خاص سورية الحدث بقلم محمد الحلبي كانت معاملة (نجاح) لابنتها بالتبني المدعوة (سوسن) تتسم بالطيبة والحنان مما أوحى للجميع أن هذه الأخيرة هي ابنتها فعلاً، إذ أن (نجاح) كانت عاقراً، وهذا ما كان ينغص عليها حياتها مع زوجها رغم الوضع المادي الممتاز والنعيم الذي يعيشان فيه، عدا عن خلو حياتها مع زوجها من المشاكل الزوجية، حتى أن زوجها لم يبتعد عنها يوماً ولم يفكر بالزواج من غيرها بغية الحصول على الأطفال، وكان هو من أحضر (سوسن) من إحدى المدن بعد أن اشتراها من والدتها بسبب الفقر المدقع..آلام الحقيقةكأي فتاة تعلم حقيقة أمرها تشعر بخيبةٍ أملٍ كبيرة، لهذا بقيت (سوسن) فترة لا بأس بها تعاني من أمراضٍ منشأها نفسي، وهذا ما جعل العلاقة بينها وبين والديها بالتبني متوترة دائماً، وراحت تراهما كذبة تعيشها طوال عمرها، وعندما كبرت بعض الشيء حسمت أمرها وقررت العودة إلى كنف أهلها الحقيقيين رغم نصائح من كان يعرف بالقصة لثنيها عن هذا التفكير، وبناءً على إصرارها لم تجد (نجاح) بدٌّ من مواجهة هذا الموقف الذي استعدت له طويلاً، ولهذا سألت هنا وهناك وتأكدت أن أهل الطفلة لا زالوا يسكنون المكان ذاته، كان الطريق طويلاً وصعباً، وبعد سؤالٍ واستفسارٍ استطاعت (نجاح) التوصل لعائلتها المكونة من عشرة أخوة وأخوات جميعهم يعيشون في خيمةٍ متواضعة، عندها ذهلت (سوسن) بما رأت وخصوصاً أنها لم تجد أي ترحيب بها من قبل عائلتها، ولم يكن لها مكان أصلاً بينهم، وأول كلمة نطقت بها أمها الحقيقية هي تحذيرها من أنهم لن يردوا ما تقاضوه ثمناً لها، وقالت لـ (نجاح) إن شاءت فبإمكانها أن تأخذوا إحدى شقيقاتها بدلاً منها، فهم مستعدون لذلك.. كانت صدمة كبيرة بدت واضحة على محيا (سوسن) منذ الدقائق الأولى التي مكثت فيها مع أهلها الحقيقيين.. كانت غريبةً عنهم بثيابها وكلامها وفي كل شيء، وعلى الفور طلبت أمها من شقيقتها أن تعلمها كيفية الاعتناء بالماعز حيث لا يوجد دراسة أو جامعة ولا أي شيء سوى العمل في المنازل داخل القرى المجاورة لتجد نفسها على طرفٍ آخر من هذه الحياة، فهي معتادة على الدلال وعدم تكرار الطلب مرتين..العودة إلى بحر الأوهامعندما رأت (سوسن) هذا الوضع طلبت من والدتها بالتبني أن تعيدها معها فهي لا تستطيع أن تعيش مع أهلها هذه الحياة.. كانت فرحة (نجاح) غامرة بعودة (سوسن) إلى حضنها من جديد معتقدةً أن الأيام ودخولها إلى الجامعة سيساعدها على النسيان وعودة البسمة إلى ثغرها، ولكن للأسف جرت الأمور بما لا تشتهي (نجاح)، فقد بقيت (سوسن) تشعر أنها مخدوعة، وكبرت لديها عقدة عدم الثقة بأحد إلى أن تعرَّفت على المدعو (باسم) صديقها الجديد في كلية الصيدلة، ويوماً بعد يوم أصبحت علاقتها به قوية، فهو شاب مهذب وذو شخصيةً واثقة، وكان هذا الأخير يساعدها في الدراسة كونه يكبرها بسنتين، وكانت (سوسن) تخبر والدتها بالتبني عن (باسم) دائماً، لكن (نجاح) لم تكن مرتاحة لذلك الشاب وخصوصاً بعد أن جلست معه عدة مرات في المطعم وتأكدت بأن نظراته كانت مريبة، وهذا ما وتر العلاقة بينها وبين (سوسن) التي تعلقت بـ(باسم) كثيراً واعتبرت أن كلام (نجاح) ناتجاً عن تحكم وتسلط فارغ فقط..حدث (نجاح) لم يخباستمرت علاقة (سوسن) بالمدعو (باسم) حتى السنة الثانية، وجاء ذلك اليوم الذي اعترف لها بحبه ورغبته في خطبتها فهو يتشرف بعائلةٍ راقية وذات أصلٍ محترم، وهنا كانت الطامة الكبرى عندما قررت (سوسن) إعلامه بالحقيقة ومن أنها لا تنتمي إلى تلك العائلة التي يحلم بها والتي تسكن في أرقى أحياء العاصمة، وبالفعل هذا ما حصل، وباحت (سوسن) لحبيبها المزعوم عن كل شيء يتعلق بها، وخصوصاً مدى كراهيتها الضمني لوالديها بالتبني، وكشفت له أنهما لا يرغبان بعلاقتها معه، وأنها تحدتهما وبقيت إلى جانبه، وبأنها تتمنى موتهما كي تجني الثروة كاملةُ وترتاح من ضغوط أهلٍ ليسوا أصليين..سكوت (باسم) ورضاه بما يسمع جعلا (سوسن) تسرد تفاصيل حقدها وكرهها لـ (نجاح) وزوجها، والمفاجأة الأكبر أنه كان يؤيدها في تفكيرها الشرير، وطلب منها أن تؤجل موضوع الخطبة حتى يتم ما سيخطط له لإنهاء مشاكلها وإتمام زواجهما على أكمل وجه بلا منغصات..مرَّت أيام عديدة و(سوسن) تحاول أن تكون طبيعية ومحبة وعطوفة على أبيها المريض، بل أصرت على أن تستلم مواعيد الدواء بنفسها، وأن تعتني بأمها، فالأهل هم من ربوا وتعبوا، ولذلك ستعود (سوسن) القديمة والحنونة.. طار الأب من فرحه وهو يراها ترتب له أدويته وتهتم بطعامه وتسليته، لكن (نجاح) بفطرة المرأة كان ينتابها شعور الاستغراب مشوباً بخوفٍ غريب لم تعرف مصدره بسبب التغير الذي أصاب ابنتها، حتى وجدت (سوسن) في أحد الأيام تتسلل إلى المطبخ وتتحدث مع (باسم) عبر الجوال قائلةً له "واليوم نجحت أيضاً، لكن بقي (نجاح) كيف سأعطيها المعلوم" هنا جن جنون (نجاح)، وأرادت أن تحسم شكها بمراقبة (سوسن)، وما هي إلا أيام قليلة حتى اكتشفت ما تدبره (سوسن) لها ولزوجها وبتخطيطٍ من المدعو (باسم)..ساعة الصفركانت (سوسن) تقوم بإفراغ حبوب الفيتامين الخاصة بوالدها من محتواها وتضع بدلاً منها حبيباتٍ أخرى، ثم تعيدها بلطف وتضعها في علبةٍ ضمن أدويته اليومية.. بقيت (نجاح) تراقبها حتى عرفت أين تخبئ العلبة التي تأخذ منها تلك الحبيبات وانتظرت حتى خرجت إلى الجامعة ثم أخذت العبوة إلى إحدى الصيدليات وطلبت منه متظاهرةً بالجهل أن جارتها المسنة مريضة، وأنها ترغب بمعرفة ما هو ذالك الدواء.. ابتسم الصيدلاني وأخبرها أن جارتها بدت عليها معالم الخرف فتلك مادة سمية تستخدم في بعض الأمور الطبية المحدودة، وحذَّرها من تعاطي هذه المادة، فتأثيرها يظهر على المدى الطويل، وقد يؤدي إلى الموت إن لم يعطى معها المريض أدوية مطهرة للمعدة..رغم النار التي اتقدت في قلب (نجاح) إلا أنها حاولت أن تبدو طبيعية، وطلبت من الصيدلاني إعطائها الحبوب المضادة من باب الاحتياط..وعلى الفور توجهت إلى زوجها وأعطته الدواء دون أن تخبره بأي شيء..تقول (نجاح) في محاضر التحقيق إن أفكاراً كثيرة تضاربت في رأسها وهي تفكر كيف ستواجه من حضنتها طوال العمر وهي ترد المعروف بالأذى والموت، وما أن دخلت (سوسن) إلى المنزل كعادتها تتظاهر بالحب وهي تبحث عن علبة الأدوية التي أعدتها لتعطيها لوالدها حتى قالت لها لا داعي للبحث فالطبيب أتى إلى المنزل بعد أن اشتكى والدك من معدته وأجرى له تحليلاً وسوف يخبرنا بالنتائج بعد قليل، وهنا ارتبكت (سوسن) وارتجف جسدها ولم تحتمل لعبة الأعصاب التي وضعتها بها (نجاح) التي راحت تلمِّح لها أنها قد عرفت الحقيقة وأن عقابها سيكون شديداً إن لم تخبرها بالحقيقة فانهارت معترفة بكل ما فعلته منذ أيام، وأنها كانت تنفذ ما خطط (باسم) له، وهنا طلبت (نجاح) من (سوسن) أن تتصل بـ(باسم) ليأتي إلى منزلهما حالاً دون أن تخبره بشيء، وعلى جناح السرعة قدم (باسم) إلى منزل (نجاح) متوقعاً خبراً ساراً لكنه فوجئ بدورية من رجال الأمن تلقي القبض عليه وعلى (سوسن) بتهمة محاولة القتل مع سبق الإصرار لينالا جزاءهما العادل..هذا وقد حاولت (سوسن) أثناء محاكمتها الادعاء أن المدعو (باسم) هو من خطط لقتل والديها بالتبني وأنها انجرفت وراء ما خطط له نتيجة تعرضها لضغوط نفسية بسبب حياتها القاسية، إلا أن هيئة المحكمة جرَّمتها مع المدعو (باسم) بجناية الشروع التام بالقتل مع سبق الإصرار ومحاكمتهما وفق أحكام المادة /535/ من قانون العقوبات العام...
التاريخ - 2016-12-31 2:00 PM المشاهدات 912
يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرام : انقر هنا