في قلب دمشق القديمة مدينة تجارية صغيرة،
درة الأسواق وأجملها هذا ما قاله العديد من الباحثين في وصفه، سوق البزورية
من أقدم وأهم الأسواق الأثرية الذي مازال في أزقة أحيائه القديمة يحتفظ
بأسماء تجاره، ناهيك عن تخصصه ببيع الأعشاب الطبية والبزورات والمكسرات منذ
عقود، إضافة لمحافظته على طراز البناء القديم، إذ أن المحلات متوارثة
جيلاً بعد جيل، ذلك السوق الذي عُرف قديماً باسم «سوق القمح»، ثم تبدل اسمه
إلى سوق العطارين لبيعه العطور المستخرجة من الزهور الدمشقية، يواجه سكانه
وأصحاب محلاته واقعا مأساويا ظالما لأنهم معرضون للتشريد وقطع أرزاقهم،
والاستيلاء على محلاتهم من قبل وزارة السياحة بطريقة الاستملاك والحجة
دائماً هي الاستثمار.
كثيرة هي القوانين التي وصل بها الحد إلى
ابتلاع حقوق المواطن، منها قانون الاستملاك الكابوس الحقيقي الذي رزح تحت
ثقله تجار سوق البزورية، وذلك تحت مظلة إنشاء سوق تجاري حديث بالقرار
الاستملاكي رقم 182 لعام ،1960 الصادر عن المشير عبد الحكيم عامر نائب رئيس
الجمهورية العربية المتحدة آنذاك، ومنذ ذلك التاريخ وهم يعانون من عمليات
التخريب والقلق والمصير المجهول، رغم صدور قرار المكتب التنفيذي رقم 422
لعام 1980 بالموافقة على إلغاء قرار الاستملاك.
تشكيلها البنائي لا يسمح
عام 1968استملكت وزارة السياحة الجزيرة
التي تضم خان الرز، ومجموعة محلات مفصولة عن الخان بفسحة سماوية فارغة
تقارب (10 أمتار)، استناداً الى قانون استملاك أراض فارغة وليس لقانون
استملاك أبنية مشيدة، وذلك حتى لا تدفع قيمة عقارات مبنية، واطلع الكشف على
ذلك ولاحظوا أن كتلة خان الرز مفصولة عن سوق البزورية، وعلى إثرها تم رفع
التقرير إلى وزير السياحة آنذاك ينص على وجود فاصل والإبقاء على استملاك
خان الرز وإلغاء الاستملاك في سوق البزورية وصدر كتاب من الوزير عام 2010
إلى رئيس مجلس الوزراء، ثم تعاقبت وزيرة جديدة على كرسي وزارة السياحة
فأعادت إرسال دراسة جديدة للسوق في بداية سنوات الأزمة.
«محلات» نجحت في فك الاستملاك
قام بعض مالكي المحلات التجارية في السوق
برفع دعوى بشكل مستقل وربحوا قرار فك الاستملاك للمالكيين الرئيسيين فقط،
منوهين أنه تم تقييم السوق بتقييم فروغ من جهة، وتقييم ملكية من جهة أخرى،
إذ وضعت وزارة السياحة تعويضاً مالياً بأسماء الملاكيّن في البنوك لكنهم
رفضوا استلام التعويض المقدر لهم، وذلك باعتبار أن الاستلام هو بمثابة نقل
الملكية بشكل قسري. وطالب تجار سوق البزورية من وزارة السياحة، بتسريع
النظر في القرار الاستملاكي وعودة الملك إلى أصحابه وإبقاء التجار في
محلاتهم التي تعد مصدر الرزق لعائلاتهم، كذلك طالبوا بعدم معاملتهم معاملة
الاستثمار السياحي، «نحن جاهزون لدفع ما يترتب علينا من أقساط شهرية للمالك
الرئيسي في حال تم إلغاء الاستملاك.
المحل «ورثة» من 75 سنة
بينما تتجول في سوق البزورية تدهشك
دكاكينه المنتشرة على طرفي السوق، المتميزة بصغرها بعكس محلات سوق
الحميدية، حيث التقت «الأيام» أحد أصحاب محلات الأعشاب الطبية والتوابل
(رفض ذكر اسمه): «أنا من الجيل الرابع في هذا المحل ورثناه من قبل والد جدي
الذي افتتح المحل عام 1943، أي مضي على تواجدنا في السوق 75عاماً، إذ
أنذرتنا وزارة السياحة عام 2007 قبل عيد الأضحى بثلاثة أيام، بوجوب إخلاء
المحلات خلال عشرة أيام، مضيفاً أن 86 محلا تجاريا في سوق البزورية، وقع
تحت قانون الاستملاك (لصالح النفع العام)، بحجة أن البناء متصدع ويحتاج
لترميم، ويعود تاريخ الاستملاك لعام 1968، جاء تحت بند استملاك لصالح وزارة
الثقافة، ثم انتقل لوزارة السياحة عام 1980، والمالك الرئيسي (صاحب الملك)
كان يأخذ من والدي 200 ألف سنوياً أما الآن لم نعد نعرف لمن سندفع؟
تعويض زهيد
في عام 2007 نقلت وزارة السياحة الملكية
لاسمها من الملاكين الرئيسيين في زمن الوزير السابق سعد الله آغا القلعة،
كنا ندفع لصاحب الملك 200 ألف سنوياً، ووضعت الوزارة مبالغ زهيدة تراوحت
بين (15-20 ألف) لتعويض صاحب الملك، 80% من الملاكين لم يقبضوا ما وضع لهم
من أموال في البنوك.
عام 2007 جاء قرار بالإخلاء ووصلت القضية
لسيادة الرئيس الذي أوعز لوزارة السياحة بعدم تنفيذ قرار الإخلاء وأغلق
الملف من حينها، الإضبارة حاليا في مقر وزارة السياحة قيد التريث ونحن
بانتظار فك الإشارة من قبل الوزارة. ثلاثة محلات استطاعت فك الاستملاك عن
محلاتها مازن السمان، وكمال الخطيب، وذو الغنى، بصفتهم ملاكيين رئيسيين في
عام 2007.
بعض التجار ناشدوا وزير السياحة عام 2007
وأجابهم أن اضبارة سوق البزورية تم فصلها عن خان الرز، وتم إرفاق اللجنة
الفاحصة على الخان بمعطيات على إثرها، سمعنا من تجار داخل السوق أن الإشارة
ملغاة عن السوق لكن المالك الرئيسي إلى اليوم لا يأخذ فروغه، التجار
جاهزون لدفع ما يترتب عليهم من ذمم مالية خلال السنوات الفائتة لصاحب الملك
الرئيسي، ويستصرخون لرفع هذا الظلم الذي يتعارض مع القوانين والأعراف،
التي تحمي المواطن ولقمة عيشه وحقوقه.
قرار باطل
يقول المحامي بهاء البدوي أن القرار رقم
182لعام 1960 باطل، لأن الاستملاك لم يكن بجدوى النفع العام، مضيفاً أن
مرور 58 عاماً على قرار الاستملاك ولم ينفذ حتى الآن يجعله قراراً عديم
الجدوى، وأن الجهة التي قامت بوضع الاستملاك غير جادة بقرار الاستملاك،
منوهاً أنه يحق لأصحاب العلاقة رفع دعوى أمام مجلس الدولة القضاء الإداري
لإبطال الاستملاك القديم، منذ زمن الوحدة، مضيفاً إلى وجود مراسيم كثيرة
وعملت على إلغائها.. ونوه البدوي أنه صدر قرار من مجلس محافظة دمشق عن
القرار التنفيذي رقم 422 لعام 1980 بإلغاء قرار الاستملاك فهو ملغي من
المحافظة، وعن المدة الزمنية الممنوحة لإتمام الإخلاء نصت المادة (3) فقرة
(أ) من قانون الاستملاك رقم 20 لعام 1983، أنه يعطى شاغل العقار مهلة شهر
على الأقل للإخلاء.
في سوق البزوية المعروف بأصالته الدمشقية
يبقى كل عطار «مبدع» يتميز بإبراز ما لديه من أعشاب غريبة ومتنوعة لاستقطاب
زبائنه، بالإضافة لتقديمه خلطات وتركيبات طبية فهل ستقدم وزارة السياحة
وصفة «سحرية « أو جمالية للمتسائلين من تجار العطارة في ذلك السوق الشهير،
وتقدم لهم الجواب الشافي بديلاً عن استعانتهم بالطب الحديث.الايام
التاريخ - 2018-07-25 12:08 PM المشاهدات 1117
يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرام : انقر هنا