القدس ليست شجرة وارفة .. الكاتبة رشا أحمد حمصي

مرة أخرى، على سطح بحر ليس أزرقَ أبدا، ينادي أحدهم ذو فكٍّ سفليٍّ رخوٍّ، تتساقطُ منه ديدان شريطية صفراء. على شجرة عالية وارفة وسط تلك الأرض.. تزوغ أنظارهم نحوها ويزحفون في آنٍ واحد ..هُنا نحن، على بعد سيلٍ أحمر ودمعتين.. نتعلم جيدا كيف نموت. وكيف تبتر أطرافنا وتثكل أرواحنا وتزهق .. تؤدي أمهاتنا نذرا للشمس، تسقط خَرزا أخضرَ في مسابحها الطويلة وتعيدنا من جديد أحياء . نسلك طريقنا ذاته كل يوم بعيون عمياء وآذان لا تسمع سوى صدى مبحوح لشيخ مقطوع الرأس ..تهبط جمهرة من الملائكة، تطوف حولنا، تلك التي أنجبت منذ ثوان قد صار رحمها خصباً، حينما مروا من أمامها أخذت تَلِدُ ثم تلد، وهكذا، آلاف المرات.. صغارها الذين هبّوا يجمعون رصاصا تراشق حول بيتهم لم يعلموا بعد أن الأصابع التي انفجرت منها عيون لبن كانت كفّ والدهم..تبدو المدينة هادئة .. موت هنا .. وحياة هناك .. فتيات يعجنَّ خبزا أحمر ويرسلنه في الهواء، شاب صغير معصوب العينين يُساق إلى حضن يوسف ونار إبراهيم .. يبتسم حينما يرى أنه تأخر على جموع المصلين، يَؤُمُّهم ويعرج صوب السماء السابعة .. يزحفون نحو الشجرة الوارفة التي رأوها من بعيد .. يقرعون طبولهم ويراقصون أذيال جِنانهم الصغيرة . أحدنا لا يرى شجرة عالية هنا، لكننا بدأنا نتساءل بجدية: إلى أين ستؤدي بنا خطيئتنا هذه المرة؟....كاتبة سورية سوريا - حمص