطن السوري براتب 30 ألف ليرة سورية، وغلاء الأسعار يُلاحقه حتى لقمة عيشه وكسوته؟جولة قصيرة في السوق السورية تكشف خيالية الأسعار وجنونها مُقارنة بدخل المواطن السوري. فمثلاً وصل سعر البدلة المدرسية إلى ما يقارب العشرة آلاف ليرة سورية وسطياً، وتُكلف القرطاسية بالحد الأدنى اربعة آلاف ليرة سورية للطالب الواحد، ووصل سعر أدنى حقيبة إلى أربعة آلاف ليرة سورية، ويحظى أرخص حذاء بسعر خمسة آلاف ليرة سورية، فيما بلغ سعر نسخة الكتب لمنهاج مرحلة التعليم الثانوي والإعدادي ستة آلاف وخمسمئة ليرة سورية. وبجردة حساب سريعة واستخدام عملية الجمع، يُنتج الرقم النهائي لتكلفة الطالب الواحد بالحدود الدنيا إلى ما يقارب الـ28 ألف ليرة سورية، أي ما يُعادل حوالي راتب الموظف الواحد.وصف صاحب أحد المحال التجارية وضع السوق بـ"الركود"، على الرغم من أن البضائع ليست جديدة بل أغلبها مُخزّنة من العام الماضي. وقال: "حركة الشراء قليلة مُقارنة بالعام الماضي، وأغلب الأسر تُفضّل استعمال ملابسها وحاجيتها القديمة"، وعند السؤال عن نوعية الناس الذين يتردّدون إلى السوق، أجاب البائع: "أغلب من يشتري الآن، هم من أصحاب الدخل الجيد، أو يقبضون بالدولار، أو أصحاب الحاجات المُلحّة".ومن لا يملك من المال ما يكسي أولاده، ويؤمّن حاجاتهم المدرسيّة يلجأ بطبيعة الحال إلى أسلوب التقشّف. وهو نمط عيش بات مُعتمداً عند الأغلبية التي تتكأ على راتبها. أبو علي موظف حكومي، وأب لأربع أولاد. تعتمد أسرته على راتبه فقط، فالزوجة لم تحظى بفرصة عمل في مؤسسات الدولة أو غيرها. أبو علي يُشبه غالبية السوريين لا حلّ أمامه إلا أن يُقلّص النفقات قدر المستطاع، ويقول: "غالباً ما نحصل على الكتب بشكل مجاني من حدا ما عاد بتلزمه"، ويضيف: "أما الملابس والشناتي، غالباً بتكون من السنة الماضية، بس هيدي السنة ابني انتقل من مرحلة التعليم الاعدادي للثانوي، سوف اضطر جيب له بدلة مدرسية جديدة"، هكذا تبقى تأمين نفقات القرطاسية تؤرق أبو علي.كان هناك بعض الاجتهادات الفردية في الحكومة السورية للتخفيف من النفقات المدرسيّة، فالمدارس الحكومية قدّرت ما يمرّ به المُواطن السوري من ظروف مادّية قاهرة، لذا لم تعد تُشدّد على موضوع الالتزام بالزيّ المدرسي الرسمي، إلّا أن مصدراً من مديرية التربية في محافظة اللاذقية أكّد لـ"السفير" أن الاجراء يشمل أبناء الشهداء فقط.وعلى الرغم من أن منظمة الأمم المتحدة تُوزّع قرطاسية وحقائب في كلّ عام على المدارس، إلّا أن كميتها لا تغطي العدد المطلوب، وهي موجّهة بشكل مباشر إلى طلاب الحلقة الأولى (المرحلة الابتدائية)، وتركّز بشكل خاص على الطلاب النازحين، فيما يبقى طلاب مرحلتي التعليم الاعدادي والثانوي من غير دعم.وفي هذا السياق، قال مسؤول في منظمة "اليونسف" في سوريا إبراهيم فرح لـ"السفير" إن "عدد الطلاب المُسجّلين في المدارس في سوريا العام الماضي، قد بلغ نحو أربعة ملايين طالب بدءاً من الصف الأولى الابتدائي إلى البكالوريا، بحسب إحصائية وزارة التربية السورية لعام 2016"، مضيفاً: " لا تستطيع المنظمة أن تُغطي العدد المطلوب، لهذا يتركّز هدفنا بشكل رئيسي على الأطفال في مرحلة التعليم الابتدائي فقط."هكذا تتضاعف الأعباء المادّية على الأسرة السورية، في شهر "أيلول الكابوس"، بحسب ما وصفه أحد المواطنين الذين التقت بهم "السفير"، وهكذا أيضاً يُجاهد الأبوان لتأمين احتياجات أطفالهم المدرسية والمعيشية، وفي نفس الوقت الاكتفاء بالحدّ الأدنى منها في محاولة لتخفيف عبء النفقات التي تُبقي المواطن في حالة قلق دائم وانعدام للوزن.
التاريخ - 2016-09-13 6:26 AM المشاهدات 824

يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرامانقر هنا