سورية الحدث
||رسالةٌ أربعينيّة||
أربعون يوماً ميلادياً بلغَ عُمرُ كآبتي..
أربعون عاماً ديجورياً كأنّهم..
و لا عجب،فاليومُ الّذي علّمتني مدرستي في الصّف الثّاني أنّه مؤلفٌ من أربعٍ و عشرينَ ساعة..
علّمتني مدرسةُ الحياة أنهُ بعد فراقِ عزيز قد يتحوّل إلى مؤلفٍ من أربعٍ و عشرينَ لوعة،أو أربعٍ و عشرينَ غصّة و دمعة..
هذا بعدَ فراقِ (عزيز)،كيف بعدَ فراقِ (الأعزّ)؟؟!..
متأخرةٌ برسالتي الأولى،أعلم..
سامحي القلمَ الّذي بكى حبرَهُ كما بكَت الدّموع حفيدتُك..
سامحيهِ،لقد بكى إلى أن غدا جافاً كما جفّت مُقلتيها..
و سامحي الكلماتَ الّتي هجرت اللّسان،و الشّفاه المطبّقة منذُ رأتكِ العينان..
مُنذُ رأتك العينان مدفونةً في تلكَ الحُفرة السّوداويّة المُظلمة..
في تلكَ الكلمة القاسية (قبرُكِ)..
هلّم الأقرباءُ و الأحبّاءُ و بعضُ الغرباء حتّى للمواساة..
قالوا الكثير..
قالوا أنّ موتكِ جُزءٌ لا يتجزأُ من سنّة الكونِ و الحياة..
و أنّه مشيئةُ القادرِ القدير و الأقدار..
قالوا أنّ الجميع فانٍ،غيرُ باقي..
و أنّ الجميعَ يسيرُ على دربِ هذهِ الدّنيا ليبلُغَ محطّة الفُراقِ..
و فهمتُ،و اقتنعتُ،و هل أمامي خيارٌ سوى الاقتناع..
لكنّني ما استطعتُ عدمُ البُكاء كما أوصيتني في يومٍ قديمٍ مازحة:
"لا تبكي عليّ يومَ مماتي"..
أستسمحُكِ عُذراً،بكيتُ بكيتُ بغير انقطاع..
كيفَ لا أبكي و مُن كانَت مُبجلتي،أمي،أُختي،صديقتي،رفيقةُ دربي و وردةَ الغاردينيا خاصّتي..
أضحَت أميرةً نائمةً ما تحتَ التّراب!!..
سُبحانَ مَن يُميتُ و يُحيي،و يحوّل الإنسانَ في وهلةٍ إلى سراب..
و المشهدُ الأكثرُ قسوةً عن سِواه..
كيفَ من كانت شمسَ المبنى الّتي تسكُنُه
تُمسي نعوَةً على جدارِ مدخله..
دعكِ منّي قليلاً،سأبقى ثرثارةً كثيرةَ الكلام
كيفَ أنت في دار الفردوسِ الّذي يليقُ بكِ أكثرَ من دارنا آلافَ الأضغاف؟!..
هل ترتدينَ الأخضَر؟!،فيُقالُ أنّ سكّان دارك يرتدونَ أثواباً خضراء..
لا بدّ أنّك بحالةِ سعادةٍ منمورة إن صحّ ذلك
فلونُك المفضّل هذا..
لأُخبركِ شيئاً على ذكرِ الأثواب..
ثوبكِ الأزرق الطّويل الّذي كان سعيدَ الحظّ بارتدائكِ إيّاه حينَ كُنتِ بيننا في أغلبِ الأيّام..
ذلك وفيّ لم يُفارق منزلنا..
ما زالَ يتجوّل بينَ أرجائه جيئةً و ذهاب..
مُرتدياً إيّاه طيفك البهيّ الّذي ما لبثَ يُمارسُ عاداتكِ في كلّ آن..
يُمازحُني،يُلقي النّكات،يُضحكُني أثناءَ تناولِ الإفطار..
يوصيني كثيراً باحترامِ الكبار،و العطفِ على الصّغار..
ذكرياتُكِ نابَت عن طلّتكِ في كونها مصدرَ ابتسامةٍ صادقةٍ تعلو شفتيّ..
إلّا أنّ لا قُدرةَ لي على إنكارِ غدوّها في بعضِ الأوقات مصدرَ دموعٍ منهمرةٍ رُغماً عنّي من عينيّ..
الشّوقُ مكواةٌ تعشَقُ كيّ الأجسادِ الإنسانيّة لا سيّما إن كانَ محكوماً باستحالةِ اللّقاء.
و أنا اشتقتُكِ،اشتقتُكِ،ألا ليتَ تلكَ الكلمة حينَ أقولُها تخفّف عبءَ الجفاء..
أربعونَ يوماً..
لم يوقظني صوتُكِ الحنون،لَم تُناجني نبرتُك قائلةً جُملتَها الثّابة:
(انهضي يا كسولة،يا "دبّةَ النّوم")..
لم يبدأ صباحي بقهوتك ذات الطّعم الهستيريّ الّذي كُنتُ أسألُك عن سرّه دونَ كلل..
لَم تبتسمي لسؤالي،و كم أصبحَ صباحي دونَ ابتسامتكِ مُملّ..
تتخضّب وجنتيّ كلّما شهدتُ تفصيلاً يخصّ ذكرياتنا..
كلّما سمعتُ فيروز..
ما من أحدٍ أغنّي مَعه "ضاع شادي"
ما من أحدٍ يسخرُ من صوتي النّشاذ..
و لا ضحكةً يعلو صوتُها لرقصي على تلكَ الأُغنية الغير مُناسبة للرّقص..
و النّاس يا حبيبتي..
"سألوني النّاس عنّك يا حبيبي"..
و لَم أستطع القَولَ لهُم:
"راجع أوعى تلوموني" فلستِ براجعة..
أربعونَ يوماً ميلادياً بلغَ عُمرُ كآبتي..
أربعونَ عاماً ديجورياً كأنّهم..
سلامٌ محمّل بقُبلاتٍ مُشتاقة منّي إليكِ،و رحمةُ الله عليكِ..
حفيدتُك الوفيّة لذكراكِ أزلاً..
رغد.. .
||رغد فادي سقيّر||.
يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرام : انقر هنا