شبكة سورية الحدث


فيلم «الأم» لباسل الخطيب..

في وسط الأحزان وتراكم مآسي الأزمة، جمعنا المبدع باسل الخطيب بعرضه الأول لفيلم «الأم» في سينما سيتي بدمشق، بحضور فني وثقافي ومجتمعي لافت حتى غصت مدرجات الصالة بالحضور الذي تابع العديد منه أحداث الفيلم إما واقفاً أو جالساً على درجات الصالة، احتفاءً بالعرض الافتتاحي للفيلم الثاني بعد «مريم» من ثلاثية «نساء في زمن الحرب» للمخرج باسل الخطيب.ساعة ونصف الساعة حاصرنا الخطيب ونَبَشَ ذاكرتنا المتراكمة بأحداث جسام وبكارثية الحال، وحاصرنا بمشاهد متتالية مفعمة برومانسية وواقعية تم التقاطها بعناية فائقة، لتُشعرك وكأنها لوحات فنية رائعة أكثر منها لقطات ومشاهد سينمائية لتشكل بمجملها صوراً لا تفارق ذاكرتك بعد العرض، وتجعلك تسأل نفسك: «هل ما شاهدناه كان شريطاً سينمائياً أم معرضاً تشكيلياً فريداً؟ أم حفلاً موسيقياً مميزاً، أم أنه وقفة لكل سوري في "جردة حساب" أمام ذاكرته والتي ضاعت بوصلته في كثير من الأحيان بسبب هول الأحداث والغرق في تفاصيلها طيلة سنوات الأزمة الماضية؟».أثناء مشاهدة «الأم» لم يفارقني المثل الشعبي الشامي القائل: «الأم بتلمّ»، وقصة الفيلم بسيطة لدرجة أنني أتجرأ أن أختزلها بذاك المثل نفسه. إلا أن هذه اللمّة جعل منها الخطيب صفعة على جباهنا نحن السوريين الغارقين بتفاصيل ومواقف فرضتها الأزمة، متناسين الحقيقة الأكبر والأهم من كل المواقف والتفاصيل وهي «أمُّنا».في الفيلم استطاعت العائلة المتبعثرة هنا وهناك والمتشبثة بمواقف مختلفة ومتباينة فيما بينهم أن تجتمع وتُلملم مأساتها وتتحدى الواقع لتلتقي في اللحظة المأساوية على ضريح أمهم الراحلة رغم كل خلافاتهم، ومع أنهم لم يستطيعوا المشاركة بتشييع «الأم» حيث تداخل مشهد رحيلها وعودة الأبناء لبلدتهم بمشهد تشييع شهداء من القرية بالدموع والأرز وهتافات الشهيد في شحن درامي ولغة سينمائية راقية تجلى فيها إبداع الخطيب أيما إبداع.إلا أن الأم استطاعت أن تحقق المصالحة بين أولادها وبناتها، بل حتى المصالحة بين أفراد عائلتين تعادتا على مر السنين بسبب خلاف قديم بينهما.أدوار البطولة في هذا الفيلم أدتها أربعة فنانات أبدعت في التمثيل والتعبير ودخول عقولنا وقلوبنا، وفي كثير من الأحيان نجحن في إثارة شجوننا التي تراكمت عبر السنوات الأربع الأخيرة.ففي دور الأم، لعبت القديرة صباح الجزائري دور العارفة التي تسعى من خلال خبرتها وعلوها أن تقلل من الأذى النفسي والمعنوي قبل الجسدي الذي يصيب أفراد عائلتها والآخرين في قريتها، ونراها تستعمل تعابير وجهها مع قليل من الكلمات لتحميهم، في إبداع درامي عالي المستوى. كما نرى سلاف فواخرجي، في دور ابنة العائلة الأخرى، تتواصل عاطفياً مع «الأم» رغم الجفاء بين العائلتين، في أداء رائع وازن بين قناعاتها الوطنية والمجتمعية سمحت لها بحل الإشكالات التي واجهتها بحكمة وهدوء نفسي ظهرا في ذلك الأداء المميز جداً. أما ديمة قندلفت، التي لعبت دور إحدى بنات «الأم»، والتي تعيش في أحد فنادق بيروت الفخمة بعد انشغالها بالسياسة، مما جعلها تشعر بالحنين إلى العائلة والوطن، عبرت عنه في مشاهد غير كثيرة ولكنها فائقة التعبير في الجسد والوجه والصوت، لتضيف إلى رصيدها إبداعاً متصلاً متواصلاً يميزها بشكل دائم. أما الابنة الثانية فقد أدت دورها نورا رحال، وفاجأتنا بعودتها هذه بهذا الكم من الاتقان في الأداء والحساسية في التعبير، في قالب عاطفي يضع مشاعر الآخرين قبل مشاعره وتحمل الحب إلى الجميع دون تمييز، حتى تنسى أنها محبوبة وتحتاج من يهتم بها. أما عامر علي وسمير حسين اللذان أديا دور الابنين، فقد كان لهما دور في أزمات العائلة وكذلك في تخطيها كلٌّ منهما في أدائه المميز، وكذلك لينا حوارنة التي لعب دور الابنة الثالثة.وبهذا الفيلم وقبله مريم، يأتينا الجواب عن سؤال لطالما سألناه للمشتغلين بالشأن الثقافي السوري مؤخراً: «أين هو منتجنا الثقافي الذي يتعامل مع هذه الأزمة التي تعصف بنا؟»، وبالتأكيد فإن هذا الفيلم هو وما سبقه وما سيلحقه أحد هذه الإنتاجات المؤثرة.- - - -بطاقة الفيلم:الأم: صباح الجزائري، سلاف فواخرجي، نورا رحال، ديمة قندلفت.بطولة: لينا حوارنة، سوزان سكاف، سمير حسين، علي صطوف، عامر علي، رنا كرم، يحيى بيازي، نور رافع، روعة شيخاني.بالاشتراك مع: بشار اسماعيل، احمد رافع.تمثيل: أميرة حجو، مها صالح، حسين عباس، ابراهم مطر، سناء سواح، باسل منصور، لميس محمد، حسن منصور، نور بريكة، شاكر شاكر، زين حمدان، حسين دروبي، مؤمنة الشامي، محمود عثمان، سالي السيد أحمد.مدير الإنتاج: فايز السيد أحمدالتنسيق العام: دينا باكيرمدير التصوير والإضاءة: جمال مطرالتصوير: أحمد العبد اللهالموسيقى التصويرية: سمير كويفاتيسيناريو وحوار: باسل الخطيبالاستشارة الدرامية: نبيل صالحالمشرف الفني: عمار العانيالمخرج المساعد: شامل أميرلايالإشراف العام: محمد الأحمدالفيلم من إنتاج وزارة الثقافة، المؤسسة العامة للسينما
التاريخ - 2014-12-24 1:52 AM المشاهدات 1609

يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرامانقر هنا