صناعيو القابون يطالبون بالعودة إلى منشآته
كما نعلم أنه تم الانطلاق حالياً لإعادة الألق لمدينة دمشق وتحويلها إلى مدينة سياحية وهذا يستتبع إخلاءها من المعامل والورشات وجمعها في مدن وتجمعات صناعية في الريف، وصدرت عدة قرارات في هذا الشأن ومن أبرزها نقل معامل المنطقة الصناعية في القابون إلى مدينة عدرا الصناعية، لكننا اليوم أمام واقع مرير يتعلق باقتصادنا الوطني الذي يعاني ضعفاً في ميزانه التجاري الذي نهكته الحرب والمضاربات والتهريب، وكان لابد من استعادة النشاط الصناعي للحد من نزيف القطع الأجنبي من خلال تحقيق الاكتفاء للسوق المحلية بل والتصدير لرفد خزينتنا بهذا القطع.
صحيح أن إعادة الوجه السياحي لدمشق وتنشيط السياحة يساهمان في ذلك وبشكل جيد لكن في المقابل هل ستتوافد أعداد هائلة من السياح كما في السابق قبل إعادة الإعمار، وهل في إمكاننا جعل السياحة قبل الصناعة فيما يخص حالة معامل القابون ومنشآته المتوسطة والصغيرة وفي هذه المرحلة الدقيقة تحديداً؟ هل تمت دراسة العرض والطلب لأي مشروعات سياحية أو سكنية ستقام في هذه المنطقة، وهل هناك مستثمر مستعد لتحويل هذه المنطقة إلى مدينة عصرية في زمن قياسي؟ وهل بناء الكتل الإسمنتية الخالية من السكان سيحسّن سعر الليرة السورية، أم سيمتص موجودات سوقنا من القطع الأجنبي؟!..
البداية والمفاجأة
اشتكى عدد من صناعيي القابون إلى صحيفة تشرين من تقييم السلامة الإنشائية التي قامت بها لجنة صناعيي القابون للمنطقة والأضرار والهدم التي قدرت خلافاً للواقع بنسبة 80%، وأكدوا التأثيرات السلبية الناجمة عن هدم معاملهم ومنشآتهم كما أكدوا الدور الاقتصادي الكبير الذي ساهمت فيه مشاريعهم المتوسطة والصغيرة التي تتعرض حالياً للغبن برغم أنها كانت ملاذاً لحاجات دمشق أثناء الحرب الإرهابية التي شنت على سورية، وقدموا الرد على مقولة دمشق مدينة سكنية وليست مدينة صناعية، فبعد تحرير منطقة القابون الصناعية تقرر دعم الصناعيين في القابون وفق ما أكده الصناعيون في شكواهم إذ كانوا تعهدوا لدى غرفة صناعة دمشق بالعودة إلى منشآتهم والترميم وإعادة التأهيل وعودة الإنتاج خلال ستة أشهر كحد أقصى، وذلك ليتم تقديم الدعم لهم وتم الكشف على المنطقة من قبل وفد حكومي وعدد كبير من الصناعيين، ثم باشر الصناعيون فوراً أعمال التنظيف، ورمي المخلفات والترميم والإكساء الداخلي والخارجي تمهيداً لإعادة الماكينات للمعامل والبدء بالإنتاج.
وقامت محافظة دمشق بتركيب ثلاث محولات كهربائية وفتح بعض الطرقات بتكلفة 3 مليارات ليرة، بل باشرت بعض المعامل التي وصلتها الكهرباء بالإنتاج فوراً، وفجأة وفي ظروف غامضة تم الإعلان عن توجه بهدم كل معامل القابون وتنظيمها وإخلائها من 1500 صناعي وحرفي ومحل وورشة بناء على تقييم أضرار قامت به لجنة من محافظة دمشق وبلدية القابون، وكانت نسبة الأضرار التي قيّمتها اللجنة مبالغاً فيها بنسبة أكثر من 80%، وتم احتساب الكسوة الداخلية والعوامل السهلة الإصلاح كالسواد والبياض والدهان في تقدير نسبة دمار المباني، علماً أن أصحاب العقارات تعهدوا بإتمام أعمال الكسوة الداخلية والخارجية على نفقتهم، إضافة إلى أن الصناعيين قاموا بتجهيز وتأهيل 400 معمل بشكل كامل، أي إنهم أنهوا تأهيل النسبة الأكبر من المعامل، وكانوا على وشك البدء بإعادة تأهيل الأبنية المتضررة إنشائياً لتكون صالحة للعمل وعلى نفقتهم الخاصة، ولا يحتاجون من المحافظة إلا الإذن بالترميم فقط.
وأضاف الصناعيون: تم سحب المحولات التي تم تركيبها فوراً وقبل توقيع القرار وإصداره رسمياً، وهذا شكّل هدراً في الميزانية التي صرفت على البنى التحتية، ومن حق الصناعي الوجود في معمله، وأن يتابع الإنتاج حتى تاريخ يوم الهدم، لكن بلدية القابون هددت بختم أي معمل يقوم بالترميم أو الإنتاج قبل صدور أي قرار رسمي، كما تم تشكيل لجنة لتقييم الأضرار في المنطقة، والكشف عليها لتقديم تقرير مفصّل ومصوّر لرئاسة مجلس الوزراء، إذ إنه تم نقل صورة مبالغ فيها للمجلس، وأن المنطقة مدمرة بالكامل وأنه لا يوجد إلا عدد قليل من الأبنية الصالحة إنشائياً، وأن بعض هذه الأبنية توجد تحتها أنفاق وقابلة للسقوط عند أول اهتزاز للماكينات الصناعية، وقامت لجنة من المحافظة بتصوير الأبنية من الجهة المهدمة للأبنية فقط وليس الجهات الصالحة على أساس أن البناء مهدم بالكامل، كما تم ضم المخالفات والعشوائيات للتقييم ما رفع نسبة الدمار في المنطقة، وتقديم صورة مزيفة عن وضع الصناعيين بأنهم غير قادرين على استئناف نشاطاتهم الصناعية ولم يبادروا بترميم معاملهم، في حين قامت لجنة صناعيي القابون بتصوير الأبنية والترميم الذي تم وجرد المنطقة بالكامل والكشف عليها وإعداد تقرير عن المعامل والصناعيين الذين بادروا بالتنظيف والترميم، وترحيل الأنقاض داخل معاملهم وخارجها وتجاوز عددهم 400 معمل جاهز للعمل بانتظار البنية التحتية والكهرباء والماء لنقل الماكينات وتشغيلها كما تم تقييم المنطقة من قبل مهندسين محلفين من نقابة المهندسين ومعتمدين من وزارة العدل، وتبين أن نسبة الدمار في المنطقة لا تتجاوز ال 10% لكامل المنطقة الصناعية في القابون وصالحة إنشائياً بنسبة 90 %، كما إن الجهات المختصة نفت وجود أي أنفاق تحت المعامل.
التسهيلات والمقابل
ولفت الصناعيون إلى أنهم تلقوا وعداً بتعويضهم بأسهم في المنطقة التنظيمية التي سيتم تشييدها في القابون وإعطائهم تسهيلات بمقاسم في مدينة عدرا الصناعية بدفعة أولى تستحق بعد أربع سنوات، وبأقساط لمدة 10 سنوات وهي عروض مغرية نظرياً، لكنهم تخوفوا من ذلك ولاسيما أن بعض المشاريع مثل مشروع ماروتا سيتي خلف الرازي بدمشق تم إخلاؤها من السكان منذ خمس سنوات وليومنا هذا علمنا أنه تمت المباشرة بأول بناء ومشروع مجمع مطاعم فقط، مشيرين إلى أن الصناعيين اقترحوا أنه في حال كان لدى المحافظة المال الكافي للهدم والتنظيم في القابون أن يتم صرفها في بناء ماروتا سيتي وغيرها من المناطق المنظمة منذ سنوات عدة، وأنه لا مشكلة للصناعيين في تنظيم ماهو مخالف أو عشوائي أو مدمر فعلياً، أما معاملهم فهي طابو ومرخصة صناعياً وإدارياً فالأولى تركها للصناعيين فهدمها مخالف للقانون.
الاعتراض
وقال الصناعيون: لقد تم الاعتراض من قبلنا على قرار تنظيم منطقة القابون وهدم المعامل والمنشآت فيها واستجابة لذلك تم إرسال لجنة من قبل محافظة دمشق زارت المنطقة التي تمتد على مساحة 150 هكتاراً لمدة ربع ساعة، من دون أن تستخدم أي آلات أو تقنيات ومن دون أن تتجول بين المعامل لفحصها بدقة وموضوعية ثم تم نشر التقييم على شكل خبر في إحدى الصحف بتاريخ 5/9/2019، والذي يفيد بأن أبنية المعامل مدمرة بنسبة 40% وآيلة للسقوط وستتخلخل عند حركة الآلات، وأن الصناعيين لن يتمكنوا من بناء منشأة ثانية والانتظار خمس سنوات لإقلاعها، كما إن هدم منطقة صناعية تعاني أضراراً جزئية إهدار هائل للمال العام والخاص في الوقت الذي يجب أن تتركز الجهود والطاقات والمال لبناء ما هدمه الإرهاب وليس العكس، كما إن هذا سيؤدي لارتفاع أسعار السلع المحلية حيث إنه عند الانتقال إلى مناطق جديدة تصبح أجور النقل أعلى ورفع نسب البطالة علماً أن 150 ألف شخص من اليد العاملة كانوا يعملون في هذه المعامل فمن سيعيلهم في حال هدم المعامل ريثما يتم بناء المعامل الجديدة في عدرا الصناعية، إضافة للتأثير السلبي في دور المرأة المعيلة، وعلى تشغيل اليد العاملة النسائية بدمشق حيث إن اليد العاملة بالقابون معظمها من النساء لكون الصناعات النسيجية تعتمد عليهن، كما أن هذا سيضعف ثقة الصناعيين والمستثمرين ويسبب تخوفهم من بناء معامل جديدة في أي منطقة أخرى، كما إن قيمة العقارات في القابون تساوي 50 ضعف قيمة العقارات في عدرا الصناعية، وسيتحول الصناعي من مالك عقار ومعمل قائم إلى مدين طول حياته بأرض معدة للبناء وفق قروض وشارات حجز، فمتى سيعوض خسائره قبل الحديث بالربح، مشيرين إلى أن صناعيي القابون تقدموا بشكاوى إلى جميع الجهات المختصة لإنصافهم من دون وصول أي رد.
يُرضي الجميع
وأوضح الصناعيون أنهم مع النهضة العمرانية والتوسع العمراني لمدينة دمشق وتجميل مدخلها، واقترحوا على محافظة دمشق تعديل المخطط الذي سيطيح بمعاملهم بطريقة أخرى تضمن الحفاظ على منطقة القابون الصناعية ومصانعها القائمة، حيث إن امتداد منطقة معمل سيرونيكس وجزء من القابون السكنية المطلة على الأوتوستراد الدولي هي عشوائيات وهي مهدمة بالكامل وأصحابها ينتظرون التنظيم بفارغ الصبر للاستفادة من أملاكهم المهدمة، في حين إن نسبة دمار منطقة القابون الصناعية لا تتجاوز ال19% وفيها مصانع قائمة وجاهزة للعمل وينتظر أصحابها بفارغ الصبر العودة للعمل والإنتاج، وكان اقتراح الصناعيين تحييد الأوتوستراد من عقدة البانوراما وحتى عقدة سيرونيكس،
لأن تصحيح الانحناء الكبير بالأوتوستراد ينتج منطقة ضخمة تتجاوز ال150-250هكتاراً، وتالياً تصبح القابون الصناعية منطقة داخلية وخلف المنطقة المستحدثة وتحاط بسور على نفقة الصناعيين، وتالياً إنجاز المخطط التنظيمي فيها بما يحقق الفائدة للجميع، كما تقدموا باقتراح لشراء وتخصيص طابقين في كل بناء في المنطقة على نفقتهم ليتم استثمارها من قبل كل من المحافظة والشركة القابضة لتكون وارداً مادياً للمحافظة لصيانة البنى التحتية للمنطقة وتجميل الأبنية، وتوريد الأشجار، وإن متوسط مساحات الأبنية الطابقية 2000-4000 متر وعددها 150 بناءً.
بحثاً عن الجواب الشافي
بدوره مدير صناعة ريف دمشق- محمد فياض أوضح أن وزارة الصناعة سعت منذ فترة طويلة إلى توطين المنشآت الصناعية ضمن مناطق ومدن صناعية محددة في الأرياف وهذا ليس بجديد بغية تأمين استقرار المنشآت من حيث المكان وتخديمها بشكل يدفع عجلة الإنتاج نحو الأمام، ويتيح الاستفادة من الساعات على مدار اليوم لزيادة الإنتاج والحد من التلوث، فمدينة عدرا الصناعية تبعد عن مدينة دمشق30 كم، وتمتد على مساحة 7000 هكتار، وبمساحة مقاسم إجمالية 1949.5 هكتاراً، ويصل عدد مقاسمها إلى 10331 بيع منها 4669 مقسماً حتى تاريخه، وقد حصل 3457 مقسماً منها على رخص بناء وباشر 2003 مقاسم بأعمال البناء. وتابع فياض: مدينة عدرا الصناعية تتضمن كل الخدمات الأساسية اللازمة للمنشآت الصناعية إذ توجد فيها شبكة طرق رئيسة وفرعية بطول 500 كم، وشبكات صرف صحي ومطري بأقطار مختلفة وبطول 627 كم، ومحطة معالجة لمياه الصرف الصحي والصناعي وخزانات مياه أرضية وعالية بسعات مختلفة عدد 14و شبكات كهربائية صناعية وشبكات إنارة بطول 412 كم، وأربع محطات متنوعة لتحويل الكهرباء، و260 مركز تحويل كهرباء عامة و753 خاصة، وشبكات هاتف بطول 210 كم، وغيرها من الخدمات اللازمة والأساسية للمدن الصناعية، وأكد فياض أنه تم التعاقد على عدد من المشاريع لتوريد الأشجار ولتنفيذ جزء من قناة درء السيول ولتنفيذ وحدات سكنية للمدينة، وتالياً فمدينة عدرا الصناعية جاهزة لاستيعاب 5000 منشآة صناعية، ورفض فياض الخوض في أي تفاصيل أخرى واردة في شكوى صناعيي القابون، وبقيت إجاباته مقتضبة، لكنه أكد أن نقل هذه المنشآت أفضل وأجدى اقتصادياً وأن كل التسهيلات المالية والقروض الميسرة تصب في مصلحة أصحاب هذه المنشآت عند المباشرة ببنائها.
يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرام : انقر هنا