سورية الحدث تنتمي الفنانة نادين خوري إلى جيل فني بعيد عن هوى الشهرة الفارغة والنجومية المثقلة بالغرور، واللقاء معها يعكس تلقائية روحها وتواضعاً عالياً لقامتها وابتعادها عن كل أشكال زيف الظهور الإعلامي.الانتقاء الحرفي لأدوار خوري الفنية ليس أمراً جديداً على خطها الفني، فهي تحترف الدقة في خياراتها من أوائل الأعمال التي دخلت عبرها عالم الدراما وكانت أولى بطولاتها في السينما مع فيلم "حبيبتي يا حب التوت"، ولكن اليوم زادت دقة انتقائها للأدوار التي تؤديها لكون النصوص المتاحة لم تعد جودتها توفر الشروط المطلوبة للظهور الجيد بالنسبة لها، ولاسيما الذي يحمل الاختلاف عما قدمته سابقاً، وفي حال التشابه تجتهد خوري وفق حديثها لـ"الأيام" بالبحث في خبايا الشخصية المكتوبة لإبراز جانب لم تظهر به بشخصيات مشابهة سابقة أدتها، فهي بعيدة عن النمطية التي ترفض أن تكون خياراً لظهورها أو أن تكرر نفسها عبر الشاشة وهنا تحرص على التجدد باستخدام أدواتها بطرق مختلفة.كل عمل درامي جديد تدخله خوري يضعها أمام مسؤولية جديدة بألّا تكون مجرد ممثلة فيه، بل صاحبة هم تجاه الدراما، وأحد أبرز أهداف مشاركاتها بالوسط الفني بقاء راية الفن السوري مستمرة رغم كل ما حصل ويحصل في البلاد من أزمات، فهي ترى فيها أحد أهم الأسلحة في وجه كل عدوان على الوطن وكل فرد فيه يدافع عنه بطريقته واستمرارها في الفن دفاع أيضاً، لأن الدراما لها حضورها وتأثيرها الكبير على المجتمعات والبلدان ورغم كل ما عانته بقيت مستمرة على حد تعبيرها.ولكن هل تكفي استمراريتها بالكم بعيداً عن النوع؟ ترد خوري بأنها ضد الأقاويل التي تصنف الدراما السورية بالتراجع في فترة الحرب فهي ترى أن نسبة الأعمال ضعفت كماً ولكن استمرارية حضورها يكفي، ففي بداية الأزمة السورية عانت الدراما صعوبات شديدة وتحمل العاملون فيها مشقات كبيرة، حيث عمل الكثيرون تحت قذائف الحرب العشوائية وأصروا رغم كل شيء على بقاء الدراما حاضرة لا تغيب، وكانوا معرضين لكل شيء ومع ذلك استمروا وتابعوا مهمتهم كالشهداء الأبرياء الذين يقدمون أنفسهم للوطن، متمنية أن تكون مشروع شهادة فداء للوطن، وانطلاقاً من هذا ترى خوري ظلماً كبيراً في تقييم نوعية الدراما ضمن تلك الظروف، فالحضور يكفي وعلى الجميع برأيها تأخير التقييم كي لا تقع تحت الظلم.ولكن ذلك لا يجعل خوري تنكر هبوط مستوى بعض الأعمال المقدمة مؤخراً وتدني جودتها ولكن لا يجوز برأيها أن نقول إن كل الأعمال السورية الحديثة هابطة!.في مشوار نادين الفني محطات فنية عديدة كانت الدراما المشتركة إحداها ففي أواخر الثمانينيات وبداية التسعينيات كانت صاحبة ظهور في عدة أعمال بمصر والكويت ولبنان ودبي والأردن حيث لم تكن الدراما السورية قادرة على الإنتاج الكبير فكانت الدراما المشتركة هي الأبرز حينها، تلك الدراما التي جمعت -وفق حديث خوري- فنانين مصريين مع السوريين والعراقيين، من ليبيا ومختلف الدول العربية كانت دراما مشتركة حقيقية برأيها، فكانت اللغة الفصحى توحد كافة اللهجات بعمل يحمل هماً فنياً حقيقياً وليس كما يقدم اليوم، ما يصنف بالدراما المشتركة التي هي أعمال قائمة على الخيال بلا حدود غير قابلة للحدوث في الواقع، فهي ترفض تصنيف هذا النوع بالمشترك بل لعبة إنتاجية بحتة للربح فقط وإبراز شيء معين.وبالعودة للدراما السورية تشير خوري إلى أن الدراما المشتركة قديماً بدأت بالانحسار لدى السوريين بعد أن استطاع صناع الدراما وأساتذتها الكبار تحقيق أرضية ثابتة وشهرة حقيقية عبر الدراما التاريخية التي كانت أساس تلك الأرضية وحملت أمجاداً للدراما السورية، إلى أن وصلت للدراما المعاصرة وأثبتت حضوراً كبيراً برغبة حقيقية من كافة العاملين ترجمت نجاحاً وتميزاً، وهنا بات الإنتاج الجيد متوفراً في البلد وبدأت التنافسية الإنتاجية تنتشر بقوة فلم يعد هناك ضرورة للأعمال المشتركة.وبالحديث عن الجيل الفني القديم، توضح خوري أن الميزة الأولى لأبناء جيلها هي الهدف الفني البحت، فكانوا يعملون جميعاً كمجموعة تقدم عملاً درامياً، من دون أن يكون الجمال أو الشهرة هماً في الظهور، بل كان البحث دائماً عن عمل يحمل هدفاً ويقدم مقولة ليوجدوا به من دون غيره، أما اليوم فنرى كثيرين يقتحمون عالم التمثيل بهدف الشهرة والأضواء والجمال، وتأسف خوري لكون كسب المال أيضاً سبباً في دخول هذا العالم لكثير من أبناء جيل الشباب، فالهدف والشرط الفني باتا مختلفين اليوم، ولكن ذلك لا يعني التعميم الذي ترفضه خوري فهناك شبان دخلوا هذا العالم وهذا حق لهم واستطاعوا إثبات أنفسهم وحضورهم.وبعيداً عن أي سبب فني غابت الفنانة خوري الموسم الفائت عن الشاشة لوضع عائلي بحت مع وفاة أخيها، وفكرت للحظات بالتوقف عن العمل، ولكن من حولها رفضوا غيابها، فكانت عودتها بداية كضيفة على مسلسل "وردة شامية " الذي بدأ عرضه مؤخراً، ومن ثم كانت مشاركتها في مسلسل "وحدن" مع المخرج نجدت أنزور الذي أنهى تصويره منذ أيام قليلة في محافظة السويداء، وفيه تجسد دور المرأة صاحبة الموقف الثابت والقرار، وتظهر عبره بلباس ريفي تفرضه طبيعة العمل لتحقيق التجانس بين الشخصيات والمكان، وعن مقولة إنصاف العمل للمرأة السورية تنوه خوري بأن الدراما السورية قدمت أعمالاً كثيرة حققت عبرها المرأة الممثلة حضوراً وعبرت عن شخصية المرأة السورية بمراتب ومراكز كثيرة، إلّا أن "وحدن" يحمل اختزالاً شديداً للمرأة بمعنى الأرض والخصب والإنجاب والعطاء بهذا الترميز يحمل عنوان "وحدن"، فهو ليس إنصافاً بل يحكي عن الأرض والوطن ومن يحمي تلك الأرض بالنهاية.الكوميديا موقفرغم أن مسيرة نادين خوري الفنية كانت حافلة على الدوام بأعمال كوميدية برعت بالظهور فيها.. نجدها اليوم بعيدة عن الكوميديا وترد ذلك بالقول: الكوميديا لا يمكن أن تحمل حلولاً وسطية كباقي الأنواع الدرامية الاجتماعية والتراجيديا، بل هي إما ناجحة أو فاشلة، وهنا تنوه خوري بأن الكوميديا التي بدأتها الدراما السورية وشاركت بها كانت كوميديا موقف، أما في السنوات الأخيرة فباتت كوميديا التهريج، وهناك فرق كبير بينهما، فالكوميديا برأيها "موقف" والممثل لا يضيف له شيئاً بل يكون بحد ذاته مضحكاً، أما أن يقف الممثل أمام الكاميرا ويهرج فهذا خطأ كبير وليس مقبولاً بالنسبة لها، لذا هي بعيدة عن كوميديا اليوم ويكون الاعتذار خيارها على كل عمل كوميدي لا يحمل كوميديا الموقف.حوار: آمنة ملحم
التاريخ - 2017-11-18 8:12 PM المشاهدات 1582
يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرام : انقر هنا