شبكة سورية الحدث


كيف تعاملت وزارة الاقتصاد مع ملف الاستيراد ؟!

كيف تعاملت وزارة الاقتصاد مع ملف الاستيراد ؟!

تُشكّل الأمثال الشعبية لوحة حقيقية مرسومة بريشة الحياة وبتراكم التجارب والخبرات، فتتناول شؤون الحياة باختصار وبلاغة وعمق، ويعطي هذا المثل أو ذاك حلولاً لقضايا عديدة، أو على الأقل يُضيء عليها بطريقة مبهرة تكشف ما يظهر منها وما لم يظهر، فيسهّل التعاطي والتقييم للعديد من المسائل والألغاز.

ولا يليق بما يجري لوزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية في هذه الأيام بشأن بياناتها الأخيرة حول قضية ترشيد الاستيراد، أكثر من المثل القائل ( مصائبُ قومٍ عند قومٍ فوائدُ ) ..!

فبمقدار ما يبدو قرار ترشيد الاستيراد وتقليصه وتخفيفه إلى أكبر قدر ممكن، حتى اختُصرت المستوردات كلها في عام 2020 الماضي إلى أربعة مليارات يورو، قراراً مهماً وصائباً عند الدولة عموماً وعند وزارة الاقتصاد خصوصاً، وعند الكثيرين من الناس أيضاً الذين يتلمّسون أبعاده بوضوح، وسط أهمية الحفاظ ما أمكن على القطع الأجنبي في هذه الظروف العصيبة أمام شحّ موارده، وضرورة اختصار صرفه على القضايا الأساسية والملحّة، وعدم تبديده للقضايا الهامشيّة، بمقدار ما يراه الكثير من التجار قراراً جائراً بحقهم وغير صائب، وتعطيلاً لمصالحهم وأنشطتهم التجارية، وينضوي على مخاطر فقدان الكثير من السلع في السوق..!

أجل .. هكذا مصائب قومٍ عند قومٍ فوائدُ .. ولكن يبقى للمنطق والموضوعية في التعاطي مع مثل هذه القضايا الحساسة بهاءً مختلفاً، يساهم بالركون إلى قرارٍ سليمٍ وسديد كقرار وزارة الاقتصاد بهذا الشأن المحيط بأقسى وأصعب أنواع الظروف المفروضة علينا، لأنه قرار ساهم باختصار وتوفير ما لا يقل عن / 13 / مليار يورو، حيث بلغت تكاليف مستورداتنا في عام / 2011 / من القطع الأجنبي ما قيمته / 17 / مليار يورو، كانت تُرصد – على ما يبدو – لقضايا غير مهمة، أو على الأقل يمكن الاستغناء عنها ولو مؤقتاً، أمام ضغط الحاجة الذي لا يرحم لمشتقات نفطية باتَ خامُنا منها مسروقاً، ولقمحٍ صارت مساحاتٍ شاسعة من أراضيه مسبيّة، ومساحاتٍ أخرى محروقة، ومخازن كبيرة له منهوبة، فلا بدّ من تغطية هذه الفجوة المرعبة، وكلنا يرى ماذا يحصل عند حدوث نقصٍ طفيف بهذه المواد الأساسية، من مرارةٍ ومعاناة.

تقليص تدريجي

إذن كان لا بدّ من تفضيل الانحياز ( حكومياً ومجتمعيّاً ) نحو تأمين الظروف القادرة على توفير تلك المواد الأساسية التي لا يمكن الحصول عليها إلاّ بالقطع الأجنبي، ما يُلزِمنا بالكثير من الحرص على ذلك القطع باختصار – بل وبمنع – استخدامه لاستيراد السلع غير الأساسية، فما حاجتنا بمثل هذه الظروف لمواد التجميل .. والألعاب .. والسيارات .. مثلاً .. ؟! إننا لا ننكر أهمية وجودها، ولكن على أن لا تكون مؤثرة على تأمين حاجتنا من الخبز والدواء والمشتقات النفطية.

وعلى الرغم من الصعوبات الناجمة عن العقوبات الجائرة وعن الحصار كأداةٍ للإرهاب الاقتصادي علينا فقد جاء اختصار المستوردات بشكلٍ تدريجي، حيث أظهرت بيانات التجارة الخارجية انخفاضا في مستوردات سورية من مختلف المواد الجاهزة للاستهلاك في القطاعين العام والخاص وصل إلى حدود 4 مليار يورو في العام 2020 بتراجع نسبته 22 % عن العام 2019 في حين بلغت مستوردات سورية 5,2 مليار يورو في عام 2019 وبتراجع 1,140 مليار يورو وبنسبة انخفاض 18 % عن عام 2018 الذي سجل بدوره مستوردات بقيمة 6,3 مليار يورو.

تشجيع الإنتاج المحلي

وتشير المعلومات الناضحة عن وزارة الاقتصاد إلى أنّ انخفاض قيم مستوردات سورية في العام 2020 قياسا مع السنوات الماضية ليست هي الأدنى فقط في سنوات الحرب وإنما هذا المنحى يمتد لعشرين عاما سابقة وهذا يعود لإجراءات خاصة في وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية، ولاسيما في السنوات الأخيرة من خلال اتباع سياسة حازمة لترشيد المستوردات دون المساس بحاجة السوق المحلية وتوفر السلع والمواد بشكل كامل .

ورأى بعض المراقبين أنّ تخفيض قيم المستوردات هو عامل إيجابي، ليس فقط لتخفيض الطلب على القطع الأجنبي وحده، وانما لتشجيع الإنتاج المحلي أيضاً والاستغناء عن استيراد المواد الكمالية، وبالنتيجة فإن هذا التخفيض يشكل عاملا حاسما بتخفيض عجز الميزان التجاري السوري وهذا هدف اقتصادي هام جداً تسعى إليه كافة الدول .

غريب وعجيب

في الحقيقة إن هذه الأرقام صادمة، ليس لجهة اختصار المستوردات وتراجعها إطلاقاً، وإنما لجهة أننا ما نزال قادرين بطريقة أو بأخرى على استيراد شيء .. أي شيء، وفوق هذا يطالب التجار بفتح الاستيراد أكثر فأكثر، ما يُرجّح بأن هناك احتياطات أخرى من القطع الأجنبي تفوق على الأربعة مليارات يورو ..! والغريب كيف بإمكاننا تأمين مثل هذه المبالغ من القطع ..؟! والعجيب من أين ..؟!

وعلى الرغم من الحيرة التي يمكن أن تنتاب الكثير من المتابعين – مثلما انتابتني – فإن قدرة البلاد – التي ما تزال مستمرة – على تأمين مثل هذه المبالغ جديرة بالكثير من التفاؤل والأمل، على الرغم من كل المصاعب والخيبات، ومن هنا علينا النظر إلى سلوك وزارة الاقتصاد الرائع في سياستها المتبعة اليوم بترشيد الاستيراد، فلندع هذه الوزارة تعمل، وتُلملم كل ما تستطيعه من القطع الأجنبي، فهي قادرة – على ما يبدو – أن تفعل ذلك، وهذا أمرٌ في غاية الأهمية ينعكس على جميع من في البلاد.

شكراً وزارة الاقتصاد

أجل .. ففي الحقيقة شكراً وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية، وشكراً لوزيرها الدكتور سامر الخليل على هذا المنحى الصحيح والصائب، الذي نرجو أن يتعمّق أكثر، وأن لا يكترث لاحتجاجات بعض التجار الذين مهما أبدوا غيرتهم على تأمين احتياجات الأسواق ورغبات الناس، فإن هذه الغيرة مزيّفة، إذ أثبتت الوقائع أن الناس آخر همّ عند أغلبهم، فأغلبهم ينشدون الربح ولا شيء آخر ومهما كانت النتائج وعلى أي حساب، ولكن لا بد أن يُغطوا ذلك بمزاعم إيجابية أملاً بتغيير الاتجاهات الصحيحة لصالح نزواتهم الربحية الشرهة التي لا تعرف الشبع عند بعضهم ..!

محمود جديد 

 

 

 

التاريخ - 2021-01-23 10:11 PM المشاهدات 1458

يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرامانقر هنا