لا تزال طبقتنا العاملة - ورغم كل ما مورس ضدها من ضغوطات وإرهاب - في مواقع عملها تنتج وتدعم صمود الوطن وتعزز من مقدراته الاقتصادية وتعمل بكل طاقتها وإمكاناتها لتلعب الدور المكمل والداعم لما يحققه الجيش العربي السوري في الميدان.
الحركة النقابية العمالية العريقة التي تشهد لإنجازاتها ومبادراتها الخلاقة الحركات النقابية العالمية تؤكد للعالم أجمع مواصلتها العمل النضالي والارتقاء بالأداء بما يخدم المصلحة الوطنية، وأمام هذه الحركة النقابية ومجلس مكتبها التنفيذي الكثير من الملفات التي تعمل عليها حالياً وتصب في مجملها لصالح الطبقة العاملة وتحسين المستوى المعيشي للمواطن السوري.. وللوقوف على تفاصيل هذه الملفات وغيرها من القضايا العمالية خص رئيس الاتحاد العام لنقابات العمال جمال القادري «الثورة» بهذا اللقاء.
ملفات مزمنة
عن الملفات التي يعمل عليها الاتحاد بهذه المرحلة وأولوية معالجتها بما يخدم الطبقة العاملة والعملية الإنتاجية قال: كما تعلمون فإن الواقع النقابي العمالي يشهد حالة من الترهل لا يمكن تجاهلها والعمل على معالجة كل أسبابها يتطلب وقتاً وجهدا كبيرين من هنا ارتأينا العمل على جملة من الملفات المزمنة خاصة تلك التي تتعلق بضمان حقوق العمال واستقرارهم، ومن أولويات عملنا التي تندرج ضمن هذه الملفات تنفيذ القرارات التي تمخضت عن المؤتمر العام السادس والعشرين للاتحاد العام لنقابات العمال وتبلغ 31 قراراً شملت مختلف أوجه العمل النقابي.
حقوق عمالية
يقول القادري: بدأنا تباعاً العمل على ضمان حقوق عمالنا في مواقع الإنتاج والعمل على معالجتها وفق الإمكانات والأولويات مدعمين بحقنا كتنظيم نقابي برفع الصوت عالياً فيما يخص حقوق العمال مع الأخذ بعين الاعتبار الواقع والظروف التي أفرزتها الأزمة وفرضت نفسها على الحكومة والقطاع الخاص.
وعلاج ملف العمال المياومين الذي يصل عددهم لنحو 12 ألف عامل وضياع الكثير من حقوقهم ومستحقاتهم طوال سنوات خدمتهم التي وصلت لدى البعض ل / 25 / عاماً كان في أولويات عملنا.
وبتوجيه من السيد الرئيس بشار الأسد، وبتوافق مع الحكومة وقعنا مؤخراً محضر عمل يفيد بتحويل صيغة عمل العمال من مياومين لعقود سنوية تحقق لهم عدالة يستحقونها وانتظروها طويلاً والتنفيذ الفعلي كان في معمل اسمنت طرطوس.
وبمجرد ما توفرت الشواغر والملاكات في المؤسسات سنجري اختبارات لهؤلاء المتعاقدين ليملؤوا تلك الشواغر.
وتوافقنا مع اللجنة الوزارية التي شكلها مجلس الوزراء على أن تشمل تلك الإجراءات كل الجهات العامة التي لديها حالات مماثلة وبشكل خاص عمال الإنتاج.
مشكلتنا بالخاص
والمعاناة والمأساة الأكبر كانت حسب ما بين القادري لعمال القطاع الخاص الذي خسر عددا كبيرا منهم وظائفهم فيه نتيجة إغلاق أصحاب العمل معاملهم ومغادرتهم الى الخارج، وهؤلاء يصنفون ضمن فئة باتت معروفة للجميع.
والبعض الأخر توقف عن العمل نتيجة الإرهاب وتخريب منشآتهم وتكبدهم خسائر كبيرة، ومدينة الشيخ نجار الصناعية في حلب التي تعرضت للتخريب والنهب من العصابات الارهابية والتي بيعت تجهيزاتها وآلاتها بأبخس الأثمان لتركيا خير دليل.
لذلك فقد حاولنا العمل على صيغة توافقية لضمان حقوق عمال القطاع الخاص تقوم على دعم الصناعيين الذين تضررت منشآتهم وخاصة ممن حاولوا الاستمرار بالإنتاج بطرق مختلفة وتحملوا الأوضاع القاهرة لأن هذا سنعكس ايجابياً على واقع الاقتصاد من حيث استمرار العمال في عملهم ورفد السوق بالمنتجات التي يحتاجها.
على قدر الرهان
وحول السعي لخلق ثقافة عمل جديدة بين العمال والإدارات وترجمتها على أرض الواقع، يوضح القادري أن تنفيذ ذلك لا يتحقق إلا من خلال التواصل والاقتراب المباشر مع العمال بكل مواقعهم وتعزيز وشحذ هممهم لزيادة الإنتاج والتأكيد الدائم على حقيقة وأهمية الدور الذي لعبته ولا تزال طبقتنا العاملة في تمتين صمود الوطن خاصة خلال الأزمة وذلك رغم كل الضغوطات الاقتصادية والحصار الجائر ونهب مقدرات الاقتصاد الوطني والتدمير الممنهج للمنشآت والمعامل من قبل الإرهابيين ومموليهم وداعميهم لتوقيفها عن الإنتاج، من خلال اصرار عمالنا على التوجه لأعمالهم رغم استهدافهم في بيوتهم (وعدرا العمالية ومدينة هنانو تشهد على ذلك) وفي آليات مبيتهم حيث سقط آلاف الشهداء من العمال.
ورهاننا على صمود وتحدي عمالنا للإرهاب والسعي الحثيث لتأمين احتياجات الشعب كل في محله، ولم يتزعزع لحظة واحدة، وتحصين وتمتين هذا الصمود يتطلب ايجاد ثقافة عمل جديدة بين العمال والإدارات لنكون على تماس مباشر مع الجميع لحل مختلف المشكلات والحد من عوامل التذمر.
نختلف مع الحكومة في قضايا ونتفق معها على أخرى
وحول موقف اتحاد العمال من الأداء الحكومي وآلية التعامل والمعالجة لمختلف القضايا خاصة المعيشية، قال القادري: علاقتنا جيدة مع الحكومة وتقوم على الحوار فنحن بالمحصلة فريق عمل واحد لا يمكن لنا أن نقلل من جهودها ومساعيها ونلتقي معها بقضايا كثيرة ولكننا حتما نختلف على بعضها لجهة آلية حلها، وللحقيقة فإن الحوار الذي ننتهجه أثبت جدواه وساهم في حل بعض الملفات حتى وإن تأخر الحل.
وان أبرز نقاط عدم التلاقي مع الحكومة كانت في ملف الفساد، وضعف الإجراءات المتخذة للتصدي له، وعجز الأجهزة الحكومية المختصة عن ضبط الأسواق، واستمرارها وإصرارها رغم كل الانتقادات في اتباع سياسة غير ناجعة تجاه سعر الصرف وتراجع القدرة الشرائية لليرة التي أوصلتنا لما نحن عليه الآن.
واضاف القادري: طالبنا بالحد من الاجتهاد في حل قضايا معينة لصالح العمل على سياسات مدروسة، وعدم التسرع في اتخاذ القرارات التي كان لبعضها تبعات سلبية عديدة على المواطن.
الفاسدون الكبار بلا محاسبة
وفيما يتعلق بدور الاتحاد خلال المرحلة القادمة من انه سيكون فاعلاً في ملف مكافحة الفساد، قال القادري: هذا الملف شائك، والتصدي له من الجهات المعنية لم يرتق للطموح أبداً، هناك ضعاف نفوس وبالرغم من الأزمة مازالوا يبحثون عن مكاسب رخيصة، والفاسدون الكبار بعيدون عن الرقابة، ولا تطالهم الإجراءات، البعض يقول أن الظروف الحالية لا تسمح بالمحاسبة وفتح الملفات، وهذا غير مقبول بعد كل هذه المدة.
وأن نبقى نتغنى بمكافحة الفساد كشعار فقط، إلى ما لا نهاية، فهو ما سنقف ضده، ونعلي صوتنا فيه، وبرنامج عملنا منطلق مما ورد في خطاب القسم الذي اعتبر ملف الفساد في أولويات الملفات التي يجب العمل عليها. ونراه مدخلا وشرطاً ضرورياً للبدء بعملية إعادة الإعمار الواسعة بعد تحقيق الانتصار ان شاء الله.
وأضاف القادري: لكي لا نطرح هذه المسألة كشعار، بالنسبة لنا وجهنا قواعدنا النقابية من خلال حضورنا للمؤتمرات السنوية بكل المحافظات بألا ترى الاتهامات جزافا، وان أي ملف يرفق بوثائق يرفع للاتحاد، سنضع الجهات العليا المسؤولة بصورته، وسيتابع حتى يعالج بالطريقة المناسبة.
الضوابط الإدارية متاحة
ويقول رئيس اتحاد نقابات العمال: المهم حالياً وضع منظومة إدارية بالدولة تضمن الرقابة الذاتية التي تحد بشكل كبير من الفساد، هذه المسألة تحتاج إلى ضوابط وإدارة عمل جديدة، وعلى الحكومة البدء بها، وهي غير عاجزة إدارياً عن وضعها، أما استمرار غياب المحاسبة من الجهات الرقابية، وتركيزها على ملفات فساد صغيرة جداً تأخذ أشهراً، وتبقى الملفات الكبيرة والتي ضررها أكبر من دون علاج فلم يعد واردا بهذه المرحلة، وعلى رأس ملفات الفساد التي باتت تحتاج لردعها فوراً، ملف فساد العمل الإغاثي.
وأيضا، وضع حد للتصريحات المتناقضة لبعض المسؤولين، والتي وصلت حد تبرير رفع الأسعار بناء على مطالب المواطنين، ووصلنا لمرحلة من تحرير الأسعار ألغت كل الخطوط الحمراء التي كانت توضع على بعض السلع الأساسية.
وبالمحصلة نحن لسنا أصحاب قرار، بل نشخص الحقائق، ونضعها أمام أصحاب القرار، ونركز على ما نرى فيه مصلحة وطنية.
إدارات غير صالحة
وأما عن أداء بعض إدارات القطاع العام المترهلة، فيقول القادري: الإدارة التي لا تقوم بواجبها كما يجب، وغير الكفوءة هي شكل من أشكال الفساد الذي نسعى لمحاربته، وأي إدارة تشعر بأنها غير صالحة لإدارة مرفق من المرافق الحكومية سنمارس دورنا ومهمتنا الوطنية وليس فقط النقابية تجاهها، أما حجب الثقة عن بعض المسؤولين فتقع على عاتق مجلس الشعب.
ونحن على تشديدنا بالتصدي للفساد والفاسدين، لانتجاهل الظروف الصعبة الحالية، وندرك أن الخيارات أمام أصحاب القرار محدودة لكثرة الالتزامات وقلة الموارد.
تمكين عوامل الصمود
وقال القادري: ان تحسين عوامل الصمود لشعبنا، وأهمها الواقع المعيشي، هي مسألة بغاية الأهمية، ويوجد آليات كثيرة ومداخل كثيرة تدركها الجهات المختصة والحكومة جيدا، ونحن، على صعيد عمالي، لدينا مؤسسات صحية في كل المحافظات وقد خفضنا 50% بالفاتورة العلاجية والدوائية بالرغم من أنها رمزية.
فما تبقى من القطاع العام هو ضمانة للوطن، ونسعى بكل جهدنا مع الوزارات والجهات المعنية للمطالبة بتشغيل ما هو قائم، وصيانة ما استهدفه الإرهاب لنعيد العمال لمعاملهم لتشغيلها وتأمين تدفق منتجاتها للسوق المحلية.
الاعتماد على الذات
وإلى جانب دعمنا للقطاع العام نشجع الرأسمال الوطني وندعم الصناعيين المنتجين للإقلاع بمعاملهم وتوفير المواد، ولا ندعم مطلقاً تجار الأزمات الذين أغرقوا الأسواق بمواد وسلع تنتج محلياً، ومع ذلك وللأسف يحصل هؤلاء التجار على كل ما يريدونه من الجهات المعنية.
واقترحنا بهذا السياق، أن يتم استبدال السلل الغذائية التي تكلف خزينة الدولة مليارات الليرات السورية، في حين يمكن توفير سلل إنتاجية محلية تسهم في تشغيل اليد العاملة وتوفير القطع الأجنبي الذي نحتاج لكل دولار منه.
نقلة بالعمل النقابي
وحول مشروع تعديل قانون التنظيم النقابي والقانون رقم 17، قال القادري: قمنا بوضع مشروع القانون بالتعاون مع وزارة العمل المعنية بتطبيق اتفاقيات العمل الدولية والعربية كجهة وصائية، وكان الهدف عصرنة هذا القانون وجعله أكثر فاعلية في خدمة العمل النقابي العمالي في سورية، والتعديل الأهم هو إعطاء دور أوسع للجان النقابية القاعدية، وتفريغ بعض أعضائها لخدمة العمال، خاصة أنها أهم مفصل احتكاكي مع العمال بشكل يومي، بالإضافة إلى عقد اجتماع سنوي للهيئة العامة لنقابات العمال واقتراح تفرغ أحد أعضاء اللجان النقابية لصالح العمل النقابي، وفي حال صدور هذا القانون بالصيغة الحالية سيكون نقلة نوعية بالعمل النقابي.
ولفت القادري إلى إحداث مركز الأبحاث العمالية النقابية الذي يعنى بالتركيبة العمالية واحتياجات سوق العمل وإيجاد رقم إحصائي دقيق، وقال: نعمل على تعليماته التنفيذية حتى يقدم الرقم الدقيق الذي يخدمنا ويخدم صاحب القرار عند اتخاذ أي قرار يتعلق بالعمال.
وحول القانون رقم 17 قال: شارك الاتحاد عبر ممثليه بدارسة هذا القانون، وكانت أهم النقاط: مسألة التسريح التعسفي، والمادة 65 التي استخدمت بشكل جائر، فأصبح هناك ضوابط لاستخدام هذه المادة كونها كانت تحمل تفسيرات عديدة، ما تسبب بضرر الآلاف من العمال بدون أي أسباب تذكر، لذلك نحن في مشروع التعديل توافقنا بين أطراف العملية الإنتاجية الثلاثة الحكومة وأرباب العمل والعمال، وتوصلنا لتوافق يفرض جزاءات كبيرة على كل رب عمل يسرح أي عامل، وسيعرض القانون على مجلس الوزراء، ومن ثم مجلس الشعب، وفي حال صدور هذه التعديلات سيخلق رادعا لمثل هذه الحالات بالرغم من بقاء المادة كما هي.
نرفع الصوت
وفي اليوم العالمي للعمال وجه القادري رسالة للعالم وللحركة العمالية العالمية قائلاً: في سورية حركة نقابية عريقة وهي من الحركات المؤسسة لهياكل العمل النقابي العربي والدولي، وبفعل الواقع السياسي فقد منعنا من حضور مؤتمر العمل العربي في الكويت، ولكننا سنحضر مؤتمر العمل الدولي في جنيف لنؤكد للعالم أجمع قوة وصمود الحركة النقابية السورية في وجه أشرس هجمة إرهابية تتعرض لها في بلدها، خلقت معاناة كبيرة لها، وأفقدت الكثيرين ملايين فرص العمل، وشردت الآلاف وحرمتهم الأمان الاقتصادي بعد نهب مقدرات الاقتصاد.
واضاف على الدول التي ساهمت ودعمت ومولت هذا الإرهاب تحمل مسؤولياتها والتخفيف من العنصرية التي تمارس على السوريين في بلادهم بدلاً من التشدق الدائم بالحديث عن الديمقراطية التي لايعرفونها.
وقال: عمالنا كانوا وسيبقون حماة الوطن وبناته ورمز التضحية والصمود بتحملهم لمسؤولياتهم الوطنية رغم عظمة التضحيات، وكلنا ثقة أننا سنقطف قريباً ثمار تلك التضحيات ومنجزات وبطولات رجال الجيش العربي السوري وطنا عزيزاً آمناً عجز العالم عن اسقاطه.
هناء ديب - ميساء العلي
التاريخ - 2015-05-01 5:32 PM المشاهدات 759
يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرام : انقر هنا