سورية الحدث
طِفلَتِي المُدلَّلة، يا فِلذةَ كَبدِي ،وقِطعةً مِنْ قَلبِي، مِرآةَ عيُونِي، ونِسختِي المُصغَّرة، آهٍ لو تعلَمينَ يا حبيبَتِي كمْ أكبُتُ مِنَ الألمِ في داخِلِي ،لِأنَّني أرى يَرقتِي الصَّغيرة قد تحوَّلَت إلى فراشةٍ رقيقةٍ، وتُريدُ التَّحليقَ بعيداً عنّي؛
ذاكَ البِرعُم الّذي رَويتهُ مِنْ ماءِ قَلبِي، قد تفتَّحَ إلى وردةٍ زاهيَّةٍ، وَسَتُقطفُ من جانبِ روحِي،
أتَذكُرينَ يا حبيبةَ أُمُّكِ الخطواتِ الأُولى الّتي خَطيتِها وأنتِ مُمسِكةٌ بيَدَيَّ؟، فلا يُمكِنُني أنْ أنسى تِلكَ الضِّحكة الطّفوليَّة التي جَعَلت مِن وجنتيكِ قِطعتينِ مِن الفراوِلةِ ، ومِن عينيكِ نجمتينِ لامعتينِ مِن شِدَّةِ فَرحكِ؛
الآنَ أرى تِلكَ الضِّحكة الطّفوليَّة ذاتها، ولَمعةُ العينينِ نفسها، لكنَّ السّببَ مُختَلفٌ كُلِّيَّاً.
أتَذكُرينَ أوَّلَ مُساعدةٍ قدِّمتِها لِي؟، تِلكَ الورود التي شاركتِني في زِراعَتِها،فكم كُنتِ سَعيدةً بِما تَفعلينَ؟؛
انظُري إليها فهي زاهيةٌ الآنَ ،لكِنَّني لا أضمُنُ بقائِها هكذا، فمن سيعتني بها بعدَ مُغادرَتُكِ؟ .
أتَذكُرينَ طائِرَتَكِ الورقيَّة ؟، وكم مرّةٍ عَلَقتْ ضِمنَ أغصانِ الأشجارِ ،فَكُنتُ أستغرِقُ مِنَ الوقتِ ما أستغرِقَهُ لِأُعيدُها لكِ؛
وتِلكَ الدُّميةَ الّتي رافَقَتكِ إلى أن أصبحتِ في المدرسةِ، فأنا لازِلتُ أحتَفِظُ بِهما، وأحتَفِظُ بكُلِّ شيءٍ خاصَّتُكِ داخِلَ ذاكَ الصِّندوق الخشبيِّ،لأنَّني أعشقُ تفاصيل طفولتكِ.
أتذكُرينَ كيف كُنتِ تختبئينَ عليَّ في موعدِ الاستحمام؟ ، فأبحثُ عنكِ في كُلِّ أرجاءِ المنزلِ، لِأجِدكِ مُختبِئةً تحتَ السَّريرِ؛
فكم مِن شيءٍ أحببته؟ ، وكم مِن آخر كرهتِهِ؟، ولا أحدٌ يعلمُ كُلَّ تفاصيلُكِ سوايَ.
أتَذكُرينَ كم مرّةٍ أعددنا الطّعامَ سويَّةٍ وأنتِ صغيرةٌ؟، أنا عليَّ الطَّهو وأنتِ عليكِ التَّذوّق؛
والآنَ بدأنَا بتبادُلِ الأدوارَ.
أتَذكُرينَ كيفَ كُنتِ لا تنامينَ قبلَ أن أقرأَ لكِ قصَّةٌ جميلةٌ؟ ، فَتغفوَ أميرَتِي وهي مُتقمّصةٌ لِشخصيَّةِ الأميرةِ في القصَّةِ؛
لِتصحوَ ملهوفةً ،وأوَّلَ ما تَنطُقُ بهِ "ماذا حدَثَ للأميرةِ يا أُمِّي"
لَكن حانَ الوقتَ لتكونِي تِلكَ الأميرة،
فقد كَبُرَت طِفلَتِي، واختارَت أنْ تترُكنِي وتذهبُ بِرفقةِ شريكِها ، لا أستطيعُ لومَها، لكَّنني أستصعِبُ الأمرَ كثيراً، كيفَ لي أنْ أقضي يوماً دونَ أن أراها، أُقبِّلُها، أستمِعُ إليها، وأتشاجَرُ مَعَها، لِيعُمَّ المساء،فأقرأُ لها قصَّةً، وتغفوَ على مداعبةِ يَدِي لِشعرِها.
فيا ليتكِ الآنَ تخطينَ خطوَتُكِ الأولى، ثُمَّ تبدئينَ بالرّكضِ نحوي، لِينتهيَ بكِ المطافُ داخِلَ حُضني
صغيرَتِي المُدلَّلة ،تَذَكَّري أنا أُمِّكِ ستبقى تُحِبُّكِ إلى آخرِ نفسٍ، وسَتَبقينَ طِفلَتِي الصَّغيرة مهما كَبُرتِ.
شذا شوكت حسن
يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرام : انقر هنا