شبكة سورية الحدث


من ذاكرة السوريين بقلم الإعلامية رهف عمار

من ذاكرة السوريين بقلم الإعلامية رهف عمار

من ذاكرة السوريين... 


فترة زمنية تجمع ذاكرة السوريين على الحب العذري ومكالمات الهاتف الأرضي الموصول بشريط كهربائي بالكاد تصل سماعته لطاولة الراديو ليسمع الطرف الآخر أحد أغاني الزمن الجميل في الخفاء عن الأهل، منتصف الليل قلوب كثرة كانت ترابط بجانب الهاتف لتسمع همسات بريئة و لأخذ موعد في أحد زوايا الحي صباحاً.
ذكريات القناة الثانية و المأكولات الجاهزة البسيطة (كراش،دينغو، ديربي، وحبل من البون بون).
و ساعي البريد اللطيف ممسكا بالرسائل الورقية ينثرها بين العشاق و كم من جميلة اخفت رسالتها تحت وسادتها و وضعت يدها على قلبها خشية أن يسمع دقاته والدها أو أخيها. 

حقبة الثمانينات السورية على بساطتها و بدائيتها إلا أنها تعتبر من أجمل الفترات مقارنة بواقعنا الحالي، حيث كان طنبور المازوت يجول الشوارع الدمشقية و بائع الحليب الجوال ينشد لأبناء الحارات الشعبية، والهوب هوب بزينته الملونة يسافر بهم حول المدن السورية بأرخص الأسعار، مع السهرات الليلية على صوت أم كلثوم فوق الأسطح و كم كان حنا السكران ينادي ليلاً و يوقظ الحي. 

أما القرى الريفية على بعدها عن المدينة لم تكن بذروة الفقر بل كانت موطن الفاكهة بأنواعها و مواسم الليمون والتفاح والكرز تفتح لهم رصيد لعام كامل إضافة لشتول الدخان في الساحل السوري، و بين كل هذه الحياة العملية و البسيطة لم تكن تخلو أيامهم من النشاطات وحضور الأمسيات الشعرية حيث ذكر لي رجل من ذالك الزمان كيف كانوا  يعيشون فرحة ولادة قصيدة لشاعرٍ  ونتهاداها كإننا نهدي أثمن هدية ...
وكان الكتاب رواية أو شعر أو..... يتناوب على قراءته الرفاق ورديات ،وكأننا سنخضع لامتحان به قريباً ...
أذكر عام ١٩٧٩ زار الشاعر محمود درويش رحمه الله دمشق ، وكان مقرراً أن يقيم أمسية شعرية في المدرج الكبير في كلية الهندسة المدنية في جامعة دمشق ، ولكن المكان لم يتسع لعدد الحاضرين ، فقرروا نقل الأمسية الشعرية إلى صالة تشرين الرياضية فخرج الحاضرون سيراً على الأقدام وكأننا في مظاهرة كبيرة ، وقد افترشنا أرض الصالة تتلاصق أجسادنا وقلوبنا ، لنستمع لهذا الشاعر العظيم بكل شغف.

ما شردته الحرب جمعته ذاكرة التسعينات

يحكى انه كان هنالك شاب يقطع مسافة لا بأس بها يومياً ليرى محبوبته وهي تقطع الشارع لدخول باب الجامعة و لم يجرؤ يوماً على إيقافها ليحادثها، كان يكتفي بالنظر إليها من بعيد بعد كل إرهاق المسافة وظل هكذا لحين تخرجها من كلية الآداب أمسكت به يراقبها خلف الأشجار والاسوار حينها فقط تجاوز خجله و كلل حبه بالاعتراف، عن أي وفاء و حب نتحدث و اليوم لا شيء منه تبقى.

وأخر شاهدته يروي لابنته الجامعية عن جدها المحتال الذي استغله بالأعمال الزراعية الشاقة و تحمل من أجل محبوبته و كان مرضيا له مقابل شرب كأس من الشاي مساء من بين يديها. 

و الأم بعد كل هذه السنين تذكر كم من شريط كاسيت ربطته ببوند أحمر وارسلته مع ابن الجيران لوالدها مع رسالة ورقية كل ما كتب بها "أحبك" انتظرك اليوم مساء لشرب الشاي. 

رغم كل هذه المعاناة إلا أنها اليوم من اقدس الأيام و امتع الذكريات و عيونهم تملؤها الحنين عندما يتحدثون بها. 

وعن أزياء النساء في تلك الحقبة 
كانت ملابس النساء في ذاك الزمن أشبه بثياب الأميرات البريطانيات اليوم، تلك القمصان الملونة بازرارها المرصعة فوق تنانير قصيرة لم تكن تغضب أي ناظر لها وكانت عنوان للاناقة. 
و عن الجاكيت الرسمية المليئة بالحضور الجدي و الوازن مع البيريه تسحرك بهدوء. 
جينزات الصبايا العالية و تشيرتاتهم البيضاء الواسعة يطرن بها بخفة الفراشات. 

آخر ما تبقى منهم الصور الفوتوغرافية الحقيقية بكل تفاصيلها الخالية من أي فوتوشوب و دفاتر معتقة من الكلمات والرسائل والغراميات. 
ذهبت هذه الفترة الذهبية من تاريخ الأيام لكنها بقيت في روزنامة القلوب تثير الحنين كلما داعبتها نسمات الماضي، نوستالجيا دائمة ترافقهم كلما سمعوا حلف القمر يمين و قابلتك أنت لاقيتك بتغير كل حياتي. 

وتعمدت في هذا المقال أن لا أذكر اي من الصراعات السياسية والاقتصادية في تلك الفترة مع الابتعاد الكامل عن عالم التكنولوجيا.

التاريخ - 2020-04-08 12:44 PM المشاهدات 1120

يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرامانقر هنا


الأكثر قراءةً
تصويت
هل تنجح الحكومة في تخفيض الأسعار ؟
  • نعم
  • لا
  • عليها تثبيت الدولار
  • لا أعلم