26 تشرين الأول من عام 2011 كان تاريخ أول مزاد علني لبيع القطع الأجنبي في سورية دعا فيه المصرف المركزي كل مؤسسات الصرافة العاملة من شركات ومكاتب للمشاركة، وكان تصريح الدكتور أديب ميالة حينها أن قرار المصرف المركزي بالتدخل لبيع القطع الأجنبي في السوق يأتي في إطار سعيه إلى تأمين استقرار سعر صرف الليرة السورية وتأمين القطع الأجنبي اللازم لتلبية حاجة السوق.
كان الدولار حينها بحوالي 53 ليرة، ولكنه ارتفع متجاوزاً 57 ليرة للمرة في أيام، فخرج ميالة مصرحاًً بأن هذا السعر وهمي، وسيتم التدخل عبر شركات ومكاتب الصرافة لتوسيع السوق النظامية التي تضم 60 شركة ومكتب صرافة.
أما اليوم وبعد ثلاث سنوات ونصف السنة تقريباً من تصريحات ميالة تلك، وضخّ المليارات عبر شركات ومكاتب الصرافة المرخصة، يدور الدولار ويلف ضمن 240 و250 ليرة سورية- والليرة التي فقدت وقتها 20% من قيمتها، تفقد اليوم نحو 80%، ما يثير التساؤلات الحرجة عن نجاح غاية التدخل التي حددها المصرف المركزي؟ ومصير المليارات من القطع الأجنبي التي تم ضخها في الأسواق؟
إشكال غير طبيعي
تساءل المصرفي الأكاديمي والمدير الأسبق للمصرف التجاري السوري الدكتور دريد درغام عن السبب وراء الاعتماد على شركات الصرافة وعدم الاعتماد بضخ العملة إذا كان مجدياً عن طريق المصارف؟ وعن سبب قرار بيع العشرة آلاف دولار الذي سرب بسببه مئات الملايين من الدولارات من دون داع أم الأولوية تأتي لأشياء أخرى؟
وأكد درغام : أن هناك سلوكيات تدل على وجود إشكال حقيقي غير طبيعي، وهناك علامات استفهام كبيرة حول تسهيل وصول كتلة هائلة من العملات الأجنبية إلى أيدي تجار ليس لهم علاقة بالتجارة بقدر مالهم علاقة بالتحضر لما يسمى التعامل بالعملة وأن من يتحكم بالسوق حالياً هم الأشخاص أنفسهم الذين اشتروا هذه الكميات من العملة الأجنبية والذي لم يكن هناك داع لبيعها لأغراض غير تجارية ليتم تخزينها في البيوت والمعروف أنه لم يقم بشرائها الإنسان العادي ومن قام بشرائها هم التجار عبر وسائل مختلفة وظهرت نتائج هذا الأجراء بالأوضاع الحالية والأمر المستغرب بشكل أكبر هو الإصرار على عدم إلغاء مثل هذه القرارات حتى الآن وترقيعها بطريقة أو أخرى عبر ما يسمى بتعديلات متواترة ورفض إلغائها النهائي لأسباب غير معروفة.
لتصحيح الخلل
وتساءل درغام ماذا تقدم شركات الصرافة زيادة عن المصارف، مؤكداًُ أنه وضمن الظروف الحالية وبعد مرور أربع سنوات من غير الطبيعي السكوت على أخطاء كثيرة موجودة ومن الضروري إيجاد أساليب تصحيحه وسياسات من طبيعة ثانية خلال الفترة القادمة عن طريق التحكم بالكتلة النقدية بالدفع عن طريق الجوال للمدفوعات الصغيرة التي تصل قيمتها إلى 20 ألف ليرة وبهذه الحالة الجزء الأكبر من السيولة النقدية السورية لا داعي لوجوده «كاش» ومن جهة ثانية يصبح من الممكن إلغاء مفهوم النظام الضريبي المعقد الحالي بحيث يتم فرض نسبة ضريبة تحصل مباشرة من المبيعات التي يتم تسديدها مباشرة عن طريق الجوال.
ومن أجل المدفوعات الكبيرة أن يتم تنفيذ الفكرة التي طرحت من خمس سنوات والتي أجلت لأسباب غير معروفة وهي التعامل عن طريق التقاص الالكتروني بين المصارف بدلاً من الذي يتم حالياً عبر لجوء المصارف للتحويلات بالعملة الأجنبية من خلال المصارف الخارجية وليس داخل سورية لما يسببه هذا الأمر من إرباك جدي للمصارف وللمواطنين وكذلك الحال بالنسبة للعمليات الكبيرة عبر تحصيل أي شيك يحتاج عدة أيام بينما المنطقي يجب أن يكون مؤتمتاً بحيث يتاح صرفه خلال ساعة على الأكثر وهذا الأمر أيضا متاح ورفض تطبيقه لأسباب غير معروفة.
الصيارفة يتحدثون
مديرة إحدى شركات الصرافة في دمشق أكدت لـ«الوطن» أن جميع المبالغ التي ضخت عن طريق شركات الصرافة وصلت للمواطن، مبينةً أن الإجراءات التي ألزم بها المصرف المركزي شركات الصرافة عند بيع القطع الأجنبي للمواطن تجعل من الاستحالة بمكان تلاعب هذه الشركات حيث إنه يجب على الشركة تزويد المصرف المركزي بأسماء المستفيدين من شراء القطع والغاية التي تعهد المستفيد فيها لشراء القطع.
وأكدت في حديثها : أنه لا شركة تدخل بمخاطرة من خلال الشراء بأسماء آخرين، خشية أن تتم مساءلة المستفيدين مستقبلاً عن مصير القطع الذي تم شراؤه، ما يدخلها بإشكالات كبيرة، إضافة إلى وجود مراقب يومي من المصرف المركزي موجود بشكل دائم يراقب الصالة أو يدخل إلى غرفة العمليات ولديه صلاحيات كاملة.
وأشارت إلى أن المضاربين في السوق السوداء التي كانت الغاية الأساسية من التدخل هي الحدّ من نشاطهم؛ هم من استفادوا من عمليات تدخل المركزي عبر بيع القطع للمواطن، مستغلين حاجة المواطن للمال، ليقوموا بشراء قطع أجنبي من منافذ مؤسسات الصرافة عبر عدة أشخاص ليقوموا بعد ذلك باستغلال هذه المبالغ للمضاربة في السوق السوداء.
وفي نهاية الحديث أبدت عدم رضاها عن إجراءات التدخل التي قام بها المركزي والتي فشلت في تحقيق هدفها في الحفاظ على سعر صرف الليرة السورية أمام العملات الأجنبية أو من خلال الحدّ من قدرة السوق السوداء على المضاربة، والحل برأيها أن يوضع سعر معقول للدولار وأن يتم العمل على إلغاء السوق السوداء عن طريق السماح بتداول القطع بسهولة دون التعقيدات المفروضة على تداول العملات الأجنبية.
ورأى مدير إحدى شركات الصرافة : أن من يرد التلاعب بالقطع الأجنبي فلن يعدم الوسيلة لهذه الغاية، وهذا يعود إلى مصداقية الشركة وضمير القائمين عليها وآلية عملها، فهناك شركات تلجأ إلى أساليب وألاعيب لتربح بشكل أكبر، وهناك شركات همّها أن تقوم ببيع القطع بأسرع وقت والتفرغ لباقي أعمالها، حيث اعتبر أن عمليات الضخ للقطع عبر شركات الصرافة هي عبارة عن إجراءات استثنائية خارج مجال العمل الأساسي لشركات الصرافة حيث يتم استخدامها من المصرف المركزي كأدوات لتنفيذ سياسة معينة.
واعتبر أن المصرف المركزي حقق الهدف المباشر من التدخل في عدة مراحل، وهو سحب الليرة السورية من السوق وخفض كميتها في الأسواق ما يؤدي إلى خفض الطلب على شراء القطع الأجنبي.
الحدث - الوطن
التاريخ - 2015-03-09 5:36 PM المشاهدات 1105
يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرام : انقر هنا