ككل الذين قبلي وكل الذين بعدي؛ أدخلُ قاعة المحكمة الآن متهماً بجرائم يُحددها الشهود حسب انتماءاتهم.
في هذه المحاكمة لا يحق لك إحضار محاميك؛ إنهُ فقط أنت تقفُ مُنتظِراً أن يُملي عليكَ كلُ شاهدٍ جرائمك
وليس لكَ الحقُ بالتزام الصمت، بل ليس لك الحق بالتكلم
فعلى الرغم من أنَّ كلماتهم ستصفعك، تطعنك، ومن ثم ترممُ الطعنات بالملحِ
لا تصرخ......لا تتكلم.....لا تتوسل
إن الشيء الوحيد الذي يُخمد رغبتهم بقتل بعضهم البعض الآن هو أنهم متوحدون لإدانتك.
ينتظر أحدهم هروب صيحةٕ من حنجرتك ليُضيفَ إلى قائمتهِ تجريمُك بالكلام
وآخر ينتظر طرفةَ عين كي يشهد بأن خلف هذه الطرفة نيةٌ منك للاعتراض، فيوافقه الجميع وهذا ما لاتراه خارج أسوار المحكمة
قِف صامتاً......جامداً......ساكناً
احفظ جرائمك المتليّة عليك جيداً، لأنه وبالطبع كما استنتجتَ نسيانُك لواحدة يُعتبرُ جريمة تندرج ضمن بند التملص من العقاب.
غالباً عند الإدانة ستعتريكَ رغبةٌ بشتمِهم جميعاً.....قتلِ أحدهم إن سنحت لك الفرصة
لتشعر الرضا بأنك حقاً قمت بأحد الجرائم التي تُدان عليها.
الشاهد الأول كان من قومٍ يدعون أنفسهم "المتجردين"
قومٌ جُرِّدوا مِنَ الحُبِ فجرّموه
أفرادُه مصابون ببلادةٍ وراثية؛ أَحاطوا أنفُسهم بدائرةٍ قطرُها بِضعةُ قواعد اكتسبتْ متانتها مِن ترمِيمهم الدائم لها
جلس على كرسي القاضي ليكون أولهم لليلة وقال:
باسمي وباسم أخوتي المتجردين نُدينُ المتهم بارتكابه لجريمة
ـ حيازة المشاعر ـ بعد أن اكتشفنا أنهُ على علاقةٍ غرامية مع إحدى الفتيات.
و رُغمَ أنَّ ممثلوا الأقوامِ البقية هنا لا يُجرّمونَ الحب، بل ولربما يُجرّمون قوم المتجردين أنفسهم
إلاَّ أنّ جميع الأيادي ارتفعت عندما صاح القاضي منادياً من يؤيده.
أما الشاهد الثاني فكان مِن قوم "المتفردين"
ما لبث أن اعتلى الكرسي حتى صاح مُشيراً إليَّ:
من ليس منّا فهو مجرم.
ومُتجاهلينَ حقيقة أنَّ منهم التي يقصدها تشمل قومه فقط
مرة أُخرى ارتفعت كل الأيادي مدينةً إياي.
حتى أنهم اتفقوا مع الشاهد الثالث الذي قال أني مُلحِدٌ بكوكب المشتري إله قومه العظيم!
وهكذا تتالت الإدانات واعتلى الكرسي 38 قاضياً
نعم كنتُ أُحصيهم مُلهياً نفسي عن سماع الترهات التي تُجبرني على التكلم فأُجرّم أيضاً، لكن براعتهم بحياكة الجرائم فاقتني دهاءاً
فأدانوني بجريمة التفكير تِبعاً لصمتي المريب.
نُفِيتُ إلى جزيرة المنبوذين؛
خِلافاً لإطلاقهم عليها لهذا الاسم يعلمون بقرارة أنفسهم أننا لسنا بمنبوذين، بل نحن اللاشيء!
فلم ننسلخ عن أقوامهم لننتمي لأُخرى
رغم عِلمهم بخطورة كل فرد فينا على حدا لكن حقيقة أننا جميعاً هنا نشكل اللاشيء أراحتهم
وعندما تنتهي المحاكمات ويُنبذ كل من كان بلا انتماء
ويبدأون بتجريم بعضهم البعض
عندها فقط؛ قف على أعلى نقطة في الجزيرة وشاهد كيف تحرقهم نار انتماءاتهم
وعُدْ لفِعل أياً ما كُنت تفعله
فطالما أنهم يتكاثرون سيكررون أنفسهم، وتتكرر الأحداث
كدورة حياة أي فصيلةٍ من الحيوانات لا يملكُ أفرادها امتيازات التغيير
أما أنت يا بُني الذي لم يحملهُ رحمّ بعد
إن قرأتَ حروفي المبعثرة يوماً، فاعلم أنَّ رغبتي بوجودك مَنْ حكمت عليك بكل هذه المعاناة
المَخرجُ الوحيدُ لك بألاَّ أدعك تُبصرُ النورَ يوماً
المَخرج الوحيد بألا أدعك تدخل
مع كامل محبتي
أباك الذي لن يُنجبك
#مايا_جلعود
يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرام : انقر هنا