شبكة سورية الحدث


“داعش”و “إسرائيل” الكبرى.. مخطط واحد في حلة جديدة

لا يخفى على أحد أن كل التنظيمات الإرهابية الموجودة في سورية والعراق هي صنيعة وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (CIA)، ومن المستحيل الآن الاعتقاد أن الولايات المتحدة صنعت الإرهاب فقط كي تحاربه، فلا أحد يمكن أن ينفق على هذه التنظيمات مئات المليارات، ثم يعود ليحاربها منفقاً مئات المليارات كذلك، والولايات المتحدة لا يمكن أن تقدّم خدمة لأحد دون أن تقبض ثمنها سلفاً، وهي ليست جمعية خيرية حتى  تقوم الآن بمحاربة “داعش” وغيرها نيابة عن العرب، ويبدو أن الأمر على النقيض من ذلك تماماً. فكل المؤشرات منذ أن بدأ ما يسمى “التحالف الدولي” بضرب مواقع هذا التنظيم، تؤكد أن هذا التنظيم يعزز مواقعه على الأرض أكثر من ذي قبل ويعمل على رسم حدود سياسية وديموغرافية لخلافته المزعومة، فهو بداية عمد إلى التلاعب بالتركيبة الديموغرافية للمنطقة الواقعة بين سورية والعراق، عبر تهجير المسيحيين والإيزيديين من مناطقهم التاريخية، وبالتالي عمل على تغيير تاريخ هذه المنطقة من خلال القضاء على كل ما يدل على وجود حضارة فيها، وكذلك عمل تحت إدارة واضحة من الولايات المتحدة وتركيا على تثبيت “إقليم كردستان” دولة قائمة بجيشها ومؤسساتها. وما التفويض الأخير لأردوغان بالتدخل عسكرياً في الشمال السوري إلا لإسناد “داعش” في الدخول إلى عين العرب بعد أن عجزت عن ذلك وحدها، بينما تشكل طائرات التحالف في الحقيقة غطاء جوياً للتنظيم للاستمرار في تقدّمه وذلك لأن الولايات المتحدة لا تستطيع أن تزوّده بالطائرات لأسباب كثيرة يعرفها الجميع. وسياسياً يسعى هذا التنظيم إلى السيطرة على كل المناطق الواقعة بين سورية والعراق ابتداء من حدودهما الشمالية مع تركيا وصولاً إلى الحدود السعودية جنوباً، الأمر الذي يجعل هذه المناطق دولة قائمة تحت أي مسمّى تشكّل صلة وصل بين دول الخليج في الجنوب وتركيا في الشمال مع عمقها الأوروبي، فلماذا العمل على رسم مثل هذه الحدود؟ وهل لذلك علاقة واضحة بما تسمّى دولة “إسرائيل الكبرى”. من الملاحظ سلفاً أن سعي التنظيمات الإرهابية إلى إقامة ما تسمّى “خلافة إسلامية” في كل من سورية والعراق، ما هو إلا مسوّغ لإعلان “إسرائيل” دولة يهودية، فالكيانات المصطنعة في المنطقة على أساس ديني تشكل مسوّغاً لغيرها للقيام بذلك، وهذه التنظيمات التي ستشكل في النهاية “دولة الخلافة المزعومة” يتم استجلاب مقاتليها من كل أصقاع الأرض بالطريقة ذاتها التي تم فيها إنشاء الكيان الصهيوني عبر عصابات من المرتزقة قامت بتهجير السكان الأصليين وقتلهم في فلسطين المحتلة وأسكنت محلّهم مجموعة من المرتزقة جاؤوا من كل جهات الأرض، وقيام مثل هؤلاء بتشكيل دويلة في هذه المنطقة يجعل وجود “إسرائيل” فيها طبيعياً، كما أن سيطرة هذا التنظيم “داعش” على نهر الفرات في كل من الإقليمين يجعل الجزء الثاني من النظرية الصهيونية الأصلية “من النيل إلى الفرات” محققاً، بعد أن تمكّنت “إسرائيل” من تأمين حماية لها من جهة النيل عبر دعم الجماعات الإرهابية الموجودة في سيناء لتكون حاجزاً حقيقياً أمام أي تفكير مصري مستقبلي بمواجهة “إسرائيل” أو بتهديد وجودها. وهنا لا يمكن لنا إلا أن نلاحظ أن قيام دويلة تفصل سورية عن العراق يحقق إلى جانب إطالة عمر “إسرائيل” أهدافاً اقتصادية للقوى الاستعمارية الكبرى، فإلى جانب منع أي تواصل سوري عراقي إيراني من خلال محور المقاومة، هناك جهدٌ دؤوب سعودي قطري تركي لتمرير خطوط النفط والغاز من السعودية وقطر إلى تركيا عبر هذه الدويلة المصطنعة ومنها إلى أوروبا، وبالتالي حرمان الاتحاد الروسي من الاستفادة من عائدات غازه المصدّر إلى أوروبا، وهذا ما يفسّر استمرار الاستفزازات الأمريكية لروسيا عبر أوكرانيا، وذلك لإجبارها على معاقبة أوروبا بوقف تصدير الغاز إليها، ودفع الأخيرة إلى البحث عن مورّد آخر لهذا المنتج لن يكون إلا “دولة الخلافة” أو أسيادها في الخليج، وهذا سيحرم إيران أيضاً من تسويق نفطها وغازها عبر العراق وسورية إلى أوروبا، ومن هنا نفهم إصرار طائرات “التحالف الدولي” على قصف جميع المنشآت ذات العلاقة بالطاقة في كل من سورية والعراق، وذلك لإجبار “الحاكم الجديد المفترض لهذه الدولة” على الاعتماد على هذا التحالف مستقبلاً في تسويق نفطه وغازه وتحويله إلى كيان استهلاكي خدمي يعيش فقط على ما تدرّه مشاريع الطاقة أسوة بـ”أذكياء الخليج”. وفي المحصلة تكون الإدارة الأمريكية قد أعادت السيطرة على مكامن النفط والغاز في المنطقة ومنعت كلاً من الصين وروسيا وإيران من الاستفادة منها في إطار الإبقاء على النظام العالمي السابق، كما أنها تكون قد حققت الحلم الصهيوني الأصلي بـ”دولة يهودية” تتحكم في هذه المنطقة من العالم وتعيش وتستمدّ أسباب بقائها من خيراتها. وبالتأكيد فإن الضربات الأمريكية في الحقيقة تتم بالتنسيق مع “داعش” وما هي إلا محاولة لترسيخ منطقة حظر جوي يؤدّي تلقائياً إلى صناعة دويلة جديدة بين سورية والعراق بالطريقة ذاتها التي أشرفت فيها مناطق الحظر الجوي سابقاً في العراق على إنشاء “دويلة كردستان” وتكريسها لتصبح دولة فيما بعد تبرّر قيام “دولة الخلافة” التي ستشكل حزام أمان لـ”إسرائيل” من الشرق. وطبعاً هذا الأمر “صناعة الدولة” عبر الحماية الجوية يستغرق وقتاً طويلاً، لذلك يصرّ أوباما في كل أحاديثه عن المدة التي سيستغرقها القضاء على “داعش” -وفي الحقيقة ترسيخه وتقويته- على الحديث عن خمس سنوات أو أكثر، وهي في الحقيقة ربمّا تكون الفترة التي يستغرقها بناء شبكة أنابيب تربط السعودية بتركيا عبر هذه المنطقة المحمية جواً ولكن شعوب المنطقة تقف بالتأكيد في مواجهة هذا المخطط “الشيطاني” والذي سيرتد على مصنعيه وداعميه لأن الإرهاب لا حدود له، وإن غداً لناظره قريب. طلال ياسر
التاريخ - 2014-10-06 9:47 PM المشاهدات 1370

يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرامانقر هنا