سورية الحدث _ بقلم : زياد غصن
قبل عدة سنوات، كان الدكتور إلياس نجمة يردد على مسامع طلابه في كلية الاقتصاد أن ارتفاع سعر مادة البندورة في القامشلي من شأنه أن يرفع أسعار العقارات في دمشق، فالتضخم يعمل في كثير من الأحيان كالأواني المستطرقة، ما إن يصيب سلعة حتى يشمل بقية السلع.
وما نعيشه اليوم من ارتفاع مستمر وحاد في أسعار جميع السلع منذ أكثر من عام، يؤكد تلك المقولة البليغة… فمثلاً هل هناك سلعة واحدة لم يرتفع سعرها منذ أن تمت زيادة أسعار المازوت المخصص للأغراض الصناعية والبنزين؟ وهل هناك محافظات أو مناطق معينة لم ترتفع في أسواقها المحلية أسعار السلع المطروحة، كما حدث في محافظات أخرى؟
من المبكي ما نسمعه حالياً من تصريحات صادرة عن بعض المسؤولين، يفترض أنهم الأقدر والأعلم بما تعيشه البلاد من موجات غلاء متتالية… تصريحات تناقض أبسط بدهيات علم الاقتصاد والمنطق، وتخالف يوميات الواقع المعيش من قبل ملايين المواطنين..!
فهل الغاية من تلك التصريحات رسم صورة “وردية” للواقع أمام صاحب القرار، أم إنها مجرد محاولة معتادة للهروب إلى الأمام، في ضوء الإمكانات المعرفية المتواضعة لشريحة من المسؤولين لدينا، أم هي السذاجة في مقاربة الواقع وطرق معالجة المشكلات؟
لو كان المكتب المركزي للإحصاء يقوم بما هو مطلوب منه، لما تجرأ مسؤول واحد على قول غير الحقيقة، ولما تفردت وزارة أو مؤسسة بمقاربة الواقع وفق اجتهادات القائمين عليها، ولما وجدنا هذا الكم الهائل من البيانات والأرقام الغامضة..!
فمثلاً:
لو كان المكتب يُحدّث شهرياً الأرقام القياسية لأسعار المستهلك ومعدل التضخم الشهري بشكل موضوعي، لكان بالإمكان تقييم مدى فعالية وصوابية السياسات والقرارات الحكومية في مجال التجارة الداخلية، وعدم تركها عرضة للتجريب والاجتهادات الشخصية والأجندة الخاصة.
ولو كان المكتب المركزي يجري مسوحاً عاجلة لرصد وتحليل تأثير أي قرار حكومي، لما تفاقمت مشاكلنا الاقتصادية بهذا الشكل، ولما بقي كثير من المسؤولين الفاشلين في مناصبهم كل هذا الوقت….
لهذا، فإن أولى خطوات معالجة مشكلة التضخم، هي الاعتراف الرسمي بحقيقة هذا التضخم بشفافية مطلقة، وذلك من خلال إنتاج ونشر البيانات الإحصائية المنتجة بشكل علمي وموضوعي، بعيداً عن الاجتهادات الشخصية والدوافع الخاصة,
وأعتقد أن توفير مثل تلك البيانات بشكل دائم، سيكون كفيلاً أيضاً بإعفاء مسؤولين كثر من مناصبهم، وبإعادة هيكلة وزارات ومؤسسات، كان جلّ اهتمامها خلال الفترة الماضية التغطية على فشلها وفساد بعض آليات عملها، هذا في الوقت الذي كانت فيه أسر كثيرة تعجز عن توفير رغيف خبز لأطفالها قبل ذهابهم إلى المدرسة أو تحضير وجبة طعام واحدة في اليوم!
يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرام : انقر هنا