تجاوز العلاقة بين سورية وروسيا حدود الصداقة التقليدية انطلاقا من سعيهما طيلة السنوات الماضية إلى بناء منظومة علاقات جديدة في السياسة الدولية تقوم على التوازن والتعددية وكسر احتكار القطب الأوحد ورفض اللجوء الأحادي لاستخدام القوة كسبيل لحل الأزمات الدولية والتمسك بالحوار كمبدأ أساسي في العلاقات بين الدول.
وعبر تاريخها الطويل الذي يعود إلى عام 1944 شهدت هذه العلاقات تطورات كبيرة وقفزات مهمة على جميع الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية جعلت دمشق وموسكو تؤسسان لمستويات جديدة من التعاون الاستراتيجي والتنسيق الشامل في جميع الملفات وفق رؤية واضحة ومشتركة لكل ما يتصل بالقضايا الدولية والمسائل الثنائية ذات الاهتمام المشترك وتكريس جهودهما لمنع استغلال المنظمات الدولية من قبل قوى كبرى تعمل على تحقيق مصالحها الذاتية بعيدا عن ارادة الشعوب التي تتمسك باستقلالها وسيادتها.
وتجسيدا لما سبق أعلنت روسيا دعمها لسورية ووقوفها إلى جانبها في مواجهة محاولات قوى غربية وإقليمية فرض اجندات تتعارض مع القانون الدولي ومصالح الشعب السوري واستقلالية الدولة السورية واستخدام تنظيمات إرهابية مسلحة وسيلة لذلك حيث استخدمت روسيا حق النقض الفيتو أربع مرات في مجلس الأمن الدولي لمنع تلك القوى من تمرير مخططاتها التدخلية ضد سورية عبر المنظمات الدولية بما يخالف الأسس والمبادئ التي قامت عليها.
وأكدت روسيا مرارا أن دعمها لسورية لا ينطلق من اعتبارات شخصية ومصلحية ضيقة بل يستند دوما إلى مصلحة الشعبين السوري والروسي ومبدأ احترام سيادة الدول الذي أقره القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة كما أن هذا الدعم هو موقف مبدئي وثابت وغير خاضع للمساومة والضغوط والإغراءات، الأمر الذي دفعها للعمل دون كلل من أجل إنهاء الأزمة في سورية عبر توفير أجواء الحل السياسي القائم على الحوار الوطني بين جميع السوريين، حيث استضافت روسيا لقاءين تشاوريين بين الحكومة ووفود المعارضات كان آخرها في نيسان الماضي حيث اتفق الطرفان على اعتماد ورقة مشتركة للمرة الأولى حول تقييم الوضع الراهن في سورية.
ولم تقف روسيا على الحياد أمام الإرهاب فكانت واضحة وجريئة في إدانتها كل أشكال الإرهاب أينما وجد من أفغانستان إلى العراق وسورية وصولا إلى مالي وكل المناطق والدول التي تمدد فيها تنظيم القاعدة تحت مسميات مختلفة لتضع دائما المجتمع الدولي أمام مسؤولياته من حيث اصدار مجموعة قرارات دولية لمكافحة الإرهاب بدون التمييز بين الإرهابيين كما تفعل الولايات المتحدة والغرب.
كما عملت الحكومة الروسية على تزويد سورية بكل ما يلزم لتأمين القدرات الدفاعية للجيش والقوات المسلحة انطلاقاً من واجبها كحليف يقف في الخندق ذاته بمواجهة العدو المشترك المتمثل بالإرهاب وتسخير كل قدراتها لمنع قوى إقليمية من التدخل العسكري في سورية.
وكان للعلاقات القوية والمميزة والمتنامية بين الشعبين السوري والروسي أثر كبير في تخفيف معاناة السوريين جراء العقوبات الاقتصادية الجائرة والعدوان الإرهابي الممنهج الذي تتعرض له سورية وانعكس ذلك على ارض الواقع من خلال المساعدات الانسانية التي يرسلها الشعب الروسي منذ بدء الأزمة والتي وصلت إلى أكثر من 20 طائرة مساعدات إغاثية وإنسانية كان آخرها نهاية شهر أيار الماضي.
وتتجلى رغبة البلدين والشعبين في تمتين وتعزيز هذه العلاقات التاريخية من خلال تواصل المشاورات واللقاءات والاجتماعات الثنائية على المستويات السياسية والاقتصادية والتجارية والثقافية كافة، حيث شهدت العلاقات السورية/ الروسية خلال السنوات الماضية مزيدا من التطور ترجمته الزيارات المتبادلة بين مسؤولي البلدين على أعلى المستويات.
وفتحت زيارة السيد الرئيس بشار الأسد إلى روسيا عام 2008 آفاقاً واسعة لتطوير العلاقات السورية /الروسية ودفعها إلى الأمام وعكست التفاهم والتنسيق حيال القضايا على المستويين الإقليمي والدولي إضافة الى حرص الجانبين على تعميق وتمتين العلاقات الثنائية في مختلف المجالات.
كما عكست زيارتا الرئيس الأسد إلى موسكو في عامي 2005 و2006 ومحادثاته مع الرئيس فلاديمير بوتين والمسؤولين الروس والاتفاقيات التي تم توقيعها في المجالات السياسية والاقتصادية العلاقة الجيدة والمتطورة بين البلدين وحرصهما على التنسيق المستمر تجاه مستجدات الأوضاع في المنطقة والعالم والاتفاق حول جملة من القضايا التي تهم البلدين وخاصة في المجال الاقتصادي وتجسد ذلك في وثيقة الإعلان المشترك حول مواصلة تعميق علاقات الصداقة والتعاون التي تم توقيعها خلال زيارة الرئيس الأسد عام 2005.
كما جاءت زيارة الرئيس الروسي السابق ديمتري ميدفيديف في أيار عام 2010 إلى سورية تتويجاً لرغبة البلدين القوية بتعزيز الشراكة الاستراتيجية بينهما والارتقاء بالتعاون الثنائي في مختلف المجالات إلى آفاق أوسع ولاسيما في المجالين الاقتصادي والتجاري إضافة إلى تأكيد البلدين دائما تمسكهما بمبادئ وأحكام القانون الدولي والالتزامات المنبثقة عن ميثاق الأمم المتحدة والمعاهدات والاتفاقيات الدولية النافذة التي تكون سورية وروسيا طرفا فيها.
وينظم العلاقات التجارية بين سورية وروسيا عدد من الإتفاقيات والبروتوكولات التجارية وفي مقدمتها الإتفاق الموقع في دمشق عام 1993 بين الحكومتين السورية والروسية للتعاون التجاري والاقتصادي والفني والذي نص على إتخاذ التدابير اللازمة لتسهيل وتشجيع المبادلات التجارية والتعاون الاقتصادي والفني ودعم التعاون في مجالات الطاقة والري والزراعة والصناعة والنقل والنفط والتجارة ومنح معاملة الدولة الأكثر رعاية فيما يتعلق بالرسوم الجمركية والضرائب إضافة إلى الإتفاق على تسديد المدفوعات بين البلدين بعملات قابلة للتحويل بصورة حرة وتسهيل وتنشيط إقامة المعارض الوطنية والدولية.
وأتاحت إتفاقية تجنب الإزدواج الضريبي التي وقعتها سورية وروسيا بدمشق في أيلول عام 2000 فرصاً كبيرة لتطوير العلاقات التجارية والاقتصادية بين البلدين على صعيد القطاعين العام والخاص وكذلك الأمر بالنسبة لإتفاقية التعاون الموقعة بين إتحاد غرف التجارة السورية وغرفة التجارة والصناعة في روسيا الموقعة في العام نفسه التي أسهمت في توطيد وتوسيع علاقات العمل التجارية والاقتصادية بين رجال الأعمال في البلدين.
ووقع مجلس رجال الأعمال الروسي العربي واتحاد غرف التجارة السورية في عام 2004 اتفاقية اللجنة الثنائية الروسية السورية قبل أن يوقع البلدان بعد ذلك بأشهر قليلة وثيقة الإعلان المشترك حول مواصلة تعميق علاقات الصداقة والتعاون بين البلدين.
وعلى صعيد السياحة أسهمت الاتفاقيات الموقعة بين البلدين بتوسيع التعاون السياحي وتطوير الموارد السياحية والاقتصادية المشتركة ما أسهم بإطلاق مشاريع سياحية لمستثمرين روس منها مشروع إقامة منتجعين سياحيين على الشاطىء السوري بقيمة 130 مليون دولار كما تقدم سورية تسهيلات للسياح الروس عبر منح تأشيرات الدخول للمجموعات الروسية بصورة مجانية في المطارات وعلى الحدود مباشرة.
وتزود روسيا سورية بالمنتجات النفطية والمعادن والخشب والتجهيزات والأسمدة والورق والانابيب والجرارات والذرة والاعلاف في الوقت الذي تستورد فيه روسيا من سورية المنتجات الغذائية ومنتجات الصناعات الخفيفة والخضار والفواكه والمنتجات النسيجية والخيوط والألياف والقطن والاحذية والادوات المنزلية ومصنوعات الاستعمال الشخصي والزينة والأثاث.
كما يواصل اتحاد غرف التجارة السورية العمل مع مجلس رجال الأعمال الروسي العربي على تنشيط العلاقات الاقتصادية والتجارية السورية الروسية من خلال السعي إلى إقامة الأسواق والمعارض التجارية في كلا البلدين والحصول على الإعفاءات من الرسوم الجمركية لإدخال البضائع إلى كل منهما والعمل على توقيع إتفاقية لتشجيع وحماية وضمان الاستثمارات المتبادلة على غرار الإتفاقيات التي سبق توقيعها مع العديد من دول العالم وتوقيع إتفاقية لتسهيل النقل البري والبحري بين البلدين والعمل على إقامة مصرف مشترك روسي/ سوري لتسهيل عملية التبادل التجاري بين البلدين.
وفي مجال النفط وقعت وزارة النفط والثروة المعدنية وشركة سيوزنفتاغاز إيست ميد الروسية نهاية شهر كانون الاول من العام 2013 عقد عمريت البحري للتنقيب عن البترول وتنميته وإنتاجه في المياه الإقليمية السورية في البلوك رقم 2، حيث يتضمن العقد إجراء عمليات المسح والتنقيب عن البترول في المنطقة الممتدة من جنوب شاطئ مدينة طرطوس الساحلية غربا إلى محاذاة مدينة بانياس وبعمق عن الشاطئ يقدر ب 70 كيلومترا طولا وبمتوسط عرض 30 كيلومترا وبمساحة إجمالية نحو 2190 كيلومترا مربعا.
وتلعب اللجنة الروسية السورية المشتركة دورا إيجابيا في تطوير العلاقات الاقتصادية بين البلدين حيث وقع جانبا اللجنة في الخامس والعشرين من شهر أيار عام 2013 خلال اجتماعهما في مجلس الوزراء بدمشق مذكرة تفاهم حول مجالات التعاون في الإطار الجمركي الاقتصادي وخاصة مجالات الطاقة والجمارك كما تم الاتفاق على كثير من المواضيع ومجالات للتعاون الاقتصادي والاستثماري في الاجتماع الاخير الذي عقدته اللجنة في تشرين الأول من العام الماضي في مدينة سوتشي الروسية.
وتأكيدا على نمو العلاقات الثقافية والتعليمية بين البلدين الصديقين قررت وزارة التربية إدراج اللغة الروسية في المناهج التعليمية حيث سيتمكن طلاب الصف السابع من اختيار لغتهم الثانية بين الروسية والفرنسية، كما قررت الحكومة الروسية هذا العام زيادة عدد المنح الدراسية المقدمة للطلبة السوريين بنسبة 50 بالمئة وبشكل يتوافق مع قدرات وامكانيات روسيا وحاجة سورية.
ويعمل العديد من الخبراء الروس في القطاعات الاقتصادية والانشائية في سورية وتقدم الشركات الروسية مساعدات تقنية في ميدان الطاقة والنفط والري والثروة المائية إضافة إلى استمرار تطور التعاون في مجال إعداد الكوادر السورية في الجامعات والمعاهد الروسية وتبادل الوفود والخبراء بين الاكاديميات العلمية في البلدين.
كما تسعى سورية وروسيا باستمرار إلى تطوير التعاون الاقتصادي المشترك في مجالات البنية التحتية والنفط والغاز ونقل مواد الهيدروكربون وزيادة قدراتهما في مجال الطاقة الكهربائية وتطوير وسائل نقل السكك الحديدية والجوية وتكنولوجيا المواصلات والسياحة وحماية البيئة والري وغيرها من المجالات ذات الاهتمام المشترك إضافة إلى تشجيع إجراء الأبحاث العلمية المشتركة والقيام بالتعاون الفني ولاسيما في مجالي التكنولوجيات العالية واستخدام الفضاء للأغراض السلمية.
التاريخ - 2015-06-13 8:35 PM المشاهدات 1143
يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرام : انقر هنا