شبكة سورية الحدث


القاص نزار مزهر ( يد مقطوعة رسمت حدود وطن )

القاص نزار مزهر ( يد مقطوعة رسمت حدود وطن )
سورية الحدث - نزار مزهر  هطلت الثلوج كثيراً ذاك اليوم ومنزله مازال بعيداً ، كان كل شيء هادئ مع تساقط ندف الثلج الكبيرة ، عدا بعض الرياح التي تصافح وجهي دون سابق إنذار .تخيل لي -من وراء الباب- بصعوبة يحكم ربط فمه كي لا يلعن أو يسب ، لولا السكون الذي تبدد مع صرير حجر المزلاج العتيق.وحده الظلام زحف سريعاً ، بعد أن غمر الليل عبء تعبي وأثار في أشجاني هدوء ومتعة ، أختلطت مع دفء موقدة الحطب أمامي .جاهدت كثيراً في البحث عن حديث معه ، رجل صامت ، في عينيه كلام مبهم ، ولاسيما شارباه اللذان يشاركان الحديث بتكلف ، فصمته هذا ، أباح -فقط-للهواء الخارج من رئتيه أن يتردد صداه في أركان الغرفة .أي نوع من الرجال هذا ، بدا طويلاً ، أسمر ، حاجباه يغطيان عينيه نصف المفتوحتين ، وعباءة سوداء تخفي تحتها كامل الجسد الهرم ، فلاتريك سوى ذقنه المجعدة ، ونصف قدميه الهزيلتين .صورة الشاب المنفردة على الحائط والسيف القديم المعلق بجانبها ،مازالا يحتفظان بكثير من اﻷحاديث ، كل تلك اﻷشياء أثارت دهشتي ولاسيما صورة ذاك الشاب ، فقد كان وسيمأ إلا أنه بيد واحدة ، يحتضن جماله وحزنه أطار خشبي قديم .حتى السيف وكأنه يبوح داخل غمده-فقط-لغمده بصمت ، فسؤالي عنه لربما زاد الحزن في عينيه وتفوق على كل ألم .قال لي :- الرؤوس شامخة ، لا يحنيها سوى رصاص بنادق الفرنسيين أيام الثورة ، سيف وخيل وكلمة حق كانوا سلاحنا ، قال هذا وابتعدت عيناه وسبحتا عبر النافذة المنخفضة لحدود اﻷفق البعيد .لون الجمر اﻷحمر ، زاد من تدفق الحلم لديه ، عاد يقول :كانت بنادقهم تترصدنا بموت مفاجئ وقريب كيفما ذهبنا ، يومها اشتدت المواجهة بيننا ، وبينما كنا نجتاز كروم العنب المهملة ، ألتفت إلى صديقي خلفي لم أجده ، ثم أومأ إلى الصورة برأسه وسكت.أنكسر أصراره على المتابعة وغاب في الظلمة حديثه ، حاول أن يهدئ من أرتجاف شفتيه وتقلصات جبينه ، وماهي إلا لحظات حتى عاد لقاء العينين من جديد ، فقال :تلك الليلة لم أنساها مهما حييت ، بالمصادفة وجدنا مغارة كبيرة أبتلعنا فمها بكل حذر .مسرعاً تسلل الظلام ، وأغلقت الجفون مع أنحلال التعب فوق أجسادنا المنهكة ، حتى همد كل شيء وسكن .عند غبشة الغسق-ودون سابق أنذار-دوى الصمت المشبوه الذي أعقب جلجلة الفرسان عن نسيج مؤامرة ، نظرات قاسية أشعرتنا بالخيبة ، أشعرتنا بالعار، وتسارعت دقات القلوب لمعرفة مايدور .ضجة العدو ، أتت من بعيد بخيانة محكمة ، تلاقت عيون الثوار ، تذكرت صديقي أين هو ؟ لم أجده !هذه المرة ، أبتعد عني هذا العجوز كثيراً ، وغابت عيناه بعمق الصورة المعلقة ، حتى المدفأة ، والسيف والخنجر المعلقان على الحائط ، كلها غابت في عمق الصورة ، صورة هذا الشاب.فجأة ، لمع في عينيه بريق تركز في الجمر اﻷحمر ، أستنشق هواء .......سعل بعده ، ثم قال :أخلينا المغارة ولفظنا فمها كبركان ثائر ، هناك من بعيد ، شاهدت صديقي برفقة مجموعة كبيرة من رجال (الكوبيتان) الفرنسي .ومنذ ذلك الوقت ، وأنا أفتش عن صديقي ، حتى وجدته .هناك ، بين جدران بيت مهدم ، وقبل أن يأتوا الجنود ويمسكوا بي ، وبهذا السيف قطعت يده ، فانفلت الدم وتناثرت قطراته واندمجت مع التراب ، حتى عانقت قطرات أخرى حد السيف . عاد صوته المتهدج أكثر حدة وتركيزأ .فجأة ، أرتجفت يداه تحت عباءته السوداء وتزاحمت مشاعر الفخر والعز ، وولدت في قلبي حباً عارماً لهذا البطل العجوز ، ووددت لحظتها تقبيل جبهته الجعداء المسمرة ، ولكن لهفتي الهوجاء ، أثارت سؤالي .-أين هو ؟أجابني ونظراته التي أستقرت وسط الصورة .- لقد تقاضى ثمن خيانته وبقي حيث هو .- ومن هو ؟عندها تنهد بحرقة ، وقال :- أنا هو .....وها ذي عباءتي تخفي عاري ، وها أنا ألتحم بنصف يدي ، ولك اﻷن أن تحتقرني .مختصرة من القصة الكاملة 
التاريخ - 2017-12-29 7:58 PM المشاهدات 1513

يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرامانقر هنا


الأكثر قراءةً
تصويت
هل تنجح الحكومة في تخفيض الأسعار ؟
  • نعم
  • لا
  • عليها تثبيت الدولار
  • لا أعلم