دائما نتساءل عن القوة المادية لتنظيم " داعش " الإرهابي، أو ما يعرف بفرقة الموت، فـ " داعش " ما هي إلا عصابة من القتلة الإرهابيين، ولا يمكن التعامل معها على أنها " جيش " وبالتأكيد هي لا تمتلك مقومات الدولة أيضًا، فلا يمكن " لتنظيم " هش كهذا أن يصمد لفترة طويلة لولا ملايين الدولارات وأطنان الأسلحة التي ظلت تحت تكتم شديد من قبل الدول المانحة لهم، وما النموذج التركي إلا مصداق بسيط لهذه الحالة، حيث التزمت أنقرة بتسليح وضمان تدفق التكفيريين إلى العراق وسوريا.فرنسا الدولة الأوروبية الأكثر تضررًا من الجماعات التكفيرية وعلى رأسها " تنظيم داعش "، وذلك وفقا لما قام به التنظيم من تفجيرات إرهابية طالت باريس وأودت بحياة أكثر من 150 شخص العام الماضي، بالإضافة لهجمات متفرقة طالت صحيفة شارل إبدو، وملاعب رياضية، ثبت فيها تورط داعش.حيث كشفت صحيفة “لوموند” عن فضيحة مدوية، تمثلت في تعاون الفرع السوري لشركة " لافارج " الفرنسية لصناعة الأسمنت، مع " تنظيم داعش " ما بين العامين 2013 و2014، لضمان استمرار المصنع في عمله.وأوضحت الصحيفة، أن الأمر يتعلق بمصنع " لافارج " بمدينة جلابيا، شمال شرقي سوريا، الذي اشترته الشركة في العام 2007 من " أوراسكوم " المصرية، وقدرت قيمة المصنع بحوالي 600 مليون يورو، ما جعله المشروع الأكثر أهمية في الاستثمارات الخارجية لشركة " لافارج ".وبحسب مصادر صحيفة، فحتى نهاية العام 2013، كان المصنع يشتغل بوتيرة عادية رغم الاضطرابات التي عمت سوريا في عام 2011، وكان الجيش السوري يتكفل بحراسته حتى صيف 2012، تاريخ انسحابها من جلابيا، بحيث صارت قوات " وحدات حماية الشعب الكردي " ( المدعومة أميركياً ) تتكلف بحراسته باتفاق مع إدارة " لافارج ".وما بين عام 2013 و2014، عندما سقطت مدينة الرقة بأيدي مسلحي " داعش " ، وبعدها بلدة منبج التي تقع على بُعد 65 كيلومترا شرق مقر المصنع، قامت إدارة " لافارج " الفرنسية، من مقرها الرئيس بباريس، بشتى المحاولات لضمان أمن المصنع وعماله وتأمين الطرق التي تسلكها الشاحنات منه وإليه، الأمر الذي دفع الشركة الفرنسية للاستعانة بخدمات شخص أردني يدعى " أحمد جلودي "، بعثته الإدارة إلى مدينة منبج مستهل العام 2013، ليتولى تأمين اتصالات مع مسؤولي " داعش " وأمرائه المتواجدين في الرقة المجاورة.ورغم أن اسم جلودي لا أثر له في سجلات الشركة كمسؤول رسمي، فإن الرجل، حسب " لوموند " ، كان يتوفر على حساب إلكتروني باسم " لافارج "، وكان المندوب الأساسي الذي يتولى ترتيب الأمور مع " داعش " ودفع " أتاوات " مقابل تصاريح مدموغة بطابع " داعش " تتيح لشاحنات المصنع المرور عبر الحواجز العسكرية، وأيضا السماح لشاحنات الوقود بالوصول إلى المصنع وإمداده بما يكفي لضمان اشتغال الآلات والصهاريج الأسمنتية.وقد حصلت الصحيفة الفرنسية على نسخ من رسائل إلكترونية متبادلة بين جلودي والمدير العام للفرع السوري لشركة " لافارج "، فريديريك جوليبوا، الموجود في العاصمة الأردنية عمان، وتتعلق بالتحويلات المالية اللازمة لرشوة " تنظيم داعش ".وكانت الرسائل تصل أيضا إلى مدير أمن الشركة في باريس، جان كلود فييار، ما يثبت أن إدارة " لافارج " كانت موافقة على التعاون مع " داعش " وتمويله بطريقة غير مباشرة عبر " الأتاوات ".وأكد تحقيق " لوموند " أن الشركة كانت تشتري البترول من تجار السوق السوداء الذين كانوا على علاقة بالتنظيم، وأيضا بعض المواد الأولية اللازمة لصناعة الأسمنت، مثل الجبصين والبوزولان من مناطق محاذية لمدينة الرقة.وذكرت الصحيفة أن شخصا آخر يدعى " أحمد جمال " ، وهو تاجر حرب من مواليد الرقة، كان الوسيط الأساسي بين جلودي ومسؤولي " داعش ".ويبدو أن تحقيق " لوموند " أجاب على الكثير من التساؤلات المبهمة التي يتم من خلالها تمويل أغنى تنظيم إرهابي في العالم، حيث تقول التقارير أن هذه المجموعة المتفرعة عن القاعدة حصلت على مليارات الدولارات، بفضل تطور شبكات تجارة الغاز والنفط عبر المنطقة، حيث استولت " داعش " على خمسة حقول نفط زودتها بحوالي 2،5 مليون دولار يوميا عن طريق تصدير معظم النفط إلى تركيا، بالإضافة إلى ذلك المنح الخاصة من الداعمين في دول الخليج، وهذا الدخل الهائل لا يمكن أن يصل إلى " داعش " من دون اللجوء إلى الطرق المصرفية التقليدية، فلم يسمع أحد عن خطط لتقصي وإيقاف خطوط تمويل داعش عبر النظام المصرفي.حيث كشف التقرير الفرنسي أن المدعو أحمد جمال كان يحصل على مبالغ مالية من " لافارج " عبر تحويلات مالية إلى حساب مصرفي في بيروت، يملكه الدكتور عمرو طالب، وهو يشتغل رسمياً مستشارا لشركة " لافارج "، وهذا الأخير الذي ورد اسمه في المراسلات تحت لقب " الدكتور "، هو رجل أعمال سوري حاصل على الجنسية الكندية، ويبلغ 28 عاماً، ومتخرج في جامعة هارفارد الأميركية، ويملك شركة للتصدير والاستيراد مقرها بمدينة غازي عنتاب التركية على الحدود السورية التركية.وبالمقابل دون التطرق مباشرة إلى ماهية الترتيبات مع " داعش "، ردت شركة " لافارج "، التي اندمجت مع شركة هولسيم السويسرية في 2015 لتشكيل شركة عملاقة لمواد البناء، بالقول، إن " الأولوية المطلقة لدى لافارج كانت دوماً ضمان أمن وسلامة موظفيها ".الديار
التاريخ - 2016-06-24 4:36 AM المشاهدات 1123
يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرام : انقر هنا