شبكة سورية الحدث


جدتي..بقلم سلاف خضر

جدتي..بقلم سلاف خضر

سورية الحدث الإخبارية

جدتي..
لمْ تبارحي ذاكرتي يوماً واعذريني ما استطعت زيارتكِ في منزلك الأخير إلا مرات قليلة ولكن الأمر يؤلمني والخطوات نحوَ هذا المنزل تمزقني وأشعرُ بشوكِ الأرض يغزّ في جسدي بأكملهِ، أعشاب الأرض تجعلُ فؤادي ينزلق من صدري وأوشك على الوفاة.
ترتعيني رعشةُ الوحدة بشكل أكبر كلما اقتربتُ من شاهدة القبر أكثر، قاسيةٌ كلمة قبر جداً ولا أحبّها أبداً ولست مقتنعة بأنك هناك. في المرة الأولى التي زرتكُ فيها أي بعدَ سنةٍ من فاجعة خسارتكِ بكيتُ عن كلّ السوريين وانكسرت انكسارات الكون أجمع، حكيتُ لكِ كلّ شيء وناجيتك النهوض ومعانقتي فأنا يتيمةٌ دونكِ، يتيمةٌ مع أهل! لا تحزني من قلة الزيارات ولكنني أتمزق وأُهشم وأنزف بشكل مرعب حين أجلس وأشعل البخور، كنت تدعين لي فكيفَ أمسيتُ أدعي لكِ بالرحمة..كنا نسقي الحبقَ سويّة فلمَ تركتهِ وأنا وحيدين دونَ غيثكِ يا غاليتي.
 آمل في كلّ مرة أذهب لمنزلك أن أسمع صوتكِ ينادي:
_ هل قدِمتْ سُلاف؟ 
آتي ولكنك ماعدت تنتظرينني يا جُرحَ العمر، صوتكُ يجتاحُ المنزل كلّه ويحاوطُ الزوايا بشكل كثيف وعطرك على كل الأثاث. أجلسُ حيث اعتدتِ أن تشربي شرابك الصباحي وأغمضُ عيني لأشعرَ بكِ أكثر وأغفو على حلم لُقياكِ. المرة الأولى التي تشجعتُ فيها وذهبت لمنزلكِ الذي أصبحَ بارداً جداً وفي اللحظة التي وضعت قدمي داخلهُ سمعتكِ ووصلني عطركِ، خفتُ وهرعت للخارج واختبأت تحت شجرة التوت التي تركت أوراقها تتساقط وتغطيني لعلّها دموعها المنهمرة، كانت اعتادتنا نجلسُ تحتها والآن لا.. كنا نبكي سويّةً.
لا يعرفون مقدار صعوبة الذهاب هناك وأنتِ غائبة ولكنك تعرفين أليس كذلك؟
وشاحكِ بجانبي ألفهُ حولي قبل نومي، قد خفف عني مرارةَ وقساوةَ ليالٍ كثيرة فشكراً.
أحبّك واشتاقكِ جداً.. ربما اشتاق نفسي التي فارقتني معكِ
اتمنى ألا تكوني باردةً كما كنتِ حينَ احتضنتكَ وناديتك لتنهضي، حاولت أن أمنحكِ الدفء للمرة الأخيرة وآمل أنني فعلت.
رحمكِ الله ..

سلاف خضر 

التاريخ - 2021-12-22 4:06 PM المشاهدات 2505

يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرامانقر هنا