شبكة سورية الحدث


متشابهة هي أيامي..بقلم حسن فضل عبود

متشابهة هي أيامي..بقلم حسن فضل عبود

سورية الحدث الإخبارية 

متشابهة هي أيامي تمضي بلا اهتمامِ ولا فرق بين ليلي ونهاري..
عدا هذا اليوم...
 كان يومٌ شاق مزدحم بروتينه أودّع وسادتي وأنهض بعقدة الحاجبين  التي توحي كأنها عبارة مرسومة على جبيني أبتعد عن هذا الشخص الآن...
مثل أيُّ يوم يُعلَن إستيقاظي للحياة وتقبُلي للنقاش والمسايرة في أوّلِ رشفةٌ لِفنجان قهوتي وسيجارتي الأولى عندها رويداً رويداً تبدأ عُقدةِ الحاجِبين  بحل الأحجية وعودتها إلى ما كانت عليه 
طَبِيعَةُ عَمَلْي تتطلّب لباقةُ الكلام والإجابة عن الإستفسارات متعددة الأنواع السّخيفة الجّدية والغبية 
مطلوب مِنكَ أن تبتسم للعميل  تتحمل سخافته أو هضامتهِ الغير مُضحِكة نِهائياً وتمثّل دور الشّخص الّذي أعجَبته الدُعابة لتقول في نَفسِك( يقطع عمرك ما أسخفك ) في بعض الأوقات هُنالِك أُناس تُجبر على أن تبتسم لهم رغماً عنك من خلال ابتسامتهم الصادقة  ملامحهم الطيبة براءة قلوبهم و دعواتهم النقية هؤلاء بابتسامتهم العذبة  تأتيك مثل يد بيضاء تمسّدُ برفق ولين على جبهتك لتخفّف عنك وتدفع بك الأمل والتفاؤل إن  القادم عساه أن يكون أفضل 
كلّ ما ذكرت كان متوقّع أن يحصل رغبتي في الضّحك وعدمها رغبتي في المسايرة وكرهي لها 
الزبائن الطيّبة والزبائن البغيضة كل هذا متوقع
إلّا شيء واحد أن يحدث موقف معي تدمعُ فيه عيناي أنا الّذي يُكابر على جرحه بجبروت رجل صلب بتقاليد  وأعراف لشيخ عشائر ذو القاعدة التي تنُصُّ على أنّ محرّم على الرّجال البكاء ...نعم بكيت
في المساء وفي العمل من الطبيعي لأي مطعم في أي حي كان تعرضه للنساء أو الأطفال المتسوّلين الّذين يطلبون المال أو الطعام وهذا الشيء أيضاً أصبح من الأشياء الروتينيّة لعملي أو ليومي بشكل أشمل
كثرة المتسولين جعلتنا لا نعرف المحتاج منهم بصدق أم هي مهنة مربحة أصبحوا يمارسونها بعائد مالي لا بأس به على الإطلاق كثرتهم جعلتنا نشكك في المصداقية... على تعداد الأيام بدأت أحفظهم أعرفهم أنتقيهم وأصنفهم بخاناتٍ سوداء... بيضاء...مخادع ومحتاج بحق.. وعلى هذا التصنيف أُلبّي وأرفض 
في يوم أتى طفل ذو شعر قصير مخفف من الجوانب ومتروك من الأعلى كسنابِل بُنية مُنسدِلة خصل وضفائر قصيرة.. ثيابه رثَّة مُتَّسِخة حافي القدمين مُنهك الجسد تقدّم إليَّ حاملاً بيده ورقة نقدية وتبعها بقول "عمو معلش تعطيني بهي سندويشة والله جوعان وما معي غيرها " بكلّ الفقر المدقع الّذي حلَّ به يتحلى بكبرياء ويضحي بكلّ الّذي في جعبته 
حصاد نهار يكلّل برغيف من خبز صدق من قال أنّ الجوع كافر واتبعه لو كان الفقر رجل لقتلته بل لصلبته وجردته وطعنته وسلبت روحه ...
 نظرتُ لعينيه اللامعة الّتي أرهقها الذّبول  بتُّ مُحتاراً في أيّ خانة أضعه مميزاً عن باقي المتسولين أجمعهم.. وضعته في خانة ثالثة اسميتها ما تبقّى من الكبرياء...
قطعت له الوصل وقلت له إنتظر ريثما يجهزونها لك 
وددت أن أتعرّف عليه أن أُخفِّفَ عنهُ شيء بسيط أن أكون أنا الآن صاحب الدّعابة السّخيفة وهو عاقِد الحاجبين... كانطلاقة لحديثي سألته بداعي فضولي 
بداعي أنّه ليس كباقي المتسوليين
لِما لا تلبسُ حِذاء ؟!
+   ليس عندي حذاء ولا أملك ثمن الحذاء
أين أهلك وأين منزلك ؟
+  لا أهل لي منزلي الحجارة وأرصفة الطُّرقات وسادتي كفُّ يدي أو مسند مقعد من الحديد الصلب أو رفاهيةٌ أكثر يكون مسند خشبي... 
لفت نظري معصم يده المحاط بِبكلَة شعر زهرية اللون يُدَاعبها بأصابعه مُحدّق باللاشيء سارح بحصاد الغد قلق من مبيت على سمفونيّة جوعه  يجاوب على اسئلتي السخيفة صابراً على جوعه بكلام داعم لمعدته سأمسح دموعك الأن وأوقف بكائك الّذي طال النهار الآن سنأكل ونضمد بعض الجراح 
تلك البكلة زادت فضولي الساذج ودفعتني لفتح جراح معزّزة بألف قفل..
 أنسيته ألم الجوع ونفضتُ الغُبار عن آلام محفورة  في فُجِّ قلبه وعُمقِ روحه غبيٌ أنا بسؤال رميته..
"أنت شو اسمك "
+  لا يجيب
كررت السؤال
 ما قلتلي شو أسمك
انعقاد حاجبين وتلبك وانتفاض عاصفة 
مابدك ترد عليّ وتجاوبني؟!
ليرد ببحةٍ قطعت نِياط قلبي يَرُدُّ مُتلعثِماً مُتأتأ 
+ عمو أأأنا مو مو ولد  أنا بنت واسمي 
ياسمين ...
جَهِزَ طعامها ورحلت وأنا عيناي تنهدل  كأمطارِ كانون
تجمّدت في موقفي كصنمٍ
 لا يُبدي أيّ ردة فعل مذهول من هولِ  الموقف تزاحمت عليَّ الزبائن بعدها بطلباتها وأنا لا أُجيب كأنّي رَحلت إلى غير عالم سافرت مُتّ جثة هامدة لا روح فيها 
ما الجرح الّذي أيقظتهُ والذنب الذي إقترفتهُ بحق تِلكَ الملاك...
إلى أين وصلنا يا الله طفلةٌ بتسريحة شاب قصصت شعرها لخوفها من الأمراض خوفها من التّحرش بها من قِبَلِ المتوحّشين مريضين الأنفس طفلة سُلِبت أهم ما يُميّز أنوثتها شعرها الطويل كباقي الفتيات سُرق منها ليجعلها بهيئة شاب لعلَّ هذا الأمر يبعد الأنظار عنها عند احتضان نعومة وجنتيها  لخشونة الأرصفة والطرقات 
من وقت رحيلها إلى لحظة خطَّ قلمي لهذه الكلمات وأنا اسألُ ما حالُ ياسمين الآن وكم من فتاة مثل ياسمين يا ترى...
 فقدت  شعرها البني الطويل الجميل وبَقي أثر أنوثتها البريء  بعبق اسمها ...ياسمين..
في أي مكان كُنتِ أدعو الله أن يحميكِ في وسط هذا الخراب...

حسن فضل عبود.
----

التاريخ - 2021-12-15 8:01 PM المشاهدات 2723

يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرامانقر هنا


الأكثر قراءةً
تصويت
هل تنجح الحكومة في تخفيض الأسعار ؟
  • نعم
  • لا
  • عليها تثبيت الدولار
  • لا أعلم