شبكة سورية الحدث


و أخيراً القيتُ بأنثى..بقلم الكاتب المبدع د.أحمد علي

و أخيراً القيتُ بأنثى..بقلم الكاتب المبدع د.أحمد علي

سورية الحدث

#وأخيراً_التقيتُ_بأُنثى♀️

جميعُهُم ينعتونَني بالأخرَق؛ كُلُّ ذلكَ لأنّني قلتُ ذاتَ يومٍ أنّي لم ألقَ أُنثى في حياتي قطّ!!.
كانوا يسخرونَ منّي بقولِهِم: " وهل أمُّكَ رَجُلٌ؟! ".
صحيحٌ أنّني لم أكُن أرُدُّ على نَتِنِ كلامِهِم، لكنَّ قلبي كانَ يُطالِبُني بذلكَ تباعاً فيلطِمُ جدرانَ صدري باحثاً عن منفَذٍ يثِبُ منهُ ليَلكُمَ عقولَهُمُ العالقةَ بجمعِ الأعدادِ على أصابعِ أيديهم متبوعةً بشتائمَ ذريعةٍ لكونَها عَشَرَةً لا غير!.
كنتُ قد أطلتُ التّفكيرَ مسبقاً في إخبارِهِم بحقيقةِ الحالِ وأنَّ أمّي توفّيت في حربِ أيلولَ من عامِ ثلاثةٍ وتسعينَ وتسعمئةٍ وألف؛ ولا تُتعِب ذاكرتَكَ عزيزي القارئُ بالبحثِ عن هذه الحربِ، فقد خيضت بسرّيّةٍ مُطلَقَةٍ بينَ والدَيَّ وأنا ابنُ سنينٍ ستٍّ كانت كفيلةً _ مع الأسفِ _ بالاحتفاظِ بذاكَ المشهدِ حتّى هذهِ اللّحظة.
لكنَّ آخرَ ما أذكُرُهُ من صراعِهِما آنذاكَ أنّها مزّقَت ما كانَ يستُرُ جَسَدَها من ثيابٍ، ووقفَت أمامَهُ، لتصرُخَ بكلِّ ما أوتيَت من قوّةٍ:
" لو عَلِمتُ أنَّ الشّرَفَ عندَكَ يُقاسُ بجسَدي النّتِنِ هذا لما ورّطتُ نفسي وهذا المسكينَ الصّغيرَ برجسِ تفكيرِكَ ".
فانهالَ عليها ضرباً وأَحكَمَ قبضَتَيهِ حولَ عُنقِها وخنَقَها، لتلفِظَ أنفاسَها الأخيرةَ أمامَ ناظِرَيَّ، فأركُضَ دافناً رأسي في ثغرِها محاوطاً جسدي الهزيلَ بكلتَيّ يديها لألتَقِمَ جُرعةَ الحنانِ الأخيرةَ؛ فقد علمتُ حينَها أنّني لن أحصُلَ عليها مجدّداً.
كُلُّ ذلكَ وسطَ ذهولِ الحاضرينَ من أبي والشّيطانِ وأرواحِ أهلِ النّارِ أجمعين.
فكيفَ لي أن أُطلِقَ لَقَبَ أُنثى على جُثّةٍ عاريةٍ بعينينِ جاحظَتَينِ وَفَمٍ مفتوحٍ يسيلُ منهُ زَبَدٌ رغويُّ القوامِ؟! هذا أبعَدُ عن عقلي من فتكِ هُرائِهِم بنورِ فِكْرِي.
فكُلّما عقدتُ العزمَ على إخبارِهِم بالحقيقةِ أجِدُني تراجَعتُ مكتفياً بملامحِ السَّخطِ والاشمئزازِ؛ فإذا ما علموا الحقيقةَ سيُضيفونَ تُهمَةَ تجريدي لأُمّي من أنوثتِها بعدَ مماتِها إلى سجِلِّ قضيّتي الّتي ألبسوني إيّاها زوراً.
إذ يبدو من المستحيلِ إقناعُهُم أنَّ الأُنثى الّتي يُضاجِعونَها ليسَت كَمَن يتزوّجونَها، وكلتاهُما ليستا كالجثّةِ الّتي وَقَفَ بي قطارُ الماضي عندَها، وثلاثُهُنَّ وألفُهُنَّ وغيرُهُنَّ لا يَمُتُّونَ للأُنثى الّتي كانَت أُمّي قبلَ ذلكَ الحادِثِ بِصِلَةْ.
((يبدو أنّني سأتنازَلُ عن مبدَئِي العميقِ هذا في سبيلِ راحةِ البالِ يا أُمّي، فما أكثَرَ أشباهَ الإناثِ، وما أقلَّ الإناثَ من حولي، وما أوحَدَكِ يا أُمّي)).
* كانت هذهِ العبارةَ الأخيرةَ الّتي نَطَقَ بها فوقَ قبرِ أُمِّهِ وهوَ يُحتَضَرُ بعدَ أن توسَّلَ إليهِم أن يدعوهُ يُقبِّلُ ثراها للمرّةِ الأخيرةِ قبلَ أن ينضمَّ لها بعدَ انصرامِ ساعةٍ على هذا المشهَدِ، وهوَ في الخامسةِ والعشرينَ من عمرهِ، ليقضِيَ نحبَهُ بعدَ طولِ صراعٍ معَ السَّرطانِ.
لكن، لا بُدَّ أنَّهُ سعيدٌ الآنَ، يتَجَرَّعُ الحنانَ مُجدّداً بينَ ذراعَيّ أنثاهُ، وأصبحَ بمقدورهِ القولُ: " وأخيراً التقيتُ بأنثى ".

د.أحمد علي

التاريخ - 2021-12-31 10:52 AM المشاهدات 2309

يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرامانقر هنا