/رؤيا/
وقفَ على حافةِ النافذةِ المفتوحةِ أو ربَّما على شرفةِ ذلكَ الدورُ الأخيرُ ِمِنَ العمارةِ المرتفعةِ بجانبِ النهرِ، أو كما تخيّلَ فقدْ كانَ واقفاً على جسرٍ شاهقَ الارتفاعِ أُنشأ فوقَ النهرِ العريضِ الذي يتموّجُ بدلعٍ وغنجٍ في مسيرةِ تدفقهِ بينَ الجبالَ والأوديةَ والمساحاتَ الخضراءَ والملوّنةِ في فصلِ الربيعِ والتي تظهرُ تارةً بخجلٍ ِمِنْ بينَ الغيومُ البيضاءُ السابحةُ وتختفي تارةً أخرى، أو هكذا كانتْ الصورةُ تبدو لهُ وهو في ذلكَ الارتفاعُ فوقَ السحابِ.
تردّدَ قليلاً ثم أخذَ نفساً عميقاً وقفزَ كما فعلَ في مرّاتٍ سابقةٍ مع صرخةِ نشوةٍ وفرحٍ وهياجٍ وضحكاتٍ مجلجلةٍ مِنْ جميعِ مَنْ شاركوهُ في تلكَ القفزةِ، وبدأ يسبحُ ويحلّقُ في الجوِ فوقَ بساطَ الغيومِ الناصعَ البياضِ ماداً ذراعيهِ وساقيهِ والهواءُ الباردُ يصفعُ وجههِ واذنيهِ .
في ارتفاعٍ محدّدٍ بدأتْ المظلاتُ تفتحُ تلقائياً مِنْ على ظهورِ رفاقهُ وبدأوا تحليقاً حراً وكلٍّ ذهبَ في اتجاهٍ لينتقي مكاناً يهبطُ فيهِ، ولكنْ وبدونَ سببٍ واضحْ مظلَّتهُ لمْ تفتحْ وصار َ يهوي كالسهمِ نحو الأسفلِ.
نظرَ هناكَ في هلعٍ فرأى مياهٌ تجمّعَ فيها اناسٍ يسبحونَ ويلهونَ معَ عائلاتهمْ واطفالهمْ وعرفَ أنَّهُ ساقطٌ سقطةَ الموتِ لامحالةٍ.
مرَّتْ كشريطٍ سينمائيٍ سريعٍ صورَ حياتهِ وذكرياتهِ، صورَ زوجتهِ وأولادهِ، صورَ وأسماءَ أحباءهِ وأصدقاءهِ، صورَ المدنِ والبلدانِ التي سافرَ اليها وعاشَ فيها، وعرفَ أنَّ تلكَ الثواني هي آخرُ ماتبقّىَ لديهِ.
صارَ يدنو قليلاً قليلاً تجاهَ مياهِ النهر ِالتي ستكونُ نهايتهُ في جوفهِ .
فجأةّ خفَّتْ سرعتهُ كثيراً وصارَ في وضعيةِ وقوفٍ ودنتْ قدماهُ منْ سطحَ المياهِ دونَ أنْ تلمسهما وكأنَّهُ في حلمْ.
نظرَ حولهُ إلى أقربِ حافةٍ للنهرِ ومشىَ إليها فوقَ الماءِ دونَ ملامستهِ وسطَ نظراتِ الناسِ المحملقةِ فيهِ عجباً واستغراباً.
يتذكّر - فيما بقيَ لهُ مِنْ ذكرياتِ الحادثةِ الآنْ - أنَّهُ حينَ وصلَ إلى اليابسةِ ساعدهُ أحد َمعارفهِ - ولايذكرُ مَنْ هو في هذهِ اللحظةِ - للمشي مستنداً عليهِ، فسألهُ في فجوعٍ واستغرابٍ: هل على ظهري مظلةٌ؟ فأجابهُ: نعمْ!!!.
سأل َمِنْ جديدٍ: لماذا لمْ تفتحْ إذاً؟
لمْ يحصلُ على إجابةٍ لأنَّهُ استيقظَ في الثالثةِ صباحاً مذعوراً جسَدهُ يرتعشُ ويكتَظُّ عرقاً وحلقهُ جافْ ، ويشعرُ بالعطشِ الشديدْ!!!!!!
#علي_ابراهيم_حسن
يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرام : انقر هنا