سورية الحدث الإخبارية
نسيانٌ داخل الذّاكرة
بعدَ مُمارسةِ ملايينِ طُرقِ التّفكير
وآلافِ الجلساتِ اليّوميّة
واتّباعِ مئاتِ جُملِ التّحفيز
صباحَ اليوم ، خرجتُ إلى مكانِ عملي المُعتاد كانت نظراتُ التّرحيبِ بي من قبلِ زُملائي في العملِ واضحة ، ابتساماتهم ، كلماتهم ، أشواقهم ، كلَّ شيءٍ هُنا كانَ يُرحّـبُ بي حتّى مكتبي وطاولتي وأوراقي.
أنهيتُ عملي كعادتي هلعتُ بالرّكضِ بينَ سائقي التّاكسي خشيةَ ألّا أرى "آدم" فتى البسكويت الّذي يبيعهم على إشارةِ المرور ، رأيتُهُ وأعطاني حُصّتي بابتسامةٍ مُبهجة ، يبدو لي أنّـهُ كانَ ينتظرُ قدومي بفارغِ الصّبر.
عدتُ أدراجي إلى صاحبِ المكتبة "العم أبو رامي" كانَ ترحيبهُ بي يوضّـحُ أنّـهُ أصبحَ في جعبةِ مكتبتهِ الصّغيرة الكثيرِ من الكُتب ومن خلالِ جملتهِ أيضاً "فاتكِ الكثيرُ من القوةِ يا حلوتي" ، إنّـهُ يعلمُ تماماً أنّـني فتاةُ الكُتب ، اشتريتُ منهُ كتاباً وأنا متشوّقة لقراءتهِ لذا قرأتُ مقدّمتهِ على الطّريق.
ما إن وصلتُ أخيراً إلى الحيّ إلا أن سمعتُ صوتاً من بعيدٍ يُناديني "الوردة يا وردتنا" ، حتماً إنّه العمّ أبو عمر بائعُ الوردَ في حيّنا الصّغير ، أتيتهُ بلهفةٍ وابتسامتي تملأُ وجهي ودونَ أن ألفظَ حرفاً واحداً خاطبني : "اليومُ حقّـاً أوردت الحياةُ أخيراً" وكعادتهِ أعطاني وردتي الحمراء.
دخلتُ إلى منزلي بعدَ قضاءِ يوماً مفعماً بالحياة،وسرعانَ ما أقبلَ اللّيل ، هممتُ لقراءةِ كتابي الجديد بعدما وضعتُ الوردةَ الحمراء في كوبٍ من الماءِ جانبي معَ قطعةُ البسكويت وفنجانُ قهوتي ، حسناً يبدو الآن أنَّ سهرتي ستستمرُّ للصّبـاحِ حتماً، مرّت دقيقة ، دقيقتين ودخلتُ في غفلةٍ صغيرة ، رأيتُ طيفهُ يتهادى بحبورٍ ويزلفُ نحوي ، باتَ أقرب بكثير ، لم أكُن أنا من أركضُ نحوهُ كانَ قلبي واللهِ، عانقتهُ عناقُ المائةِ عام وخاطبتهُ: "بتُّ أشعرُ أيامي دونكَ كسنينٍ عجافٍ يا غائبي" ، كانَ صمتهُ يقتلني لـٰكن لا بأس فيكفي أنّـني معهُ وهوَ معيَ الآن. استيقظتُ من غفلتي الّتي كادت أن تصبحَ غيبوبةً ، أيُعقل أن ينتهي بي المطافُ هـٰكذا ؟، كلَّ تفصيلٍ في يومي الوحيد الّذي خرجتُ بهِ بل هربتُ بهِ كانَ يذكّرني بكَ "عملي الّذي لطالما تمنّـيتَ أن أتركهُ، آدم ذاكَ الفتى وغيرتكَ المجنونة منهُ ، العم أبو رامي وثقافتهِ، مقدّمـةُ كتابي الجديد بحديثها عن الحُبّ، العم أبو عمر والوردةُ منه، حتّى أزقّـةَ حيّنا وسيرنا عليها" ، باللهِ عليكَ قضيتُ سنيناً أفكّر كيفَ أخرجُ منكَ لتأتِني بلحظةٍ واحدة وبغفلةٍ مسروقة تعودُ بي عمراً كاملاً إلى الوراء ، أيُعقلُ هـٰذا؟
في يومي ذاكَ بأكمله لم أتعب ثانيةً واحدة ، أيعقلُ أن يلتهمَ التعبُ راحةَ قلبي بمجرّدِ رؤيتكَ دقائقٌ فقط ؟
راما بكور
يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرام : انقر هنا