سورية الحدث الإخبارية -السويداء- معين حمد العماطوري
نعيش زمناً يحمل في طياته أشكالاً متنوعة من الانحطاط الثقافي والفكري والاجتماعي والديني والأخلاقي، وتمخض عن تلك الحالة من التخبط الفوضوي الممنهج تفتيت البنية الاجتماعية والتي ناشدنا من مخاطرها منذ بداية الأزمة السورية، أن الهدف الاستراتيجي للسياسة الاستعمارية في ظل تقنية العولمة اجتياح للبنية الذهنية التفكيرية الاجتماعية والمسلكية لفئات متنوعة من أفراد المجتمع...
ولعلنا اليوم بدأت عوارض تنفيذ الخطط الاستعمارية تتباين في نتائجها على أرض واقعنا المرير، فبات القتل مستباحاً ومشروعاً، والسرقة والنهب مهنة ذكية، والمخدرات ممارسة ورأي، والإباحة حرية شخصية، والقانون وتطبيقاته من منسيات المؤسسات الحكومية الأمنية والاجتماعية، الأمر الذي جعل فرض تعدد الطبقات الاجتماعية من غني وفقير، ولم يبق لدينا طبقة وسطى أما مسحوق وأما يتمتع بحياة رغيدة على حساب الأخرين...
ولكن هل المكان الذي يتمتع بعادات وتقاليد وأعراف وله شكل في تكوين نظم شخصية أفراده تاريخياً ووطنياً وثقافياً، وخاصة ثقافة الأدب والقيم والحفظ الجار وإغاثة الملهوف وحماية الأرض والعرض والمقدسات الدينية واحترام الكبير والأخذ بمشورة الصالحين الاتقياء من رجال الدين الأوفياء لمجتمعهم والحريصين على نشر الهدى والإرشاد والتوجيه لصلاح المجتمع وتنميته وأهمية خاصية الوحدة المتكاملة فيه كالعرق والنسب والدم، يصبح في غياهب الوجود الفوضوي الذي من شأنه أن يتخلى المرء عن قيمه من أجل حفنة من المال أو الثروات الطائلة والتعدي على الحقوق والواجبات؟...
بلا شك ما جرى في سورية من أزمة أخلاقية شملت مناح الحياة جميعها وعناصر المجتمع أيضاً...وهناك سؤال مشروع لكافة فئات وشرائح المجتمع هل الفوضى الخلاقة وتفتيت البنية الاجتماعية يجعلنا نتخلى عن القيم الاجتماعية والتاريخية والرمزية الدينية....مقابل الاستعراض أو الثروات المادية؟...
والأهم ما المقصود في هذا الزمن المساس بالرموز؟...ومن هو المستفيد؟
إن الخبث الواضح من الشيطان الكامن في التفاصيل يبث سمومه على أيدي المأجورين له من أبناء الجبل حصراً، ولعمري هي رؤية حاذقة في خلق الفوضى والخلافات والنزاعات ضمن البنية الواحدة...
بالمختصر انتشر في الآونة الأخيرة لغط حول سماحة شيخ عقل طائفة المسلمين الموحدين الشيخ يوسف جربوع الذي عرفته مذ بداية تسلمه مقاليد مشيخة العقل في عام 2013، بحيث استطاع بابتسامته المعهودة الجاذبة للإنسانية الواضحة أن يدخل الأفئدة والقلوب دون منازع له، وما يتمتع به من كارزما فيها الاستكانة ناتجة من اصل عريق وعرق مديد فجده الملقب بالقديس، وهو المرحوم الشيخ أبو يوسف حسن جربوع الذي كان شيخ عقل الطائفة في زمن العثمانيين وواحد من علماء ذلك الزمن، ونتيجة لمواقفه الدينية التنويرية والوطنية سجن في سجون الأتراك اربع سنوات، إذا هو سليل بيت ديني ووطني...أما والده فهو ذاك التقي النقي المتواضع الذي لا يخشى في قول الحق لومة لائم...
وبالعودة لشخصية سماحة الشيخ يوسف جربوع حمل في فكره ما يجعله يرنو نحو القادم من السنين بالعمل التنموي، واسس لعمل مؤسساتي، وبناء شخصية اعتبارية تصبح ذات وقع اجتماعي ثقافي وسياسي وبات مكون من مكونات العلاقة الإنسانية والفكرية والمنهجية في الزمن المعاصر، وربما كنا نحلم به من عمل مؤسساتي ماضياً أصبح واقعاً في اللحظة الآنية...
ربما نختلف معه بالأسلوب والطريقة وانتقاء العناصر والشخصيات القائمة على العمل وتجاهل المواقف والسلوك والتطبيق وهذا أمر طبيعي إذ خلاف الرأي لا يفسد للود قضية، ولكن هل يدفع بنا المساس بشخصيته؟...
وهذا لا يدفع ولا يسمح لأحد في هذا الكون أن يمس شخصيته الاعتبارية بأي كلمة تسيء لمقامه، يقيناً أن الإساءة لشخصه يعني المساس بشخصية كيان اجتماعي تاريخي ووطني وديني وأخلاقي، وهذا ما لا يقبل في الأعراف والأخلاق والقيم الثقافية والإنسانية والتاريخية والوطنية، ذلك أننا في سورية ووفق النظم العامة يمنع المساس بالرموز...
أخيراً الرموز هم قلائد الوجود في أعناق الحقوق، وأنوار مضيئة في سماء الوجود، وأيقونة المحبة برسائل الخلود...ولهذا دام مقام مشيخة العقل كحالة رمزية ويمنع المساس بها، وبالمقابل نرجو منها المحافظة على كيانها من شراذم الواقع المرير وما خلفته الأزمة من براثن الفساد بأنواعه وأشكاله...
يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرام : انقر هنا