خاص سورية الحدث بقلم محمد الحلبي يُعرِّف (ابن منظور) الأسرة بقوله إنها الدرع الحصين التي يحتمي بها الإنسان عند الحاجة ويتقوى بها.. وهذا التعريف يقودنا إلى شرط تحقق مفهوم يسبق كلام (ابن منظور) ألا وهو الزواج، ذلك الميثاق المترابط المتماسك شرعياً بين رجلٍ وامرأة غايته الإحصان والعفاف وإنجاب الأطفال لتمتين روابط الأسرة تحت رعاية الشريكين على أسسٍ مستقرة في طمأنينة وسلام وود واحترام حتى تؤدي الأسرة رسالتها الكاملة في تثبيت دعائم المجتمع بالالتزام بالقيم والآداب، مما يؤمِّن قدراً عالياً من التماسك والاستقرار والقوة والمنعة للكيان الأسري، وإذا كانت هذه العوامل تُعرِّف المسلمات والمقاييس للتماسك الأسري ومقدار نجاحها في أداء وظائفها فإن تفككها يُقاس بما تفقده وتتخلى عنه من تلك الوظائف والاختصاصات، مما يفضي بالنتيجة إلى آثارٍ كارثية يشيع داخلها حالة من ضمور الشعور بالانتماء لدى أفراد الأسرة بسبب توقف الأسرة عن توفير الأجواء الباعثة على الأمن، سواء على مستوى إشباع الحاجات المادية أو النفسية، وبالتالي تُغلف الأمراض الاجتماعية والانحرافات التي تصيب الأسرة كأفراد مما يؤدي إلى تمزقها وحل عقدها، لتدخل في دوامة تجعل المتابع غير مصدق لتبعات ذلك، ولعل السؤال الذي يُطرح هنا هل نحن أمام قصة من الخيال؟ هل معقول ما يحدث؟!.. لعل ما سنضعه بين أيدي القارئ هو ترجمة بالحرف لقصصٍ غريبة بات يشهدها الشارع السوري، والتي برغم مرارتها وسوداوية تفاصيلها تبقى ضمن مفرداتها حزناً وألماً، لكنها قد تكون رسالة لأشخاص متشابهين في الظروف والوقائع والأحداث حتى لا يقعوا ويصبحوا مجرمين بحق أنفسهم قبل المجتمع..نقطة البدايةإنها (أحلام) فتاة في منتصف العقد الثاني من العمر، كانت تفترش أحد شوارع دمشق عندما دفعني الفضول الصحفي لاستشفاف قصتها، والتي تستطيع من خلال ملامحها الشاحبة الخالية من الحياة ومن خلال سحنتها البيضاء وجسدها النحيل المرتجف تلمُّس السواد القاتم الذي حفر بقسوة وشراسة طريقاً متشعباً ومتاهات مرعبة لعالم الخطيئة الذي سارت فيه على غير هدى، لتتربص بها ذئاب بشرية نهشت جسدها لتروي شهوتها الحيوانية قبل أن تلقي بها على مفرق طريق آخر لتتلقفها مجموعة أخرى معاودةً الكرة.. وهكذا..جذور الحكاية كما روتها (أحلام) بدأت من حلب عندما أُجبرت قبل عدة سنوات على زواج غير متكافئ ضمن أسرة باعدت الخلافات والسلوكيات غير المتوازنة بين أفرادها، لتجد نفسها تلجأ للشارع مراراً علَّها تجد الخلاص، فكانت كالمستجير من الرمضاء بالنار قبل أن يحصل الطلاق بينها وبين زوجها ومعها طفلين قبل أن يأخذهما والدهما ليعيشا بكنفه..أمواج المدينةجمعت (أحلام) أشياءها وعادت لمنزل أهلها، لتتسارع الأحداث وسط الضجيج والصخب الذي شتت تفكيرها وقادها لتتوه مجدداً عندما تزوجت للمرة الثانية بعد ثلاث سنوات على زواجها الأول بعد تعرضها للضرب المبرح بغية الرضوخ لمطالب أهلها، إذ أن زوجها الجديد لم يكن سوى صديق زوجها الأول، إضافة إلى كونه رجل متزوج، لتشن ضرتها حرب شعواء عليها فكانت النتيجة الحتمية لهذا الزواج هو الطلاق بعد خمسة أيام فقط على زواجها..كان الطلاق الثاني هو الطريق الأكثر وعورة في حياتها، فهربت من منزل زوجها ويممت وجهها صوب العاصمة دمشق، وأصبحت حدائق هذه المدينة وشوارعها مأوىً لها، ليصطادها شبان من مختلف الأعمار بعد أن وجدوا فيها لقمةً سائغةً سهلة الافتراس، ففي أحد الأيام نصب لها ثلاثة شبان فخاً بدعوة أنهم سيأخذونها إلى مكانٍ آمن بعدما شرحت لهم ظروفها الصعبة، فانطلقوا بها إلى طريق مهجورة.. ووسط الظلام الدامس نالوا مرادهم منها قبل أن يعيدونها إلى الشارع..تكرَّرت هذه الحادثة عدة مرات، وبدأ العديد من الأشخاص يتربصون بها لتخرج معهم، وبعد أن ينالوا مرادهم كانوا يقذفون بها إلى الشارع، حتى أن أحدهم ادعى أنه يعرف طبيباً أخصائياً بعد أن رآها تتألم عند موقف الباص فاصطحبها إلى ضاحية قدسيا واعتدى عليها هناك وجردها حتى من النقود التي بحوزتها..نزيلة مشفى الأمراض العقليةمع استمرار تدهور وضع (أحلام) بهذا الشكل المحزن أدخلت إلى مشفى الأمراض العقلية، ولم يمضِ وقتٌ طويل حتى خرجت منه لعدم وجود مرض نفسي قبل أن يتم إرسالها إلى أقربائها في حلب مرةً أخرى، لكن هناك لم يكترث أحدٌ لحالها فقررت العودة إلى دمشق قبل أن تشعر بشيء يتحرك داخل أحشاءها، لم تكترث (أحلام) له رغم أنها كانت قد حملت سابقاً وأنجبت، ومع دخولها الشهر الرابع أيقنت أنها حامل لكنها لم تستطع الإجهاض، كما أنها لم تستطع أن تنسب جنينها إلى أحد لكثرة الأشخاص الذين نهشوا جسدها وعقلها الضعيفين، وبدأت تضرب أخماسها بأسداسها حتى وجدت نفسها في وضع الولادة وحيدة، عندها تكاتف أهل الخير والإحسان لإحضار طبيب قام بتوليدها، فأنجبت طفلة أسمتها (سماح).. وتقول أحلام إنها اختارت هذا الاسم لتلتمس منها السماح كلما نادتها باسمها، علّها تسمح وتصفح عنها عندما تكبر... تركت (أحلام) تنظر إلى طفلتها التي كانت تناغي لها وكأنها تحاول تخفيف آلام والدتها بضحكاتها البريئة ونفسي تحدثني قائلةً لي...صبراً على كيد الزمان لنا فكل حافرِ بئرٍ واقعٌ فيها
التاريخ - 2016-11-19 5:21 PM المشاهدات 1037
يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرام : انقر هنا