لامس الهجوم المدعوم أميركيا على مدينة منبج، حدود الفشل الواضح، بعدما تمكن تنظيم «داعش»، وعبر هجمات مباغتة على أكثر من محور، من استعادة السيطرة على سلسلة من القرى والتلال والجبال المحيطة بالمدينة الواقعة في الشمال السوري، وهو ما يسمح بالقول إنه لو تمكنت «قوات سوريا الديموقراطية» من اقتحام منبج لاحقاً، فإن المعركة لن تكون حصيلتها الختامية هزيمة مدوية بحق «داعش» ولا نصراً صافياً لواشنطن وحلفائها.وفي هذه الأثناء، حقق الجيش السوري والقوات المساندة له، أمس، تقدماً مهمّا شمال حلب، تمثّل بالسيطرة على مزارع الملاح، ليصبح على بعد أقل من كيلومترين من طريق الكاستيلو، المنفذ الوحيد لـ«جيش الفتح» والفصائل الإسلامية الأخرى في الأحياء الشرقية للمدينة. اما في محافظة ادلب، فقد اتهم «جيش التحرير»، الفصيل المسلّح المدعوم من واشنطن، «جبهة النصرة»، بأسر قائده وعشرات من مقاتليه، بعدما هاجمت «النصرة» مواقعه في محافظة إدلب.واستعاد تنظيم «داعش» زمام المبادرة في معركة منبج، وشنَّ هجوماً معاكساً استولى بموجبه على عدد من القرى والنقاط المهمة في مختلف الجهات المحيطة بالمدينة، ما جعله قاب قوسين أو أدنى من فك الحصار عن المدينة المستمر منذ حوالي شهر تقريباً. وقد لا يكتفي التنظيم بمجرد فك الحصار واسترداد خطوط الإمداد، لأن وقائع المعركة تشير إلى أن التنظيم يتبع إستراتيجية في قيادة المعركة وتوزيع محاور القتال قد يكون الهدف منها تقطيع أوصال مهاجميه تمهيداً لمحاصرة مجموعات كبيرة منهم في بعض الأرياف حيث ينتشرون بكثافة.وكانت «السفير» أشارت في تقرير سابق نشر بتاريخ 23 حزيران الماضي أن تنظيم «داعش» يستعد للقيام بهجوم معاكس كبير، وأن الهجمات السابقة لم تكن سوى محاولات لجس النبض، أما الهجوم الأساسي الذي جرى التخطيط له بعد وصول تعزيزات بقيادة ابو طلحة الألماني فسينطلق خلال ايام قليلة.وبالفعل شهد يوم الجمعة الماضي بدء عملية واسعة حيث انطلق مقاتلو التنظيم من ثلاثة محاور من الشمال والشرق والجنوب بهدف فك الحصار عن مدينة منبج. وقد استعاد المهاجمون، يوم السبت، السيطرة على قرية الخطاف شرق منبج، وعون الدادات وزنغل شمالها وشمالها الغربي بعد أن فجّر أبو تراب الإرهابي نفسه في مبنى كان يتحصن به عناصر «قسد» في قرية زنغل على طريق جرابلس ـ منبج. ومن الغرب سيطر التنظيم على بعض المباني المرتفعة التي كانت تنتشر عليها قناصة «قسد».وقد بدأ الهجوم المعاكس من خارج منبج على شكل هجمات متلاحقة سريعة ولكن قوية وكثيفة كانت تنطلق من محيط مدينة جرابلس في الشمال، وبسبب عجز الطائرات الأميركية عن التدخل لحماية حلفائها نتيجة التماس القريب بين الطرفين المتقاتلين، خشي مقاتلو «قسد» خصوصاً أولئك المتواجدين على المحور الشمالي من أن يتعرضوا للحصار نتيجة هذه الهجمات وبان الارباك واضحاً على أدائهم، فباغتهم التنظيم بهجوم ثان ولكن هذه المرة من داخل المدينة تخلله تنفيذ بعض العمليات الانتحارية، ما دفع بمقاتلي «قسد» المربكين إلى الانسحاب وإخلاء مناطق انتشارهم، والابتعاد عن المدينة مسافة أربعة كيلو مترات. كما روى لـ «السفير» علاء أبو جعفر، وهو ناشط إعلامي متابع لمعركة منبج عن كثب.ثم إن الهجوم المضاد سرعان ما ركز على الجهة الجنوبية، حيث تمكن التنظيم، يوم امس، من السيطرة خلال ساعات قليلة على جبل أم السرج الإستراتيجي بسبب ارتفاعه ووجود مغاور عميقة داخله تعتبر بمثابة تحصينات طبيعية. كما طُرد عناصر «قسد» من قرية حزاونة (كان يشار إليها على أنها أحد احياء المدينة عندما تقدم إليها قسد) وبسط سيطرته أيضاً على جبل الأقرع وعلى عدد من القرى أهمها العون والعليوان وصافي والشات وقرعة كبيرة وقرعة صغيرة والعشرة والنشامى وخربة الروس متقدماً بذلك نحو بلدة أبو قلقل جنوب شرق منبج. فيما تفرع عن هذا الهجوم الذي انطلق من الجنوب الغربي ووصل إلى خربة الروس، هجوم آخر توجه شمالاً نحو المدينة حيث فجر أبو تميم النجدي نفسه بسيارة مفخخة في قرية كابر كبير جنوب منبج وشمال قرعة كبير، وسط استمرار الاشتباكات في القرية القريبة من حدود المدينة.وبذلك يكون التنظيم على وشك كسر الحصار المفروض عليه داخل منبج من جهتين الجهة الشمالية والجهة الجنوبية. غير أن استكمال التنظيم لخطوات فك الحصار على هذا النحو ووفق محاور القتال التي افتتحها سيؤدي تلقائياً إلى محاصرة مجموعات كبيرة من مقاتلي «قسد» في بعض القرى لا سيما أولئك المنتشرين في الريف الغربي والشمالي الغربي والجنوبي الغربي، لعدم وجود طريق يسلكونه للانسحاب. وقد يكون هذا هو الهدف الحقيقي من وراء الهجوم الواسع الذي يقوم به تنظيم «داعش» ولم ينته بعد.ومن المستبعد أن تسمح الولايات المتحدة بقلب المعادلة بهذا الشكل، وتعريض حلفائها لخطر الحصار، إلا أن مجرد تمكن التنظيم من الوصول إلى هذه الدرجة من تهديد «قسد» يعتبر بحد ذاته فشلاً اميركياً ذريعاً، ودليلاً واضحاً على أن «قسد» ما زالت تفتقر إلى الخبرات العسكرية التي تمكّنها من مواجهة «داعش» من دون الغطاء الجوي الأميركي.وقد بدا جلياً من إصرار التنظيم على الدفاع عن مدينة منبج بهذا الشكل وقتاله فيها على نحو قد يكون غير مسبوق من قبل، أن ذلك لم يكن عبثياً بل هو يحمل في طياته معاني مهمة حول طبيعة توجهاته المستقبلية. ومن هذه التوجهات أنه يفضل التمسك بالأراضي التي يسيطر عليها في سوريا أكثر من الأراضي العراقية خصوصاً أننا لم نر هذه الشراسة في القتال للدفاع عن مدينة الفلوجة ذات الرمزية الخاصة للتنظيم. وقد يكون هذا التفضيل جاء بناء على قراءة خاصة للأحداث أوحت للتنظيم أن التعقيدات المحيطة بالملف السوري وإمكانية التلاعب على التناقضات القائمة فيها، تخدم قضية بقائه واستمراره أكثر في هذه المرحلة.السفير
التاريخ - 2016-07-04 10:52 AM المشاهدات 938
يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرام : انقر هنا