• ثانية..اثنتان..ثلاث
ظلٌّ أسودٌ مرسوم على النّافذة.
لامستْ شفتاهُ شفتَيها بحنانِ أشعّةِ الشّمس التي دثّرتْ مشهدَ حبِّهما.
تعانقَ ظلّاهُما وامتزجا في سلامٍ كَغيمتين.
قطع.
• هيَ:
تمشي في شارعٍ مفضّلٍ كئيب، وحيدة.
مطرٌ قاسٍ يكسرُ هدوءَ هذهِ المدينة، وهدوءَ قلبِها
جغرافيّة هذا المكان ظالمة بشكلٍ مؤلم
وهل يعقل أن تفصلَ بيننا أمتار ويصادفكَ ألفُ وجهٍ غريب كلّ يوم، إلّا وجهُ مَن نُحِبّ؟
أرادتْ أن تغنّي، لكنّ شيئاً ما، حزناً مفاجئاً جعلها تتراجع.
في الشّارع ضَوعُ عطرٍ رجفَ له قلبُها
كلّا، لم يكن هذا ممكناً.
أغمضتْ عينيها لوهلةٍ لتحتمي من ريحٍ قويّة
فتحتْ جفنيها ببطء..لتراهُ أمامها
ثانية..اثنتان..ثلاث
تلاقتْ نظراتُهما لِلحظات، لا يمكن أن تكون مخطئة
هذا الوجه المريح، تينكَ العينان الساحرتان بكلّ ما فيهما من كذب.
دمعة..اثنتان..ثلاث
خطتْ بترددّ خطوةً نحوَ الأمام
تسارعتْ خطواتُها لترتمي بينَ ذراعيه، تشبّثت به أصابعُها كأنّه عناقُ الوداع الأخير، أرادتْ لو تمنعهُ من الرّحيل، لو تصرخ " لا ترحل! ليسَ مرةً أخرى! "
لكنَّ جرحاً قديماً جعلها تتراجع.
قطع.
• هوَ:
يمشي في شارعٍ، يحملُ من الذّكرياتِ السعيدة المؤلمة الكثير، وحيداً.
مطرٌ لا يتوقف يرافقُ خطواته.
من جديد، يشعرُ بعدم عدلِ هذا العالم ومسافاته.
راحَ يدندنُ لحناً ما
من بعيدٍ تناءى لهُ صدى صوتٍ مألوفٍ يغنّي أغنية
اللّحنُ الحزينُ ذاته
أعادَ لهُ ذكرى رجفَ لها قلبُه
أبعدَها بسرعة..لم يكن هذا ممكناً.
هبّت ريحٌ قويّةٌ فجأة، فرفعَ يده إلى عينيه ليحتمي منها
أنزل يدهُ ببطء..ليراها..أمتارٌ قليلة تفصلُ بينهما
ثانية..اثنتان..ثلاث
حدّقَ في وجهها لثوانٍ، إنّها هيَ
ذاتُ الابتسامة الحزينة والعينين البريئتين
خطا نحوها خطوةً، ثمّ أخرى، فتحَ لها ذراعيه وقلبَه
شدّها إليه يريدُ تعويضَ فقدانها
يريدُ لو يمنعها من الغياب
ودّ لو يصرخ " لا ترحلي! ليسَ مرةً أخرى! "
لكنَّ ندماً قاتلاً جعله يتراجع.
قطع.
• هُمْ:
شارعٌ كئيب لا يكسرُ صمتَه إلّا مطرٌ شديد
ازدحامٌ غيرُ مبرَّر في غضونِ هذا الطّقس
من بينِ هذا الحشد، يمشيان
ريحٌ قويّة هبّت، أُغمِضَتْ لها أعيُن الجَمع
فتحا عينيهما
وجهاً لوجهٍ الآن
مع الماضي، الذّنوب، العاطِفة.
حدّقا ببعضهما لثوانٍ
خطوة..اثنتان..ثلاث
تجاوزَها
خطوة..اثنتان..ثلاث
تجاوزتْه
خيالاتٌ ووعودٌ ماتتْ..للمرّة الأخيرة
وردةٌ مرميّة مِن لقاءِ وداع، داسَتها قدمٌ، ثمّ أخرى
لحنٌ حزينٌ يصدحُ من آخر الشّارع
ودّا لو يبكيان، لكنَّ وحدةً مقفرة منعتهما من ذلك.
قطع.
• ثانية..اثنتان..ثلاث
غيمةٌ تقتربُ من وجهِ الشّمس
أفلتتْ أصابعَها يدُه
تفارقتْ شفتاهُما
انكسرتْ حبّاتُ المطر على النّافذة
وكذلكَ دموعُهما
قطرةٌ..اثنتان..ثلاث
غابتْ الشّمس، وتلاشى الظلّ، إلى الأبد.
| فرح شاهين |
يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرام : انقر هنا