سورية الحدث
أما قبل:
ملاكي الضائع في مدن السياح والأجانب، ملاكي الضائع في مهب الخيال وعواصف الأحلام، ملاكي التي أعتنقها بحرارة حرص ودموع خوف من فقدان هو الفزع، في بعدكِ أيام انقضت بلياليها متناسيًا فيها أن الواقع هو الأقوى، وأن الأحلام يُفزِعها اليقظة وأن الخيال يقتله الصحوة،
كانت كأيّ فتاة تحلم بفارس يدثرها بحضنه الدافئ كالموطن، كقطرة ندى ينسال على زهرة مشاعرها فيهزُّها وينعشها بالحب والعطاء، تحلم وتحلم بينما تتناسى بحلمها أنها فتاة من الأحلام، كانت كالشمس التي تحرق فمحت صفة الحرق لتكون كالشمس التي تشرق، أملها طويل كليلة صحرواية، لون عيناها بين الباء والنون،
ومن عينيَّ سرى طيفكِ ليغدو حقيقة على تلك المصقولة بالفضة، ليس عدلاً أميرتي الكانوتية التي وُهبت للحياة على شكل محارة بهيّة، تخطُ على أنغام الطبيعة بخطاً ملائكية.
في السابق سألتكِ من أنتِ؟!
الشكُ بدأ يراودني بأنكِ من العصور السالفة الخيالية، العجب ياعزيزتي أنّي لا أمتلكُ مصباح علاء الدين السحري لينبثق المارد من فوهته ويلقي على مسامعي تلك الكلمات الطفولية "سمعةً وطاعة مولاي الأمين" وأيضًا لا أمتلك تلك القيثارة التي ما إن تناغمت الأصابع عليها تظهر لي حوريةٌ من قاع النيل الإفريقي تكنى بآلهة الجمال زيوس.
إلى أن أجبتي بثقة عمياء أنا الشمس المشرقة.
كنت دائماً أشتتكِ، وأنا الذي يراكِ بعينٍ واحدة تلك التي تختلف بالمضمون عن العين البشريّة، إلى أن حال الوطن بيننا وانعقد اللقاء إلى لا لقاء..
أما بعد:
ها قد مرّ عام ونيف على حديثنا الأخير، لم يكن البعد قاتل كما قيل، أيام انقضت تناسيت فيها أن الواقع هو الأقوى، وأن الأحلام يفزعها اليقظة والصحوة قاتلة الخيال، لم يكن انكساري سوى انكسار قوس قزح أبجديته الألوان، لطالما لقبتكِ بالرياح التي لا تهدأ بينما عند أول نقاش لنا كان الوطن قاضي جلستنا المطولة لتنتهي بعدم التوافق، لقبتك بالوطن فكان قلبكِ وطنًا لم يمنحني اللجوء!
أتخيلكِ دائمًا بعد ذاك الوداع المشؤوم وأنا أدعوكِ دومًا وأناديك غيبًا تعالي..
تعالي..
تعالي..
تعالي أيتها البعيدة القريبة..
تعالي نطير كالطائرات الورقية
نجوب أرجاء كابول
ونخترق جبال قندهار
ونهيم في شوارع إسلام باد
أسرقكِ سر بأحلامي غربًا إلى أسبانيا مثلًا، على إحدى جزرها الخلابة، نتناول طبق ثمار لوبينا نقطف الإكدينيا نتكلم بأحاديث الغزل، وأيضًا لا تنسي أن تعلميني السباحة فأنا أخاف البحر، والرمال، أخاف المحيطات، والإرتفاعات، وأتهيب صعود الجبال..
"ومن يتهيب صعود الجبال
يعش أبد الدهر بين الحفر"
أتعلمين؟ رغبت بأن نلتقي والرغبات تذوي ولا تتحقق، أكان خطأ حبك؟
أم كان من الصواب أن أدفنك سرًا في قلبي واقرأ عليك آيات الله القرآنية رثاء لك، أنفث دوامة التفكير من فوق رأسي عندما خطر ببالي قول الرومي "ماوراء فكرة الخطا والصواب هناك حقل سألقاك فيه"..
أي حقل هذا الذي سألقاك فيه، راضٍ بأن يكون حقل شادباغ المتواضع، هناك في أفغانستان وطن النكبات المؤلمة..
ربما لا إكراه في الخيال إن كان الواقع مستحيلاً
#محمد أمين سلامة
يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرام : انقر هنا