سورية الحدث
السويداء- معين حمد العماطوري
يعيش المثقف اليوم حالة من التخبط بين التفكير والتكفير، ضمن واقع بات لا يدري من أي الجهات والأماكن والاستعراضات تفرض عليه طقوس وممارسات دون قناعة بها، ولربما جاء ذلك نتيجة حتمية لما تعيشه الثقافة عامة من تدهور في الرؤية التنظيمية لها، إذ كثيراً ما نحن نعيش احتمالات قائمة على التراث والتاريخ والدين بوصفه ثابت للغيبيات، ولكن بالمفهوم العام لا يمكن للعقل الإنساني التصديق بعد ثورة التفجير المعرفي القائمة على التقانة المعلوماتية أن يتخذ من ذاك الثابت مصدراً، لأسباب أهمها:
- ما كان بالأمس لا يصلح اليوم فكراً ونهجاً وتطبيقاً.
- تطور العقل حتمي في التفكير وألياته.
- تقانة اللحظة ومواكبتها تجعلنا ضمن دائرة المتغيرات وليس مع الثابت ولو كان مقدساً.
- روابط العلاقة الفكرية البنيوية المتجددة تتخللها شروط لسيرورتها.
- مناهل المعرفة وتنوعها تشكل وحدة المتناقضات.
- منح العقل حرية الإدراك في البحث عن الماوراء الثابت، أمر واقعي.
- الارتهان للتاريخ والتراث طريق نحو التخلف.
- التقيد برهائن الزمن دون التجديد واستخدام العقل المتجدد، انعطاف نحو الخلف.
- بناء القادم من مآثر التاريخ وفق استراتيجية مواكبة للحظة، معاصرة.
تلك الأفكار وغيرها الكثير يتحتم علينا البحث في مجموعة الدلالات الفكرية، وتحمل في مضمونها التناقض بفعل الزمن والتواتر الزمني، والإنسان هو الخازن للمعلومات المتواترة نتيجة متغيرات الحياة وفرضياتها القائمة على الحركة والفعل وليس على رد الفعل المرتجع في الجمود والاعتقاد.
بالمقابل هناك مسائل تحتاج إلى حوار وتفكير، ومعايشة الواقع الآني والإرادة والتصميم والنتائج والتغيير بالمفهوم والإدراك، وهذا يتطلب التعديل في التعامل مع الثابت بتعديل ألية التكفير وفق نتائج التجارب العملية المرتهنة لأحدث النتائج العلمية، لأن التقانة المعلوماتية هي الضامن لحفظ نتائج العلم وتجاربه، ومرهونة بوعيٍ عقلي فكري مجرد عن الزمن الآني إلا بما ينسجم مع تطوره...
وبالتالي ينبغي مقاومة عواقب التكفير حينما يبدأ العقل في التفكير، وينسج خيوط معرفية قائمة على المتغير المستمر، وليس على الثابت الغيبي...
ولكن ثمة متعلمين محابين للثقافة والمشتغلين في ميدانها، يعملون على نشر ثقافة الإرجاع والإقصاء والارتهان للتخلف، بغية ربط التطور المعرفي بالمصالح المادية، ولعمري هي أسوأ مرحلة تمر بها الثقافة لأنها تبتعد عن مفهوم حكم القيمة المعرفية وإعادة التفكير في التجربة، وعدم القدرة على اتساق العقل الجدلي الحواري للتصديق بالواقع المتناقض مع تشتت المصالح المادية والمناصب الإدارية والاجتماعية، خشية التكفير، وهؤلاء باتوا كثر للأسف...
اليوم وبعد صراع مع الحياة ونتائج التفجير المعرفي الهائل، يخشى المثقف من إبراز ما يضمر مع معارف ورؤى ثقافية فكرية المتناقضة مع الثابت المرتهن للماضي السحيق، والراسخ نحو العوامل المتأنية للحظة بالبحث المعرفي، بحيث يتخلى المثقف عن شخصيته الثقافية وينغمس في عالم المادة والمصالح ويصبح خادماً ضعيفاً للمرجع الثابت بعقله المتخلف.
ولهذا فإن عواقب التفكير في زمن باتت المرجعيات الدينية هي السلطة الحاكمة على العقل المتجدد وفق ما يخدم ثوابتها المرتهنة للتاريخ والتراث، بات عامل نشر براثن الفساد والإفساد الاجتماعي بممارسات تطبيقية تحت مسمى السلطة الآلهية...أمراً واقعياً لا يستطيع الهروب منه من مدعي ثقافة الاطقم مع التقليد الجائر المتخلف، خوفاً من عواقب التكفير امام جمال ونورانية التفكير.
يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرام : انقر هنا