سورية الحدث
عزيزي اليأس:
لطالما عاهدتُكَ أن أبقى مَحبوبتكَ المُخلصة إلى النّهايّةِ و الفناء، على الأقل كُنت تُربت على كَتفي مُطوّلاً و تُشكّل من وهمِ أضلُعِكَ مَسكناً لي، عَلّمتَني أنّ الانتصارات لابُدَ أن تُلازمها الخسائر، أجلستني مُحاطةً بشَيطانِي السّبع فأصبحتُ قائدهُم في الرّابعة عشرَ من عُمرِي ، لم أدرِ قطّ أنّك تعويذةٌ أرسلها أعظَم شيطانٍ لي و لم تعلم أنّني سأتغلبُ عليك مع مرورِ الوقت، ذات ليلةٍ بعد مُنتصفِ اللّيلِ رقدتُ قرب المرآة أحتضِنُ دُميتي الّتي يكرهها جميع أطفالِ الحيّ و دُموعي باتَت تُخفي ملامحَ وجهِي المُنهكِ ،لم أرَ في المرآة سِوى شبحكَ يتسلل نحو أعيُني و يغفو فيهما عامياً بَصيرتِي ،أحضرتَ لي كأسَ خَمرٍ مُشبعٍ بالآلام و عزفتَ لي لحنَ الموتِ الّذي باتَ مُخدِراً لعَقلِي، استدَعيتَني لرقصةٍ على إيقاعِ الأسى فراحَ صوتُ نحيبي يتمايلُ ناسياً مرّ العذابِ، عندها غَفوتُ على رقةِ لحنِكَ و لرُبّما لَعنته، و عندما استيقظتُ كانَ غرقي في تفاصيلِ سرابكَ قد تمّ، بتُ غريقاً لا يرى حتّى القشة... غريقاً يهوى بتر يداه على أن يتعلّقَ بقشةٍ، أتدري لمَ؟ لأنّ العالم لم يُرسل لي يوماً شخصاً يُشاركني مأساتِي و لو كان وهماً، لم يستوطنني الأمان بوجودِ شيءٍ أُقاسمهُ الدّموعَ و يكون بمقدورهِ تقطيع أوصالَ الحزنِ، كُنتَ أوّلَ من قالَ لي أنّ دُميتي جميلةٌ، أخبرتُكَ حِينها بأنّها ملعونةٌ و لكنّكَ تَقبلتَ الأمرَ لأنّني أحبُّها، من مَكمنِ الوجعِ ظَهَرتَ، أهاويلهُ هي الّتي وجّهتكَ نحو كَفيَّ لِترسُم لهُما خُطوطاً جديدةً أو لعناتٍ نَسيرُ على دربِهم غَير أَبِهين لدروبِ الحياة، تبريرِي لوجودِك سيَتخطى حدودَ المنطقِ، و لكنّكَ دَثرتَ ما تبقى من منطقِي..احتَليتني حدّ الجُنون.
و في صباحِ يومٍ من أيامِي الكئيبةِ، أخبرَتْني أُمّي بأنّها رأتْني مِراراً أمامَ المرآةِ أكَلمُها و أتمايَلُ أمامَها مُمسكةً دُميتي، لم أجد أيّ تبريرٍ حينَها، هل عليّ إخبارها بشرودٍ لا أعرف حقيقتهُ؟،خرجتُ في ذلك الصّباح محاولةً تدويرَ تركيزِي إلى الأشخاصِ من حَولي ،صديقي كان كلّ يومٍ يُحضر لي الأزهارَ و يُخبرني كم أنا جميلة، و صديقتي الّتي حاولتْ آلافَ المراتِ إسعادِي غير مُكترثةٍ بعدم استجابَتي..يَومها بكتْ على كَتفي فلم أتمكن من تَمالُكِ نفسِي فأجهشتُ بالبكاء..كانتْ بجانِبي طوالَ الوقت كان من المُمكنِ أن أُُقاسمها وَجعِي بسهولةٍ، و أُمّي تِلك المرأة الحكيمة الّتي لطالما حذرَتْني من المَرايا..مَسكنُ الشياطين.. أصبحَت مَسكني شيطاني تَلبسَني كما فعلَ بدُميتي.
إتبعتُكَ...مَحبوبتكَ أنا إلى النّهايّة، لا أدري كيف غافَلنِي الأمر بأنّك كُنتَ نِهايتي، إرتدَيتُكَ كمعطفٍ لا أعرفُ مَاهيتهُ كُلّ ما أعرفهُ أنّ جزءاً من خُيوطِه تلاحمَ مع عُروقِي فقد كنتَ مَسكني الوحيد يا من سكنَ أعيُني، الآن عليّ القيام بعملياتٍ خاصّةٍ بالعيون لعلّها تعيدُ بَصيرتِي.
أذكرُ أنّ آخر ما فَعلته تلكَ اللّيلة كان التخلصَ من لعنةِ تلك الدُّميةِ و كسر المرآة ،كانت أمّي شاهدةً على ذلك، و لكن ما تَجهلهُ أمّي إلى اليوم أنّ نثراتٍ صغيرةٍ من زجاجها قامَت بتشويهِ جسدِي ،و الآن أصبحَ عهدي إليك خيوطاً داخل عُروقِي لم أتمكن من قطعِها و ندوباً غُرزتْ في شرايني لَفّقتُ إليها تهمةَ تَشكيلي و نُموي بهذا العُنف.
|غزل حاتم|
يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرام : انقر هنا