سورية الحدث _ خاص
ميشيل كلاغاصي
17/10/2022
على الرغم من هزيمتها في الحرب العالمية الثانية إلى جانب حلفائها الغربيين , إلاّ أن الكثيرين يعتقدون أن ألمانيا مُنحت دوراً خفياً داخل الشراكة المتوحشة التي إبرمتها الولايات المتحدة مع دول غرب أوروبا بعد انتهاء الحرب , نظراً لتجذر الجينات والنزعات العنصرية في إيديولوجيتها النازية , والتي لا تزال تجد لها أرضية خصبة لدى بعض الأحزاب وأجزاء من الشارع الألماني , بالإضافة إلى قدرتها على إدارة وتحريك الإقتصاد الألماني , الذي أثبت قوة كافية لإعتباره نواةً ومركزاً للإتحاد الأوروبي , لكنها اصدمت على مر العقود بالإصرار الفرنسي على منافستها في قيادة أوروبا والإتحاد الأوروبي , في وقتٍ لم تستطع فيه برلين إثبات قدراتها السياسية والعسكرية لقيادة الغرب الأوروبي , في حين استطاعت فرنسا كسب بعض جولات المنافسة بالنقاط , وأظهرت تفوقاً عسكرياً , لطالما أثار حفيظة القيادات الألمانية , ودفعها لتكثيف جهودها على إعادة بناء قدراتها العسكرية , ليس بهدف قيادة أوروبا فحسب , بل لأجل المشروع الألماني القديم – الجديد , الذي دفعت ألمانيا ثمنه هزيمةً عسكرية قاسية وتقسيماً وجداراً اسمنتياً فصلها في وقتٍ من الأوقات إلى شطرين.
على مرّ الزمن , لم تؤمن ألمانيا يوماً بتراجع مكانتها التي لطالما حلمت بها , واستمر اعتقادها خلال السنوات الأخيرة ، حيث حاولت المستشارة انجيلا ميركل استغلال المخطط الأمريكي في أوكرانيا منذ عام 2014 , واندفعت نحو قيادة الأوروبيين سياسياً في مواجهة روسيا , وضحت لأجل ذلك بالعلاقات الألمانية – الروسية , على أمل تنصيبها زعيمةً العالم الليبرالي على يد "المعلم" دونالد ترامب , وأتى من بعدها المستشار أولاف شولتز , ليستغل العملية العسكرية الروسية الخاصة , للإعلان عن برنامج تعزيز قدرات الجيش الألماني , ولنشر القوات الألمانية في أوروبا الشرقية.
لقد أدت محاولات ألمانيا لإعادة نفخ أكتافها ، إلى إثارة المخاوف والقلق المزمنين في عدد من الدول الأوروبية , رغم محاولاتها لإخفاؤهما حتى فيما بعد الحرب العالمية الثانية , وشكلا معاً أسباباً كافية لسعيهم بضم ألمانيا إلى حلف الناتو , في محاولة لكبح وضبط قدراتها الدفاعية من خلال الناتو ولاحقاً في ظل الإتحاد الأوروبي .
حاولت ألمانيا مع الأشهر الأولى للعملية الروسية الخاصة في أوكرانيا , أن تتصدر المشهد الدولي على أكتاف الموقف الألماني الداخلي , من خلال مواقف تبرز مصالحها الوطنية أولاً والأوروبية في الدرجة الثانية , على عكس الرئيس الفرنسي الذي واجه غضب شعبه حتى أثناء الإنتخابات الفرنسية , وتمسك بأعلام ومواقف الإتحاد الأوروبي ، وسجلت ألمانيا – على نهج ميركل – مواقف ورغبة أقرب إلى الإعتدال والإقتراب النسبي من المواقف الروسية , والرغبة بإنهاء الصراع والخصومة مع موسكو , عبر توحيد وتطوير نظام الأمن الجماعي في أوروبا , لكن شولتز ما لبث أن ابتعد عن هذا المنحى , وانخرط بشكلٍ كبير في دعم سياسة التعامل الحازم وبالعقوبات على روسيا , وتتالت المواقف الألمانية وسط تأكيدها يوماً بعد يوم دعمها السياسي والعسكري والمالي لنظام كييف , وسارت بعكس مصالح شعبها , الذي ترفض غالبية أحزابه ومتظاهريه استمرار الحرب على روسيا , واستقبال النازيين الأوكران على الأراضي الألمانية .
لقد فضح ضعف إئتلاف شولتز نفسه بنفسه , بعد أن مارس الألاعيب والخداع بحق الفرنسيين , الذين عادوا اليوم لإعادة إطلاق محطاتهم النووية , بعدما أوهمهم الألمان بإتجاههم نحو الطاقة البديلة والخضراء , كذلك خضوعهم لدفع التعويضات التي تطالب بها بولندا , ومثلها اليونان أيضاً , في وقتٍ أصبحت فيه أوكرانيا تملي على برلين ما يجب عليها فعله , ونوعية السلاح الذي ترغب به , ومقدار الأموال التي تحتاجها , لإستمرار حرب شولتز وإئتلافه على روسيا
لقد قصم تفجير أنابيب نورد ستريم 1 و2 ظهر ألمانيا , سياسياً ونال من هيبتها وسمعتها , ومن مستقبلها الاقتصادي , ومع ذلك لم تجرؤ على إدانة عملية التفجير, على الرغم من كونها أكبر المتضررين , وذهبت لتتعلق أكثر فأكثر بعربات قطار الفوضى الأمريكي , الذي يبحث عن سبب أو تبرير لعدم إلتزام أوكرانيا بإتفاقية مينسك , وقد يكون إتهام روسيا بتفجير تلك الخطوط , والتحقيق بعيداً عن وجود محققين أو خبراء روس مدخلاً أمريكياً خبيثاً , قادراً على جر الموقف الألماني ورائه , لإلقاء اللوم والمسؤولية الكاملة على روسيا.
إن توقف وصول الغاز الروسي الرخيص إلى ألمانيا , فعل فعلته ورفع أسعار الطاقة , ومواد التدفئة مع اقتراب البرد والثلوج الألمانية , ناهيك عن تضاعف تكاليف إنتاج كافة السلع في ألمانيا , وسط إغلاق العديد من المنشاّت الصناعية والإنتاجية.. كان من الأجدى للحكومة الألمانية أن تعترف بضعفها السياسي , وعدم قدرتها على قيادة الإتحاد الأوروبي , في ظل "الزعيم" والمحارب أولاف شولتز , الذي وصف العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا بأنها " جزءٌ من "حملةٍ صليبية واسعة ضد الديمقراطية الليبرالية" , وانضم إلى ماكرون لجهة رفض الحرب العالمية واستمرار الحرب على روسيا , وانتقلا معاً إلى مرحلة تزويد نظام كييف بأنظمة دفاعٍ جوي مضادة للطائرات والصواريخ الروسية , متجاهلين ما صدر عن الكرملين بأن :" توريد أنظمة الدفاع الجوي إلى كييف سيطيل أمد الصراع , لكنه لن يؤثر على أهداف موسكو".
يبدو أن أولاف شولتز قد ورط نفسه , وبات مجبراً على تعريف "الديمقراطية الليبرالية الغربية" التي ابتكرها الكاثوليك الأوروبي , وبتوضيحها للنازيين الأوكران ولصديقه فولوديمير زيلينسكي وصديقته الجديدة ليز تروس , ليكون أهم من أدولف هتلر بالنسبة لألمانيا وأوكرانيا وأوروبا والعالم.
ميشيل كلاغاصي
17/10/2022
يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرام : انقر هنا