ضاع المواطن بين عقلنة الدعم وعقلية الاقتصاد!
عامر إلياس شهدا
أجرى التلفزيون السوري لقاء مع وزيري النفط والاقتصاد بتاريخ 2/10/2014 وذلك عشية رفع سعر المازوت والبنزين، واللقاء كان محضراً له سابقاً وبشكل واضح حيث كانت المساحة في الكلام من نصيب السيد وزير الاقتصاد في أول إطلالة له. كانت بمثابة تذكير بنواب اقتصاديين للحكومة كانوا يحلقون في فضاءات بعيده كل البعد عن الواقع، فالكلام الذي طرح باللقاء كان نظرياً لا يتناغم مع الحالة الاقتصادية والاجتماعية، ما أعطانا مؤشرات أهمها أننا مستمرون في الدوران بحلقه مفرغه أهمها عدم تناغم السياسات والابتعاد عن الواقع.
دافع وزير الاقتصاد عن قرار رفع سعر البنزين والمازوت، علماً أن مثل هذا القرار يلزمه توقيت مناسب، إلا أن وزير الاقتصاد كان مصراً على إصدار القرار وهذا ما كان واضحاً في لقائه دون أن يأخذ بعين الاعتبار أن القرار ستكون له انعكاسات على الوضع المعيشي للمواطن، وأن هذا القرار غير متناغم مع سياسات وزارات أخرى ويفتقر للتناغم مع السياسة النقدية، ولإقناعنا بصوابية القرار، سننقل لكم بأمانه ما طرحه وزير الاقتصاد حيث بدأ بطرح نظرية (عقلنة الدعم) وأفصح عن عنوان سياسته بأنه لا يريد للمصانع أن تتوقف. ثم يقول وبثقة إنه سيربط الاستيراد بالصناعة والعمل الإنتاجي وأن الحكومة بدأت تتوسع في الاستثمار الإنتاجي وسيكون هناك توسع في الفرص. وسيقوم بإدخال المصارف بعملية التمويل وأنه سيدعم من ينتج البندورة أكثر ممن ينتج الأفوكادو وسيدعم مصانع إنتاجيه أكثر من مصانع الشوكولا، وأن هدف عقلنة الدعم هو تخفيض التكلفة. ويتابع أنه لا ينظر إلى تكاليف التدفئة بقدر ما ينظر إلى تكاليف النقل، ويبدو أن هدف رفع قيمة المازوت كما بين وزير الاقتصاد هو أن يطفئ المواطن المدفئة عندما يخرج من الغرفة، وأنه سيعمل على توفير المحروقات لأصحاب المعامل بالسعر العالمي، وأن سعر المازوت سيكون بحسب القطاع الذي يستهلكه، وسيعمل على توفير المادة وخفض تكلفتها.
ترى ألا يجب أن يكون الوزير القادم من هيئة تخطيط الدولة، مطلعاً على كل البيانات الاقتصادية التي كانت تساعد على التخطيط، وهذا ما يدعو لأن نكون أكثر واقعيه وأكثر تناغماً مع الواقع الاقتصادي لسورية، فوزارة الاقتصاد تعنى ببلد وليس بمؤسسه صغيره.
أولاً: إن نظرية عقلنة الدعم يجب أن يسبقها نظرية عقلنة الدخل أي تناغم الدخل مع الأسعار وليس العكس نرفع الأسعار ونعقلن التكلفة. دون النظر للدخل والقوة الشرائية لليرة السورية وإهمال قدرة الدخل على الاستهلاك. وأن عقلنة الدعم من المفترض أن تكون متناغمة مع السياسة النقدية أيضاً فرفع قيمة المحروقات يعني طرح المزيد من الليرة السورية في الأسواق نتيجة زيادة الحاجة لرأس المال العامل بالنسبة للمحطات وزيادة الحاجة لطرح كتله نقدية من قبل المستهلك ونحن نتكلم عن استهلاك الوقود الذي يؤثر في الكتلة النقدية المتداولة في كل دول العالم، ما سيؤدي إلى زيادة في إضعاف القوة الشرائية لليرة السورية. ومثال على ذلك أن سعر بدل السفر من دمشق إلى طرطوس بالباص بعد تلك القرارات أصبح 1000 ليره سورية. أي العائلة المؤلفة من خمس أشخاص يلزمها 10000 ليره سورية تكلفة ذهاب وإياب إلى طرطوس... كل هذا يؤدي إلى إضعاف قدرة الدخل على الاستهلاك.
ثانياً: إن فكرة ربط الاستيراد بالصناعة والعمل الإنتاجي، أيضاً هذا يلزمه سياسة نقدية تضمن تدفق القطع الأجنبي الناتج عن التصدير لتلبي حاجة الاستيراد من المواد الأولية، ونحن نعلم أن ارتفاع الدولار في الأسواق ناتج عن زيادة الطلب على الدولار لسداد قيمة استيرادات مواد استهلاكية أساسيه، وأن دعم العمل الإنتاجي يلزمه أسواق خارجية للتصدير ويلزمه رفع قدرة المواطن على الاستهلاك، في زمن أصبح برميل المازوت يساوي راتب موظف، فكيف ستتماشى نظرية عقلنة دعم منتج البندورة أكثر من الأفوكادو والمعامل الإنتاجية أكثر من معامل الشوكولا مع مواطن غير قادر على الاستهلاك، في زمن أصبحت البندورة من المواد الكمالية في المجتمع؟
ثالثاً: يبدو أننا نعيش في حالة رخاء من خلال الطرح، فالوزير لم يتطرق إلى أننا نعيش أزمة، وأن هذه الأزمة أثرت في موارد الخزينة العامة التي تمكن الحكومة من التوسع في الاستثمار الإنتاجي وبالمقابل صمت الحكومة آذاننا بإعادة الإعمار. يبدو أن هيئة تخطيط الدولة ليس لديها تصور عن تكلفة إعادة الإعمار. وتكلفة إعادة الإقلاع بالمصانع التي يلزمها مواد أولية وضخ قطع أجنبي، وليس لديها تصور أن معامل الصناعات التحويلة شبه متوقفة نتيجة تراجع الزراعة، وليس لديها تصور عن الاحتياطيات التي تقتطع نتيجة تعثر الديون وتأثيراتها في رأس المال العامل في المصارف، وليس لديها تصور عن ارتفاع نسبة المخاطر بالنسبة للتمويل في زمن الأزمات، كالأزمة التي تعيشها سوريه... فعن أي عقلنه نتكلم؟
رابعاً: بالنسبة لإغلاق مدافىء المازوت قبل الخروج من الغرفة فليطمئن الجميع أنه من العام الفائت وما قبله تم الاستغناء عن مدافىء المازوت وتمت الاستعاضة عنها بمدافىء الحطب وما يعرض بالأسواق من مدافىء خير دليل على ذلك، فعملية انقراض الأشجار في سورية مستمرة وبشكل جائر. فهل سيكون هناك تناغم بين عقلنة الدعم ووزارة الزراعة ووزارة البيئة، وهل عقلنة الدعم سترتبط بسعر السوق السوداء لمادة المازوت حيث إن حصة المواطن تباع بالسوق السوداء وبزيادة عشر ليرات للتر تباع لسائقي الشاحنات لعدم توافر المازوت؟!
خامساً: اعتقد أن موضوع العقلنة مرتبط بشكل وثيق بالعقلية، والمشكلة أننا لا نريد الخروج من عقلية الدعم بإيجاد بدائل توفر على الخزينة مليارات الليرات السورية، كم كنا نتمنى من الوزير أن يسأل وزير النفط الذي حضر معه اللقاء هل لديه أي علم عن استيراد مولدات الكهرباء وكم تستهلك من البنزين والمازوت، وكيف تسمح وزارة الاقتصاد باستيراد المولدات التي تزيد العبء على الخزينة وتطرح نظرية عقلنة الدعم. كم كنا نتمنى طرح بدائل تخرج الحكومة من مأزق المحروقات، فهل هناك ما يمنع من استيراد وشائع شمسيه لتوليد الطاقة الكهربائية. هل هناك تواصل بين وزارة الاقتصاد ووزارة المالية من أجل فرض ضريبة بيئيه وهي موجودة عالميا تفرض على مولدات الطاقة الكهربائية بحسب استطاعة كل مولدة؟ لو وجدت دراسة بوجود ملايين المولدات لما كان هناك حاجه لرفع قيمة المحروقات وارتفاع الأسعار والتأثير في القوة الشرائية لليرة السورية، على أن يرافق ذلك إلزام مستوردي المولدات على استيراد الوشائع الشمسية أو دعم معامل لإنتاجها في سورية وبالأخص أن موادها الأولية متوافرة في سورية.
التاريخ - 2014-10-14 5:07 AM المشاهدات 1205
يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرام : انقر هنا