سورية الحدث الإخبارية – السويداء- معين حمد العماطوري
أعتز بيوم أنني عاشرتك أيها القاضي الشريف النزيه قبل عقود ثلاثة حينما كان الحياة تجمعنا في حي التضامن بدمشق وكنت اليراع والفكر والقدوة الحسنة تمثل عادات أهلك ومحبيك بالنزاهة بين القضاة، ترفعت عن كل شائبة وإغراءات لا بل لم تغرك المناصب والبهرجات رغم ظلم الليل الداكن لك بين أروقة المخالفين والفاسدين... نوراً في ظلام كنت وكنت القاضي الذي شرفت القضاء بدفاعك عن القانون والقضاء ...وأعتز ضمن مشروعي الإعلامي إنني دونت عنك مقالاً أفخر بنفسي به أنه حمل اسمك ..أبو يامن القاضي المستشار سامي الشريطي وداعا ..وداعا وعيوننا تذرف دماً عليك وعلى أمثالك في وطني المكلوم من جرح الزنادقة والمارقين ...
أربعة عقود، والقاضي المستشار"سامي الشريطي" يعمل في سلك القضاء بمحاكم عديدة، حتى بات مرجعاً قضائياً في الأحكام الجزائية، حيث ظلّ وفياً لمهنته على الرغم من إغراءات المناصب، وهو يؤمن أن ثقافة الحياة والقانون تصنع قاضياً عادلاً
في قرية "عرمان" المعروفة بتاريخها النضالي والبطولي والتي تبعد بضع كيلو مترات عن مدينة صلخد كانت ولادته عام 1956، حيث درس فيها المرحلة الابتدائية، والمرحلتين الإعدادية والثانوية في مدينة "صلخد"، ليدخل صفوف طلاب كلية الحقوق بجامعة "دمشق".
عاش في كنف أسرة مزارعة مكافحة تحب العمل وتخلص للأرض، لهذا كان من الجيل الذي تعلّم وهو يعمل، وربما هذا ما أكسبه خبرة في الحياة على حد قوله وجعلته تنحو باتجاه الحفاظ على القيم والموروث الأخلاقي الذي يجب أن يتحلى به القاضي، عمل مساعداً عدلياً لمدة سبع سنوات أثناء دراسته الجامعية، وبعد تخرجه في كلية الحقوق عمل محامي دولة لمدة قصيرة، ومع بداية التسعينات بدأ عمله في سلك القضاء في استجواب النيابة العامة بـ"دمشق" لمدة سبع سنوات، ثم عمل قاضي تحقيق لأربع سنوات، وقاضي تحقيق اقتصادي، وهنا كانت إغراءات كثيرة له، كنت ملازماً معه مع شقيقي "محمد العماطوري" واطلع على الضغوطات والمعاناة التي كانت تجتاح عرشه النزيه، لكنه كان اكثر من جبل صامد لم تهزه رياح العاتية والفساد الحياة ومفسديها، لإيمانه بصدقية المهنة القضائية التي جعلته يقاوم تلك الإغراءات بصلابة. ثم عمل مستشاراً لاستئناف الجنح الأول، ثم قاضي إحالة أول في "دمشق"، ثم رئيس استئناف مدني، ثم تسلمت رئيساً لمحكمة استئناف الجنح في عدلية "السويداء"، ورئيساً لمحكمة الجنايات، ونائباً عاماً في السويداء، إضافة إلى مهام عديدة كلّف بها أثناء عمله القضائي في "السويداء"، مثل رئيس اللجنة القضائية المشرفة على الانتخابات لثلاثة استحقاقات متتالية، ومفتش قضائي في العدلية، وغيرهما من المهام.
وما يجعلك تقف امام باحترام انه سكن في منزل والده بدمشق وهو منزل متواضع، وفي قريته عرمان رمم منزل جده ليقطن فيه فترة الراحة القضائية، وفي السويداء كان في منزل للإيجار...أهكذا قضاة النيابة والاقتصادية والجنايات في زمننا اليوم؟...
وحين سالته عن تميز شخصية القاضي، وما يجب أن يتمتع به حتى يحقق العدالة، أجابني بكبرياء النزاهة وثقة العارف قائلاً: لابدّ أن تتوفر بشخصية القاضي مجموعة من الصفات، أهمها الإنسانية والإدراك وحسّ العمل القضائي، والشخصية المتزنة في اتخاذ القرار، مع دقة الملاحظة والذكاء والطاقة والقدرة والفطنة والثقافة الاجتماعية والمثابرة، لأن ذلك ينعكس على أدائه في العمل، على الرغم من أن طبيعة عمل القاضي تحتّم عليه تحجيم علاقاته الاجتماعية، إلا أنه لا يجوز أن ينسلخ عن مجتمعه، لأن قوانين الحياة المعيشية اليومية تكسب القاضي خبرة في العلاقة المجتمعية والاتزان بالموقف الثابت، فقد ينعكس الأمر على كيفية تعاطيه لنص القانون، فالقانون جامد، وعليه أن يأخذ بروح النص، وهو بذلك يحتاج إلى معرفة النص ودراسته ليأخذ بروحه وليس بحرفيته بطريقة لا يخرج فيها عن القواعد القانونية، وتلك الأفكار عادة يستقيها من الاجتهادات الصادرة عن محكمة النقض، التي بدورها
تعلل الإشكاليات من الحالات العديدة التي نعيشها في العصر الحالي، وبلا شك فالخبرة والتجربة من مقومات الشخصية التي تمنح القاضي القدرة اللازمة على إسناد أحكام وقرارات في عدالة وإنصاف مع هامش مهم لأعمال الرحمة والشفقة، ولا سيما في القضايا الجزائية. وهناك مبدأ لا بد من تكريسه، وهو أن الجرأة هي خلفية للنزاهة.
بهذه القناعة عاش في سلك القضاء اربعة عقود وهو يحمل هذه الثقافة من قبله ومن بعده وممن عاشرهم وعاصرهم، ومما اكتسبه من مجتمعه وبيئته الاجتماعية والثقافية.
القاضي المستشار "عطا الله أبو راس" رئيس محكمة الاستئناف المدنية في "السويداء"، الذي لازمه لسنوات واطلع على حسن عمله في مناح عديدة من سيرته قال فيه: ما يتحلّى به القاضي المستشار "سامي الشريطي" من صفات النزاهة القضائية والجرأة في القرار، والوثوق بالمعلومة القانونية، والصدق في العمل، والمثابرة بدراسة القانون، والفطنة والذكاء في استخدام روح النص القانوني، برؤية تحمل اجتهادات واقعية، يصعب على غيره القيام بما قام به خلال مسيرة حياته في العدلية بـ"دمشق"، و"السويداء"؛ فما إن تذكر اسمه حتى تنهال عليه عبارات النزاهة والإخلاص والثقة والاتزان، والرؤية الثاقبة. وعندما تسلّم قاضي تحقيق اقتصادي خرج منها نزيهاً، فقد أضاف إلى هذا المكان ثقة وطنية ونزاهة قضائية بالعلم الواثق من عمله على الرغم من الإغراءات التي وصلت إليه، إلا أنه كان يترفع عن صغائر المغريات، فهو بحق قاضٍ نموذجي للقضاة، لهذا أسندت إليه مهام عديدة إضافة إلى عمله، مثل رئيس اللجنة القضائية للانتخابات لثلاثة استحقاقات متتالية، ومفتش قضائي، وهي مهام توكل إلى من يتمتع بصفات كالتي يتمتع بها...
الرحمة لروحك أيها القاضي النزيه الرحمة سامي الشرطي وستبقى أيقونة الزمن أن قرية عرمان أنجبت قاضيا أنموذجاً للنزاهة والقيم والأخلاق النبيلة...أما سجياك فستبقى في قلوبنا وأفئدتنا ما حيينا ..نودعك بالدموع يقينا انك في جنان خلد مقيم...
يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرام : انقر هنا