شبكة سورية الحدث


طفلُ الشَّارع

طفلُ الشَّارع

سورية الحدث 


يَستيقِظ..
يَومٌ جديدٌ في جحيمهِ الّذي لا يشعرُ بهِ أحد...
بردٌ قارسٌ يعضُّ أطرافه، فتحَ عينيهِ مُجبراً، إنّهُ و حسب يريد الهروب...
الهروبَ بعيداً جِدّاً، الهروبَ إلى أحلامه، إلى ما وراءِ الأُفُق، الهروبَ من هذا الواقعِ الذي ينهشُ وَردةَ عمُرهِ كلَّ يوم..
نفضَ النومَ عن جفونهِ كما يتمنّى أن ينفضَ غبارَ أَلَمهِ...
جالَ بنظرهِ في المكان: ندفاتُ الثَّلجِ تتساقطُ كما سَعادَته، لطالَما أحبَّ الثَّلج، و لكنِ الآنَ باتَ يكرههُ، بل يخافُ منه...
مَعِدَتهُ تَبكي حِرمانها من الطَّعامِ لأيَّام وَ ملابِسهُ المُمزَّقةُ ليسَت أفضلَ حالاً..
الشارعُ مقفرٌّ يكادُ يُسمَع صوتُ الرّياح فيه، الوقتُ مُتأَخِّرٌ و النَّاسُ في منازلها، يَرفَعُ وَجهه للسّماءِ و يسأل نفسَ السّؤال الّذي يسألهُ عندَ كُلِّ استيقاظ:
لماذا لم تأخذني إليكَ حتّى الآن؟
يومٌ آخر في مهزلةِ الحياة التي باتَ يراها مقرِفة، يومٌ آخر في التهاوي إلى القاع...بل ما بعدَ القاع، يومٌ آخر يَتمنّى فيه أنّهُ لم يولَد...
لطالما كانَ ابنَ الشّارع، و لكنَّه دائماً يسألُ نَفسَه..هل تُنجِبُ الشَّوارعِ أَطفالاً؟!
و ما ذَنبُه؟؟
لمَ لا أمَّ تُرَبِّتُ على رأسهِ و تغنّي لهُ تهويدات النَوْم، تقبِّلُ جَبهتهُ قبل الذَّهابِ إلى المدرسة التي لم يذهبْ إليها يوماً، توبِّخهُ على توسيخِ ثيابه، تضمّهُ عندما يبكي و تمسحُ لآلئ عَينَيه..
لا أبّ يقتدي بهِ، يَفتخرُ بأنّهُ ابنه، ينصحهُ دوماً، يوبِّخهُ ثمّ يُسعِدُهُ كأنَّهُ لم يفعل شيئاً، يُعاقبُهُ ثمّ يمتدحهُ و يفتخرُ بهِ أمام النّاس..
لا أخ يمسك يدَيهِ عندما يسيران معاً، يشكي إليهِ أصحابهُ المُزعجينَ فيدافعُ عنهُ، يحميهٍ عندما يُنازِل شخصاً أقوى منهُ، يُخاصِمهُ على الألعاب و الحلوى و كلّ الأشياءِ البسيطة ثُمَّ بعدَ دقائق يصالحهُ..
هَل تَرى هَذهِ التَّفاصيلَ تافهة؟ رُبَّما هيَ كَذِلكَ بالنِّسبةِ إليك، وَ لكنَّها في عَيني البَعضِ الآخَر حُلم..
حُلم...
عناقٌ يَنسيهِ كلَّ شيء...حُلم
الذّهاب إلى المدرسة و حملِ الكتبُ الثّقيلة على الرّغمِ من سماعهِ للأطفالِ و هم يتذمّرونَ منها..حُلم
ثيابٌ جديدةٌ غير ممزّقة و دافئة..حُلم
بيتٌ آمِنٌ و مَحبّة...حُلم
مَوقدٌ و نارٌ دافئة...حُلم
و ما أكثرَها و أَبعدَها منْ أحلام!
يَمْشي في الطُّرقات، يَبحثُ عمّا يُسكِتُ جُوعَه..فَلا يجِد..
يَشتَدُّ البَردُ حولَه كما في قَلبِه، تَصْفَعُ الرِّياحُ وَجْهَه..لم يَعد يَشْعُر بِقَدَميهِ الحافيتين..
يَمشي...لا يدري إلَى أين، و لكنَّهُ يَمشي..
يَشعرُ بِأَنَّهُ يَخطو خُطواتهِ الأخيرة، يَجْثُو عَلى رُكبَتَيه، يُغمِضُ عَينَيه..
فجأة
تَهدأ الرِّياح و تَتَوَقَّفُ الثُّلوج و يَغزو المَكان دفْءٌ غَريب
يَشعُرُ بيدٍ حانيةٍ تَضمُّه..يُدركِ أَنَّهُ سَيذهَبُ إلى مكانٍ أفضل..إلى بيتٍ آمِن، و طعامٍ لَذيذ و أصدقاء كُثُر...
ينهارُ عَلى الأَرض، يَنظُرُ حَولَهُ نظرةً أخيرة، يَثِقُ بأَنَّ كُلَّ شَيءٍ سَيغدو أفضل على الجانِبِ الآخَر..و أنَّ هُناكَ مَن يُشعر بهِ و لا يَنساهُ أَبداً...
يُنامُ أخيراً و دمعةٌ تَنسابُ من عينيهِ..
و بعدَ غيابٍ طويل..
ترتَسِمُ على وَجههِ بسمة.

|صِبا لالا|

التاريخ - 2020-05-10 4:26 PM المشاهدات 1360

يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرامانقر هنا