ما من سوري إلا ويعرف (سوق الحرامية) الذي يقع في نهاية شارع الثورة العريق، وهنا يتجمع اللصوص مع تجار القطع المستعملة، والمسروقات الثمينة والبخسة، وهنا عالم قائم وعلاقات لا يربطها سوى مصلحة اللص والشاري الذي يبحث عن قطعة نادرة لا يعرف قيمتها اللص، أو تحفة ثمينة يعتبرها (لقطة).
ما الذي تطور في حال هؤلاء مع دخول الصراع في بلدنا حالة صعبة، ومن دخل لهذا السوق، ومنه إلى جواره يرتزق سواء من العلاقات البسيطة، أو من تجارة الجنس التي ساعدت الحرب على ازدهارها؟.
مهن جديدة
اختفى أصحاب البسطات المشوهة سوى بعضهم خارج الأبنية يبيع الأحذية والملابس القديمة، وثمة محلات نظمت نفسها وباتت متخصصة في البالة والقطع الكهربائية المستعملة والأحذية.
فيما سبق كانت الأكوام البالية تمنع مرور الباحث عن حظه، ولكن اليوم في وسط السوق تتوسط خيمة صغيرة يتناول فيها ثلاثة رجال الطعام، والحركة هادئة وسهلة وأما في خلف البناء فانتشر باعة الجوالات المستعملة وصياح وفوضى تعيد المكان إلى سابق عهده، وأغلب الباعة والزبائن من أعمار مختلفة ولكنهم متشابهون في النظرات البائسة أو الخبيثة.
يخاف الكثيرون الدخول إلى السوق (السر) ولكن من يعرف تفاصيل المكان يدرك أنهم مجرد بسطاء قذفتهم الحياة إلى هذا المكان ليكتشفوا الموبقات والرذائل، وبعضهم من لديه قليل من الإرادة يخرج ببعض الأضرار أما الأغلبية الساذجة فتقع فريسة لعالم فيه مغامرة العالم السفلي حيث كل شيء قابل للتفاوض والتحقق.
أحد الشبان يروي لـ«الوطن» قصته (دون صورة وصوت): أنا من ريف حلب، واضطررنا نتيجة الحرب أن نغادر قريتنا التي أصبحت خراباً، وأنا في السابعة عشرة وليس لدى أسرتي من معيل فوالدي توفي قبل الأزمة، وانقطعت عن دراستي لعامين متتالين في التنقل من مدينة لأخرى حتى وصلت إلى الشام، وهنا التقيت أحد جيراننا الذي يعمل في بيع الجوالات، وفي أغلبها مسروقة فهو يخفي عني مصدرها، وأغلبها ليس صالحاً (جيداً)، وبعض الشباب هنا يسرقون من الزبائن جوالاتهم، وحتى تلك التي يشترونها للتو.
تحت الجسر
مجموعة من كبار السن تجلس لتشرب الشاي تحت جسر شارع الثورة، وهنا يبيع البعض المشروبات الساخنة، وهذه المجموعة عرف بعضها بعضها الآخر، وتصافح بحرارة عند قدوم وافد جديد، وأغلبهم يبدو عليهم الإرهاق باستثناء أحدهم تبدو النظافة على محياه وملابسه.
في جوار المجموعة ثلاثة رجال متسخين يتهامسون، وبعضهم يحمل أكياساً صغيرة، ومن ثم ينتشرون كل في اتجاه، ومن ثم تعود مجموعة أخرى لتلتئم حيث يدور نفس السيناريو.
رجل في السبعين يجلس أما مجموعة من الساعات القديمة وبعض إكسسوارات الجوالات و(ريسيفر) مهشم، الرجل ساكن كأنه ميت وبجواره كاس من الشاي البارد، وأما في جواره فسبعينية منهكة تبدو كأنها خرجت لتوها من حفرة في الأرض، وأمامها كيس أسود من القذارة وكذلك رجلاها وأصابع يديها اللتين تشبهان أيدي عمال المناجم.
في الحديقة
هنا كان يرقد السوق العتيق بجوار مجمع (يلبغا) وهنا أصبحت الحديقة التي حلت مكانه مستقراً للمهجرين واللصوص وفتيات الهوى، وبعض المقاهي والطاولات التي احتلت كراسي الحديقة وطرقاتها الصغيرة، وفي جوار (الحمّام) الذي يتوسطها بشر من عالم لا نعرفه، وهؤلاء للحظة تخالهم قادمين من مجتمعات ليست سورية، هل هؤلاء كانوا يعيشون بيننا حقاً.
امرأة بنصف لباس تدير ظهرها لجدار الحمّام الأثري، وحول قبر صاحب الحمام تبيع فتاة مع شاب عشريني القهوة والشاي، والصحون والكؤوس تعلو القبر الأخضر، بينما شباب يدورون في المحيط باحثين عن ضالتهم.
بسطات شاي وألعاب وأشياء بسيطة وملابس في مدخل الحديقة بينما امرأة تصنع زجاجة حليب لطفلها الرضيع، وعلى الجدار المعدني ثمة نيام مع كلبهم وعائلات تفترش المكان المرج الأخضر كأنها في نزهة.
الوطن
التاريخ - 2014-11-29 11:52 AM المشاهدات 900
يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرام : انقر هنا