لا يزال الإقبال على التّصويت المبكر لاختيار الرئيس الأميركي المقبل كثيفاً، برغم الصّعوبات اللوجستية والإدارية في أكثر من ولاية، وبخاصة في جنوب البلاد حيث هناك "تقليد" قديم بحرمان الناخبين الذين ينتمون الى الأقليات والفقراء من اختيار ممثليهم. وزاد عدد الأميركيين الذين صوّتوا إما بالبريد أو بالاقتراع المباشر عن 22 مليون ناخب، وذلك في الوقت الذي يواصل فيه الرئيس دونالد ترامب ومنافسه جو بايدن التركيز على عدد محدود من الولايات التي ستحسم النتائج، وفي طليعتها فلوريدا وبنسلفانيا وميتشغان وويسكونسن وأريزونا.
وكان ترامب قد فاز، ولكن بأكثرية بسيطة للغاية في بعض هذه الولايات، وهذا ما يفسّر زياراته المستمرة لهذه الولايات وتخصيص الموارد المالية لإنفاقها في أسواقها الإعلانية المكلفة. وللتدليل على عمق الخلافات السياسية وتصميم كل حزب على استخدام القضاء للطعن بما يفعله الطرف الآخر، وصل عدد الدعاوى المتعلقة بالانتخابات الى 365، أي بعدد أيام السنة. وسوف تنشر كل من حملتي ترامب وبايدن مئات المحامين في كل أنحاء البلاد، وتحديداً في الولايات التي من المتوقع أن تبرز فيها مشكلات يمكن أن تعرقل أو تؤجل فرز الأصوات.
وبرغم استمرار تأكيد استطلاعات الرأي، على مختلف المستويات، تقدم بايدن على الرئيس ترامب، إلا أن حملته حضّت الناخبين الديموقراطيين على تفادي وضع ثقتهم العمياء بالاستطلاعات كما حدث في 2016، حين فاجأ ترامب تقويم معظم المحللين وكذّب استطلاعات الرأي التي أكدت آنذاك أن منافسته هيلاري كلينتون هي التي ستفوز في السباق. ويخشى المسؤولون عن حملة بايدن من بروز مشاعر تقاعس في أوساط الديموقراطيين بسبب تقدم مرشحهم في الاستطلاعات.
قلق بعض المسؤولين في حملة بايدن من أن لا تكون الاستطلاعات دقيقة مبني على حقائق لا يمكن نكرانها، أهمها هو أن قاعدة ترامب الانتخابية، التي لا تزيد عن 40 في المئة ومعظمها من البيض من غير حملة الشهادات الجامعية، متحمسة جداً لإعادة انتخاب الرئيس. في المقابل، فإن قاعدة بايدن الديموقراطية الأوسع والتي تضم النساء والأقليات وأقلية من الرجال البيض تؤيده بحماسة أقل، وأحياناً تبدو الحماسة تعبير عن معارضة ترامب بالدرجة الأولى. الحماسة السياسية هي عنصر حاسم في تاريخ الانتخابات الأميركية. الناخب المتحمس لمرشحه وللقضايا التي تهمه، سينتخب بغض النظر عن المشكلات التي يمكن أن تواجهه، كما تعني أن الناخب المتحمّس يتبرع لمرشحه حتى ولو بقيمة ضئيلة.
وتواجه حملة بايدن مشكلة محتملة تتمثل بما يسمّى "الصوت اللاتيني" أي الناخبين المتحدرين من مهاجرين من أميركا اللاتينية، فهناك نسبة مهمة بينهم من المحافظين الكاثوليك الذين يميلون عادة الى المرشح الجمهوري. هذه الشريحة من الناخبين سوف تلعب دوراً حاسماً في ولايات محورية مثل فلوريدا وأريزونا.
وتبين الإحصاءات وأنماط التصويت الحالية أن أكثرية الذين قرروا أن يصوّتوا مبكراً بواسطة البريد، هم من الديموقراطيين. ولكن التصويت عبر البريد يزيد من احتمال رفض بطاقات الاقتراع البريدية لأنها قد لا تكون مكتملة. في المقابل، تميل أكثرية من الناخبين الجمهوريين الى التصويت المباشر يوم الانتخابات. ويقوم الرئيس ترامب منذ أسابيع بتشجيع مؤيديه على التصويت المباشر يوم الثالث من تشرين الثاني (نوفمبر).
وهناك أيضاً ظاهرة الناخبين الجدد الذين يسجلون أسماءهم وعناوينهم تمهيداً لمشاركتهم في الانتخابات. وأخيراً كشف الباحث دافيد واسرمان أن عدد الناخبين الجدد على لوائح التسجيل من الجمهوريين يفوق عدد الناخبين الديموقراطيين، وأحياناً بنسب كبيرة. وعلى سبيل المثال، بلغ عدد الناخبين المسجلين كجمهوريين في ولاية فلوريدا منذ آذار (مارس) الماضي 195,652 ناخباً مقابل 98,362 ديموقراطياً. وفي بنسلفانيا وصلت نسبة الناخبين الجمهوريين الجدد الى 135,619, مقابل 57,985 ديموقراطياً.
وواصل ترامب جولته في ولايات وسط غرب البلاد، حيث جدد هجماته النابية ضد حاكمة ولاية ميتشغان غريتشين ويتمير وهتف مع مؤيديه مطالباً باعتقالها وسجنها. وتعتبر هجمات ترامب ضد الحاكمة ويتمير خطيرة، لأن مكتب التحقيقات الفدرالي الـ"اف بي آي" كشف الأسبوع الماضي عن مؤامرة خطط لها أفراد في ميليشيا يمينية متطرفة لاختطاف ويتمير ومحاكمتها بسبب ما اعتبروه إجراءاتها المتشددة لمكافحة جائحة كورونا.
وقبل أسبوعين من موعد الانتخابات، وجد الرئيس ترامب نفسه في موقع دفاعي في ولايات مثل جورجيا كانت مضمونة في السابق للمرشح الجمهوري، ولكن التغييرات الديموغرافية جعلتها ميالة أكثر الى المرشح الديموقراطي. كما اضطر ترامب للدفاع عن نفسه ضد انتقادات من بعض أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين الذين أعربوا عن مخاوفهم من أن يقود ترامب الحزب الجمهوري في الثالث من تشرين الثاني الى "مذبحة" كما قال السناتور بن ساس، أي خسارة الرئاسة ومجلسي الكونغرس.
وسوف يواجه الرئيس ترامب المرشح بايدن وجهاً لوجه لآخر مرة قبل الانتخابات، يوم الخميس المقبل، في المناظرة الأخيرة بينهما، في مدينة ناشفيل في ولاية تينيسي. وكل ما يمكن قوله هو أن ترامب سيجعلها حادة ونابية، ولكن ليس من المتوقع أن تغيّر من آراء الكثير من الناخبين الذين حسموا بأكثريتهم مواقفهم من المرشحين قبل أيام من الاستحقاق الرئاسي الأخير.