نظام المقايضة فرصة للصناعة السورية وللصناعيين وسيؤدي للتعامل بالعملة الوطنية بدلاً من الدولار واليورو
مجبراً أخاك لابطل هكذا تبدو التفسيرات الواقعية للمقولة ، من هنا يمكن القول إنه، قد يكون استدراك اختلالات السوق المحلية بعمليات مقايضة السلع ، أسلوب يعيد بعض التوازن وليس جلّه إلى سوقنا بعد ضربات موجعة إن كان من الخارج أو من مكوناتها الداخلية وعلى رأسهم تجار الأزمات، لكن هذا يفتح المجال على تساؤلات عديدة من ضمنها بماذا نقايض وما هي مكّملات نجاح العملية؟.وربما لم يغب ذلك عن أذهان المخططين في حكومتنا وسابقاتها قبل الأزمةالبحث عن خيارات للخروج من البئرالذي وضعتنا به الأزمة لجهة السوق والمنسوب السلعي ، وعلى هذا شهدنا العديد من المبادرات الحكومية وفي إطار أداء الدور التنفيذي، كعصب حركي بعد ابتعاد القطاع الخاص بشكل عام عن معالجة وضع الأسواق ومن حاجتنا للسلع، طرحت إجراء عمليات مقايضة للسلع، وشكّلت لجنة لإدارة عمليات المقايضة هذه لتأمين انسياب السلع من سورية للخارج وبالعكس.
على أرض الواقع
حين تمت دراسة الأسواق تبين وفقاً لوزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية أنه يمكن الاستغناء عن الدولار واليورو عن طريق مبادلة السلع بسلع،وهذا ما تؤكده مصادر الوزارة التي ترى أن توازن السوق السورية حالياً وفي الظروف الراهنة تعد أكبر التحديات التي تواجهنا، وتتأثر السوق السورية بقوى العرض والطلب ومن تلاقي منحنياتهما تنشأ المنظومة السعرية والتي تعتبر بمثابة مؤشرات توجيهية للمنتجين والمستهلكين.وتوضح المصادر أنه للوصول إلى توازن السوق السورية يجب أن تترافق التغيّرات الكمية مع التغيّرات السعرية، أي تأمين الاحتياجات المطلوبة بالنوعية والوقت المناسب ووفقاً لسلم الأولويات المجتمعية ومن ثم تحديد آلية تأمينها من الإنتاج الوطني أولاً ومن ثم من الدول الصديقة مثل روسيا وإيران والصين وبيلاروسيا ودول أمريكا اللاتينية الصديقة، بالوقت نفسه نقوم بالتصدير لها من منتجاتنا الوطنية، وعندئذ نحقق المنفعة المتبادلة من تأمين انسياب السلع والخدمات وتفعيل عوامل الإنتاج الوطنية لذلك يجب ترسيخ مفهوم المقايضة في علاقاتنا الاقتصادية وإقامة مناطق اقتصادية مشتركة والتعامل بالعملات الوطنية بدلاً من الدولار واليورو وهاتان العملتان ليستا قدراً على الشعوب، ومسافة الألف ميل تبدأ بخطوة.يُرشح مراقبون أن تكون السلع التي ستبادل سورية الخارج فيها هي تلك التي تحمل مزايا تنافسية لدينا كالمفروشات والأقمشة القطنية وزيت الزيتون والخضار والفواكه والمواد الخام والقمح والقطن وبعض الصناعات الهندسية والفوسفات" وتؤكد مصادر حكومية أن الحكومة السورية ستحاول زيادة عدد هذه السلع والبحث عن جميع المزايا التنافسية لتواجد سلعنا في الأسواق الخارجية وحجز مساحة كبيرة لها ضمن هذه الأسواق.أما السلع التي ستحصل عليها سورية من الخارج نتيجة المبادلة, فيمكن أن تتركز على السلع الغذائية التي لا تستطيع سورية تلبيتها عن طريق الإنتاج الداخلي مثل السكر والمشتقات النفطية وبعض مستلزمات العملية الصناعية وبعض السلع الوسيطة في العمليات الإنتاجية، حيث تم التوقيع على اتفاقيات مع بعض الدول التي ستتم معها عمليات المقايضة وأخرى قيد التوقيع.
هل نحن جاهزون للمقايضة ؟
رغم تأخر العمل بتدابير مفيدة ، يفرض السؤال نفسه عما يوجد في جعبة المقايضين، وهل نحن جاهزون للمقايضة والأهم ما هي السلع التي سنقايضها مع شح الإنتاج المحلي؟ يرى البعض أن أهم ميزة في المقايضة هي إلغاء الوساطة، وبالتالي تقليل التكلفة وسعر المنتج، كما يفترض نظام المقايضة أنه يوجد تناسب بين السلعتين محل التبادل من حيث قيمتهما وأهميتهما بالنسبة لطرفي التبادل، وبرأيهم أن الفكرة جيدة لكن أمامها صعوبات متعددة خاصة مع ضعف القطاعات الحيوية في سورية من صناعة وزراعة و إنتاجنا المحلي ربما لا يكفي حاجة السوق المحلية لمقايضته بغيره من السلع الأخرى، باستثناء بعض السلع الزراعية، كما أن الصناعة في ظل الأحداث الراهنة تعرضت لخسائر كبيرة، واضطر الكثير من المعامل للتوقف عن العمل، وبالتالي فإن المعامل المتبقية لا يمكن أن يعول عليها بمفردها. ثم إن سلعنا لا تستطيع تحقيق عنصر المنافسة على اعتبار أنه أهم عنصر في مقايضة السلع، فسلع دول الاتحاد الجمركي هي سلع منافسة وتحمل قيمة مضافة، أما صناعتنا المحلية فتعاني حالياً من ارتفاع تكاليف عناصر الإنتاج، وصعوبة تأمين المواد الأولية، وصعوبة النقل وارتفاع تكلفته وهذه العوامل من شأنها أن تضعف المنتج المحلي وتجعله غير قادر على منافسة السلع الأخرى التي ستقدمها دول الاتحاد الجمركي.
خطوات مفيدة
يعتقد معظم المراقبين أن نظام المقايضة جيد لكن فنياً هناك صعوبات لذلك يجب أن يكون هناك دور للرقابة الحكومية والشعبية بسياسات وآليات معينة ليقطعوا الطريق على تجار الأزمات الذين يستغلون الثغرات فيه ويحصلون على المادة التي تمت المقايضة بها ثم يبيعونها بالسوق السوداء .ويضيف المراقبون أن العملية جيدة لكنها غير كافية وتتيح الحصول على بعض السلع فقط ولن تكون قادرة بمفردها على تأمين احتياجات السوق المحلية، لكن يمكن أن نقوم باستراتيجيات منها الاتجاه شرقاً ونحو الدول الإفريقية التي نملك ميزة تفاضلية في أسواقها إضافة إلى أن الجاليات السورية واللبنانية تمسك بحيز جيد من اقتصاداتها وموقفهم مساند لسورية خلال الأزمة .
المقايضة فرصة للصناعة
نظام المقايضة بمثابة فرصة للصناعة السورية وللصناعيين وربما تستبعد التجار نظراً لإلغاء الوساطة فيه لكن لديهم مساحة كبيرة من اللعب كونها لا تغطي حاجة السوق المحلية، أما الخوف يأتي من اختلاط صفة الصناعي والتاجر خاصة أن البعض يتحول من لبوس إلى آخر عندما تقتضي مصلحته ومصلحته فقط . ثم إن هؤلاء طرف أساسي في نجاح العملية سواء من حيث جودة المنتج أو تسهيل انسياب السلع، ونستذكر هنا تجربة سابقة أفشلها التجار عندما سمحت وزارة الاقتصاد ب"التبادل السلعي" حيث سمحت للتجار بتصدير الحمضيات السورية شريطة استيراد الموز لكن التجار لم يطبقوا هذا الشرط ما جعل أسعار الموز غيرمستقرة حتى الآن . مصادر وزارة الاقتصاد أكدت أن المقايضة من شأنها أن ترفع وتزيد العملية الإنتاجية لدى الصناعي السوري، لكن من الأهمية أن يتقيد الصناعي والتاجر بالمهل الزمنية لإنجاز العقود المبرمة مع تلك الدول ويمكن تحقيق ذلك لأن في سورية صناعيين ذوي خبرة واسعة وكبيرة, وهذا الإجراء يعتبر فرصة كبيرة أمامنا خاصة أن الأسواق الخارجية تحتاج للسلع السورية. أما وجهة نظر غرفة تجارة دمشق فترى أن الفكرة لا يمكن التعويل عليها بمفردها في تلبية احتياجات السوق المحلية من المواد والسلع مع أنها جيدة ولكن يجب ألا ننسى بعض الأمور ومنها أن هناك الكثير من المصانع أغلقت أبوابها نتيجة الأحداث الراهنة التي تمر على سورية لذلك ما هي السلع التي سنقايضها في ظل شح الإنتاج المحلي. وهل ستستطيع منتجاتنا المحلية تحقيق عنصر المنافسة الذي يعتبر الأهم في عملية المقايضة. لافتاً إلى أن فكرة مقايضة السلع بالسلع لا يمكن من خلالها الاستغناء عن القطع الأجنبي إذ إنه ربما لا تقبل بعض الدول مقايضة سلعها بسلع منتجة محلياً وبالتالي نضطر لاستخدام القطع الأجنبي.
قلق عام
يشككك البعض بجدوى عملية المقايضة ويرتاب أن تبخس السلع السورية حقها في ضوء حاجة الأسواق، تطمئن مصادر وزارة الاقتصاد أن الاتفاقية مع دول الاتحاد الجمركي تضمن مصلحة الجانب السوري بشكل كبير ولا داعي للخوف، بل على العكس هناك من يقول إن هذه الخطوة أتت متأخرة خاصة أن الاتفاقية قد أعدت بتأنٍ كبير لإدخال المناطق الحرة في صلبها، وأن سورية اشترطت مقايضة سلع بسلع أخرى، علماً أن الهياكل الإنتاجية والعادات الاستهلاكية متشابهة مع هذه الدول، كما أعدت قوائم تتضمن احتياجات السوق من السلع المنتجة في هذه الدول.ولا يمكن هنا أن ننسى عنصر المساعدة من قبل البعض لتأمين احتياجات السوق خاصة أن هناك بعض المستثمرين والشركات التي تريد أن تساعد عملياً في تأمين السلع .
يوسف حيدر عيسى
التاريخ - 2015-02-10 5:28 AM المشاهدات 1002
يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرام : انقر هنا