بقلم محمد الحلبي
قد تنعدم الأدلة القاطعة في بعض القضايا لتبقى رؤية القاضي وحنكته هي الحكم فيها، حيث يعتمد القاضي في هذه الحال على روايات الشهود وتسلسل الأحداث وترتيبها أملاً في الوصول إلى الحقيقة الكاملة..
البداية مشاجرة
كانت إحدى الدوريات الأمنية في منطقة الحجاز بدمشق تقوم بأداء واجبها عندما نشب شجار بين سائق تكسي وشابين كانا يركبان معه على الأجرة عندما أخرج سائق التكسي عصا من سيارته وضرب بها المدعو (فادي) قبل أن ينقض شقيق هذا الأخير (راضي) على سائق التكسي للثأر لأخيه عندما تدخلت الدورية لفض الإشتباك واقتياد المتصارعين إلى قسم الشرطة، ليتبين هناك أن (راضي وفادي) مطلوبان بمذكرة بحث ونشرة شرطية بتهمة اختطاف عمتهما والاعتداء عليها جنسياً، وأنهما مطلوبان لمركز الشرطة في قريتهما شمال العاصمة دمشق، وبإحالة الموقوفين إلى الجهة الطالبة لهما تبين أن جدهما قد ادعى عليهما بتهمة الاعتداء على عمتهما البالغة من العمر 24 عاماً وفض بكارتها واختطافها إلى العاصمة دمشق..
وقد أنكر المتهمان (فادي وراضي) هذه التهمة جملةً وتفصيلاً، وادعيا أن من اعتدى على عمتهما هو أحد أبناء القرية ويدعى (عفيف) حيث كان قد وعدها بالزواج وراح يعاشرها معاشرة الأزواج حتى أصبحت حاملاً منه، إلا أنه هرب بعد أن علم بأمر حملها وتركها بمفردها لمواجهة مصيرٍ أسود ينتظرها.. وقد أفادا أيضاً أن جدتهما طلبت منهما ذات مرة الادعاء إذا ما عُرف الخبر أن (راضي) قد فض بكارة عمته أملاً بنجاة هذه الأخيرة و ليبقى الأمر ضمن العائلة، وبهذه الطريقة يتمكنون بمنع انتشار الفضيحة في القرية.. لكن بعد اكتشاف أمر حمل العمة تغير الموقف، فقاما بإحضار عمتهما معهما إلى دمشق بناءً على طلب الجدة، وقالت لهما بالحرف الواحد إن أعمامهما سوف يذبحونها إذا ما علموا بأمرها، وخصوصاً أن بطنها بدأ بالانتفاخ وغدا والدها وأعمامها يلاحظون ذلك، وقد قال الشقيقان أنهما لا يعرفان كيف اهتدى أعمامهما إلى منزلهما في دمشق، حيث جاؤوا وأخذوا عمتهما المدعو (ندى) إلى القرية وقاموا بذبحها هناك حسب الأخبار التي وردت إليهما من بعض أقربائهما..
جريمة لم تكن بالحسبان
ما اعترف به الشقيقان فتح الأبواب على جريمة قتل مرتكبة بحق العمة (ندى) وهذا لم يذكره أهلها بادعائهم أبداً، فتوجه رجال الأمن إلى المنطقة، ومن خلال تحرياتهم الخاصة تم التأكد من خبر قتل العمة، وتم الاستهداء إلى قبرها، ولدى مواجهة ذويها بالحادثة قالت والدتها إنه منذ مدة حضر إلى دارها أولاد ابنها المدعوان (راضي وفادي) إثر خلافهما مع أبيهما، وبعد مرور أربعة أشهر على ذلك الخلاف طلب منهما جدهما الذهاب لأبيهما كونه يريدهما، وفي المساء أبلغاها أنهما سيتجهان إلى دمشق صباحاً..
وفعلاً كان ذلك حيث كانت العمة (ندى) قد رافقت أولاد شقيقها إلى العاصمة، لكن الجدة لم تقل في إفادتها أنها هي من طلبت من أولاد ابنها اصطحاب ابنتها معهما إلى العاصمة، فيما قال الجد إنه استيقظ صباحاً وتفقد ابنته فلم يجدها حتى علم فيما بعد أنها بصحبة أولاد ابنه، وأن ابنته حامل من حفيده حسب أقوال زوجته، وأنه يتهم أولاد ابنه (فادي و راضي) باختطاف عمتهما وفض بكارتها، وأن اختطافها دام قرابة الثلاثة أشهر قبل أن يأتي بها شقيقها الأكبر ويذبحها أمام أعينهم..
هذا وبإلقاء القبض على شقيق المغدورة المدعو (فارس) والذي اعترف بقتل شقيقته طواعيةً بداعي الشرف أفاد أن شقيقته قالت له إن أولاد شقيقها (فادي وراضي) قد اختطفاها، وأنها كانت عذراء قبل أن يعتدي عليها (راضي) بمساعدة (فادي) وأن (راضي) هو من فض بكارتها وراح يعاشرها معاشرة الأزواج حتى أصبحت حاملاً منه، وقد أكد والد المتهمين أقوال شقيقه الأكبر وقال إنه سمع من المغدورة باتصال هاتفي معها سابقاً أن ولده (راضي) اعتدى عليها وعاشرها معاشرة الأزواج، وأن ابنه هو من تسبب بقتلها، وأن شقيقه (فارس) قد قتلها بداعي الشرف..
بعد سماع أقوال أطراف القضية أمر قاضي الإحالة باستخراج جثة المغدورة وإحالتها إلى الطبابة الشرعية، حيث تم أخذ عينة (DNA) من الجنين، فيما تبين أن المغدورة غير عذراء وأن غشاء بكارتها قد فض منذ زمن طويل..
نتائج وحقائق
بعد تحليل عينة الـ(DNA) تبين أن الجنين ليس ابن (راضي) لاختلاف التركيبة الجينية، فتم إحالة كلٍ من (فارس وفادي وراضي) إلى القضاء حيث رأت محكمة الجنايات بدمشق أن الأوراق الواردة في القضية بما يخص المتهمَين (راضي وفادي) من التهم المنسوبة إليهما من جناية الخطف وفض البكارة والسفاح بالنسبة للأول والسرقة الموصوفة للاثنين معاً حيث كان والدهما قد ادعى عليهما أيضاً بسرقة أمواله والهرب بها غير كافية لإدانتهما، إذ إنه كان بإمكان المغدورة أن تهرب من خاطفيها طوال المسافة من قريتها إلى العاصمة كون المسافة لا بأس بها، وكان بإمكانها طلب النجدة، كما أن المغدورة كانت تتصل بوالدتها من حينٍ لآخر و تطمئنها على صحتها، أي أن (راضي وفادي) لم يمنعاها من ذلك وهذا يتنافى مع قضايا الخطف..
والسؤال الذي يطرح نفسه هو عدم قتلها مع مختطفيها في مكان العثور عليها, بالإضافة إلى تحليل الـ(DNA) الذي يؤكد عدم مسؤولية المتهمَين بقضية السفاح المنسوبة إليهما، وأن الأقوال المتطابقة لوالد المتهمين وشقيقه وجدهما والجدة أيضاً كانت نتيجة الاتفاق السابق مع الجدة من أن (راضي) هو من قام بالاعتداء على عمته درءً للفضيحة، ولتبقى القضية داخل نطاق العائلة..
وبناءً عليه قررت محكمة الجنايات بدمشق إعلان براءة المتهمين (راضي وفادي) من التهم المنسوبة إليهما لعدم كفاية الأدلة، وإخلاء سبيلهما فوراً ما لم يكونا موقوفين لجرمٍ آخر..
كما أقرت محكمة الجنايات تجريم المتهم (فارس) بجناية قتل شقيقته، ومعاقبته وفق أحكام المادة 535 من قانون العقوبات العام، وملاحقة المدعو (عفيف) الهارب من وجه العدالة، ما يعزز من إعلان براءة (فادي) و(راضي) من الجرم المنسوب إليهما..
التاريخ - 2016-02-22 3:03 PM المشاهدات 1292
يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرام : انقر هنا